خلال خطابه الأخير في مناسبة ذكرى القيادي «ذو الفقار»، بدا (السيد حسن نصرالله)، للمرة الأولى، ميّالاً الى التخلّي عن حذره الدائم في شأن الحسم بإمكانية عدم إقدام إسرائيل على شنّ حرب جديدة ضد لبنان، وذلك عندما قال: «للمرة الأولى صرتُ ميّالاً للإعتقاد بثقة أنّ إسرائيل لن تخرج الى حرب ضدنا».
 

قبل هذا الإعلان، كان نصرالله يستبعد إمكانية تجرّؤ إسرائيل على خوض حرب جديدة ضد لبنان، مع إبقاءِ هامشٍ واسع لإمكانية حدوثها. وهذه المرة بدا نصرالله جازماً الى حدّ بعيد، وعلى مسؤوليّته الشخصية كما قال بعدم حدوثها.

خلال الربيع الماضي، وخلال لقائه بوفد قيادي رفيع من حركة «حماس» في اطار التشاور مع الفصائل الفلسطينية لبناء استراتيجية الحدّ الادنى المشتركة بين كل فصائل المقاومات ضد إسرائيل، قال نصرالله لمحدّثيه من «حماس»: «أستبعد ان تشنّ إسرائيل حرباً ضد «حزب الله» في لبنان، لأنّ تل ابيب وأيضاً واشنطن، يعرفان حقّ المعرفة ما نملكه من إمكانات كبيرة للرد على أيِّ عدوان إسرائيلي، وأرجح أن تشنّ إسرائيل حرباً على قطاع غزة». ولكن نصرالله، استدرك ليقول «أنا استبعد الحرب على لبنان، ولكنني لا أُجزم بأنها لن تحدث».

ما الذي جعل نصرالله شبهَ متأكّد هذه المرة من أنّ مثل هذه الحرب الإسرائيلية لن تحدث؟

في اطار ردها على هذا السؤال تحدّد مصادر وثيقة الصلة بـ»حزب الله» وإيران، ثلاثة أسباب بصفتها عوامل حاسمة تلغي خيار الحرب الاسرائيلية الشاملة ضد «حزب الله»، سواءٌ في لبنان أو في سوريا:

• السبب الأول، بحسب المصادر القائلة به، يركّز مضمونه على تصحيح السؤال المطروح أعلاه، ليصبح ليس فقط لماذا ليست إسرائيل «غير قادرة» على خوص حرب، بل، أيضاً وفي الأساس، لماذا هي «غير راغبة» بشنّ حرب؟

وتفيد الإجابة أنّ إسرائيل تمر في هذه المرحلة بذروة ازدهارها الإقتصادي، حيث إنه للمرة الأُولى في تاريخها يصل معدّل النموّ فيها الى 5،4 في المئة، ويصل معدّل دخل الفرد الى 1500 دولار، وهو يساوي معدّل دخل الفرد في الدول الأوروبية الغربية.

وتتطلّع إسرائيل ضمن خططها المقبلة الى البناء على طفرة ازدهارها الاقتصادي هذه، وذلك عن طريق توسيع إستثماراتها في قطاع الغاز المكتشف لديها، والذي تشكّل حقول الغاز الخاصة بها والمشتركة مع لبنان، جزءاً اساسياً من عوامل استمرار تعاظم طفرتها الإقتصادية المقبلة. وتعلم إسرائيل أنّ أيّ حرب مع لبنان و»حزب الله»، ستهدّد مسار نموِّها الاقتصادي المتعاظم بانتكاسة كبيرة.

وخلاصة الفكرة هنا، أنّ إسرائيل معنيّة بالحفاظ على امتياز النموّ الاقتصادي الحالي الإستثنائي في تاريخها الذي تنعم به الآن، ولن تغامر بتعريضه لنكسة بنيوية عبر شنّ حرب جديدة. وهذا السبب الإقتصادي هو الذي يجيب عن سؤال: لماذا إسرائيل «غير راغبة» بالحرب. أما الشق الثاني من السؤال المتعلق بلماذا إسرائيل «غير قادرة « على شنّ حرب ضد «حزب الله»، فيمكن الاجابة عنه بتوازن الرعب الصاروخي مع الحزب وايضاً بظروف جبهتها الداخلية التي لا تزال غير جاهزة لإستيعاب نتائج حرب مدن صاروخية مفتوحة.

• السبب الثاني الذي يجعل نصرالله شبهَ جازم بأنّ اسرائيل لن تخرج الى حرب ضد الحزب في لبنان، هو ما وصل اليه من تولّد إقتناع داخل بيئة قرار الحرب في اسرائيل، من أنّ ايَّ اشتباك عسكري يقع بين إسرائيل وايران لن يتحوّل حرباً اقليمية، طالما انّ هذا الاشتباك لن يطاول «حزب الله» في لبنان.

وابلغ واقعة تؤكّد وجود هذا التقدير لدى اسرائيل، هو ما حصل خلال إسقاط الجيش السوري طائرة الـ»إف 15» الاسرائيلية، وذلك عندما اتّصل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليطلب منه أمرا واحدا، وهو ضمان عدم إنضمام «حزب الله» الى ذلك الاشتباك الايراني السوري ـ الاسرائيلي الذي حدث حينها في سماء سوريا.

وخلاصة هذا التقدير المنسوب الى تل ابيب تفيد أنّ الإحتكاك العسكري بين الحزب واسرائيل في لبنان هو وحده الذي يحمل خطر إحتمال دخول المنطقة في حرب اقليمية، فيما الاحتكاكات العسكرية في سوريا تظل تحت سقف أنها اشتباك اقليمي وليست حرباً اقليمية.

• السبب الثالث يتحدث عن بدائل اسرائيلية تستهدف سياسياً حزب الله داخل لبنان، وهي مطروحة بديلاً للحرب عليه. وبحسب معلومات مستقاة من بيئة الحزب، وحتى من ايران، فإنّ المرجح أن تعمد تل ابيب ضمن هذا السياق، وفي خلال الفترة المقبلة لمحاولة جسّ نبض جدوى تنفيذ مناورات سياسية عدة تجاه لبنان تتزامن مع تعاظم ضغوط العقوبات المالية وحتى السياسية الدولية على حزب الله، والهدف من هذه المناورات هو احراج الحزب داخل لبنان.

وابرز هذه المناورات المتوقعة، يتمثل بتقديم إسرائيل عرض تسوية لمزارع شبعا و للنقاط اللبنانية الـ13 المتحفظ عنها او المتنازع حولها على «الخط الارزق»، وذلك في إطار مقايضتها بفرض تسريع تسوية للنزاع البحري الذي تهتمّ تل ابيب بإنجاز حلّ له لعلاقته بخططها لتعزيز طفرتها الاقتصادية.