يجمع كثير من المتابعين على أنّ ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية سياسياً واقتصادياً ومالياً في ضوء الخروج الأميركي من الاتّفاق النووي الإيراني، يهدّد بحصول حروب عالمية، لأنّ الحروب التي حصلت سابقاً ومنها الحربان العالميّتان الأولى والثانية، كانت أسبابها إقتصادية بالدرجة الأولى.
 

تُظهر ردة الفعل الأوروبية المعارِضة للخروج الأميركي من الاتّفاق النووي مدى تضرّر الدول الأوروبية اقتصادياً ولا سيما منها الدول التي وقّعت هذا الاتّفاق وأبرمت عقوداً إستثمارية واقتصادية مع إيران بعشرات المليارات من الدولارات، إذ تخشى هذه الدول من تعرّضها لنكباتٍ اقتصاديةٍ كبرى، خصوصاً بعد إعلان الأميركيين أنهم سيحجزون أموال كلِّ شركة أوروبية تعمل في إيران، داخل الولايات المتحدة وخارجها، فضلاً عن منعها من العمل على الأراضي الأميركية. وهذا التصرّف الأميركي يمكن أن يقابل بردّ فعل أوروبي وهو حجز أموال الشركات الأميركية في أوروبا وكل هذا سيؤدّي في النهاية الى أزمة أوروبية ـ أميركية تنعكس سلباً على العالم.


وفي قراءته للمشهد بعدما وضعت الانتخابات النيابية نتائجها وأوزارها هنا وهناك، يقول سياسي إنّ نتائج الانتخابات لم تغيّر شيئاً جدّياً في الواقع، صحيح أنه غابت عن المجلس النيابي وجوهٌ تشريعية مرموقة، تساقطت الواحدة تلوَ الأخرى منذ العام 1992 وحتى الآن حيث بلغت الذروة إذ جاء المجلس الجديد خلواً نهائياً من أيٍّ من هذه الشخصيات، التي سواءٌ أحبّها هذا أو كرهها ذاك كان لها حضورُها وبصماتها في العمل النيابي والتشريعي.


وفضلاً عن ذلك لم تدخل الى الحياة النيابية قوى سياسية جديدة، لأنّ القوى السياسية الكبرى وصاحبة السطوة والنفوذ عادت هي نفسها الى المجلس مبدّلة فقط في وجوه بعض ممثليها، ويمكن القول إنّ ما تغيّر هو أنّ بعض القوى تمكنت من زيادة عدد مقاعدها النيابية وذلك نتيجة ضمور حصص قوى أُخرى، أو ربما بفعل طبيعة قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد النظامَ النسبي للمرة الأولى، وتراجع عدد النواب المستقلّين الى حدود أنّ المتبقّين من هؤلاء لا يتجاوز عددُهم أصابعَ اليد الواحدة، فيما بعض النواب الجدد هم أشبه بـ«جلابيط» ينتمون جميعاً الى أحزاب يقودها كبار وأساطين في العمل السياسي. ولذلك لن يغيّرَ المجلس النيابي الجديد والحكومة المنتظر تشكيلها أيَّ شيء في الخريطة السياسية السائدة. والمشكلات التي يمكن أن تحصل سيكون سببها سعي هذا الفريق أو ذاك الى تكبير حصته الوزارية في الحكومة الجديدة قياساً على حجمه النيابي. فالبعض يروّج الآن أنّ «القوات اللبنانية» التي فازت بخمسة عشر مقعداً نيابيّاً ستندفع الى المطالبة بإعطائها حقيبة وزارية سيادية، الامر الذي قد يكون متعذّراً، فالرئيس نبيه بري ومعه حلفاؤه متمسّك ببقاء وزارة المال من حصة الطائفة الشيعية و«التيار الوطني الحر» لا يبدو أنه سيتخلّى عن وزارة الخارجية، بل إنّ بعض أوساطه تروّج بأنه يريد حقيبة سيادية أخرى نسبة الى حجمه النيابي الكبير، أو أن تكون هذه الوزارة من «حصة» رئيس الجمهورية بحيث يسمّي لها شخصية محسوبة عليه. وتبقى وزارتا الدفاع والداخلية الأولى هي الآن من حصة طائفة الروم الأرثوذكس وفي كنف «التيار الوطني الحر» فيما وزارة الداخلية من حصة الطائفة السنّية وتيار «المستقبل»، ولذا من المستبعد أن يقبل القابضون على هذه الوزارات السيادية الأربع في الحكومة الراهنة أن يتخلّوا عن أيٍّ منها لـ«القوات اللبنانية» أو غيرها، ما يعني أنّ التأليف قد يواجه عقداً وعقباتٍ كثيرة، خصوصاً أنّ هناك وزارات أُخرى أُدخلت في نادي الوزارات السيادية» أو تحوّلت سياديةً بامتياز وعلى رأسها وزارات الطاقة (التي يتمسّك بها «التيار الوطني الحر») والإتّصالات والعدل.


وفي هذه الأثناء تحاول بعض القوى السياسية الصغرى تكبيرَ حجمها عبر تركيب كتل نيابية بالتحالف مع آخرين وعبر اجتذاب النواب المستقلّين الى جانبها، وذلك من أجل نيل حصة وزارية وازنة في الحكومة. وفي هذا الإطار يسعى النائب سليمان فرنجية الى تكوين تكتل نيابي يضمن نوابه ونواباً آخرين، وذلك من أجل أن تكون حصته وزيرين في الحكومة يتولّيان وزارتين أساسيّتين، فيما رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لن يكون في وارد التسليم بإعطاء فرنجية سوى حقيبة واحدة، لأنه يعتبر أنّ فرنجية منافسٌ كبيرٌ له على رئاسة الجمهورية مستقبلاً، فضلاً عن رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ولذلك سيسعى باسيل بما أوتي من نفوذ ووسائل وإمكانات وفرص الى تحجيم فرنجية وجعجع سياسياً وتمثيلياً في الحكومة الجديدة ليضمن صيرورة الرئاسة اليه بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون سنة 2022.


ولذلك، ليست هناك أوهام لدى أحد في أنّ الحكومة الجديدة ستولد قريباً على رغم الضرورة التي يفرضها واقعُ الحال السياسي والاقتصادي، فضلاً عن الواقعَين الإقليمي والدولي الراهنين، فالمعارك المتوقعة حول تأليف الحكومة تدور الآن وعلى أكثر من محور في الوقت الذي لم تُجرَ بعد الاستشارات الخاصة بالتكليف والتأليف الحكوميَّين. فيما تبعث الأجواء السائدة في المنطقة على الخوف من أن يكون الوضع الإقليمي ذاهباً في اتّجاه انفجارٍ كبير يُتوقع أن يكون لبنان أحد ساحاته. ومن المؤشرات الى هذا الانفجار الانسحاب الأميركي من الاتّفاق النووي الإيراني، وتصديق الكنيست الإسرائيلي على قرار يجيز لرئيس الحكومة بنيامبن نتنياهو شنّ حروب من دون العودة اليه أو الى مجلس الوزراء الإسرائيلي، ويتزامن كل هذا مع اندفاع إسرائيل الى تجميع ذرائع وحجج ضد إيران يُخشى أن تكون تمهيداً لتوجيه ضربة عسكرية للبنى التحتية والفوقية النووية وغير النووية الإيرانية وإعاقة تقدّمها وتطوّرها العلمي والتكنولوجي والذرّي والاقتصادي وإعادتها عشرات السنين الى الوراء، ويُستدلّ الى ذلك من خلال ما كشفه نتنياهو من وثائق حول الملف النووي الإيراني قال إنها تدلّ على سعي طهران لامتلاك السلاح النووي، وبالاضافة أنّ كل هذا صيرورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأنه «ممسوك» إسرائيلياً مئة في المئة بعدما كان الإمساك به الى فترة خلت بنسبة 80 في المئة.


كل هذه المعطيات والتطوّرات تشير، في رأي السياسي إياه، الى أنّ المنطقة تقف على شفير «انفجار كبير» يُخشى أن يكون لبنان جزءاً منه، إذ إنّ إسرائيل تريد إضعافَ إيران بضرب منشآتها النووية وغير النووية ومراكز وجودها في سوريا، وكذلك ضرب «حزب الله» بغية تقويض قدراته في لبنان وسوريا. فيما الوضع الاقتصادي اللبناني يثير قلقاً كبيراً لأن ليس معروفاً مدى قدرة لبنان على تهدئة أوضاعه المالية والاقتصادية عند حصول أيِّ تطوّرٍ عسكريٍّ ذات صباح.