6 نساء فقط دخلن الندوة البرلمانية. خاضت الجمعيات النسوية والمدنية قبل الانتخابات معارك شرسة لإيصال أكبر عدد من النساء إلى البرلمان بهدف مسح العار عن لبنان. في النتيجة، بدل إرساء الطبقة الحاكمة قانون انتخاب يدعم النساء ويضمّ كوتا تمنحهن 30 في المئة من المقاعد كحدّ أدنى، تمّ تشريع قانون يقضي عليهنّ، وتوّج بممارسات حزبية تذبحهنّ.
 

الفارق بين هذه الانتخابات وسابقاتها أنها شهدت ترشّح 113 امرأة، خاضت منهنّ 86 امرأة الانتخابات بعد أن حجزن أماكن لهنّ على اللوائح. تَرشُّح هذا العدد من النساء شكّل سابقة، ففي الدورات الماضية لم يتخطَّ عدد المرشحات الـ 18 مرشحة كحدّ أقصى. لكن، في العام 2005 على سبيل المثال فازت 6 مرشحات من اجمالي 14 مرشّحة، وفي العام 2009 دخلت البرلمان 4 نائبات من أصل 12 مرشحة، بينما اليوم وفي القانون الحالي فازت 6 مرشّحات من أصل 113!

هذا القانون ذبح النساء

طالب المجتمع المدني بكوتا نسائية لانتشال لبنان من المرتبة ما قبل الأخيرة عالمياً بالنسبة لمشاركة النساء في الندوة البرلمانية، إلّا أنّ البرلمان السابق لم يقرّ كوتا، بل قانوناً يصعّب على النساء الفوز بدل تسهيله. فضلاً عن أنّ الأحزاب فجّرت ذكوريتها، ولم ترشّح سوى قلّة قليلة من النساء على لوائحها لـ»رفع العتب» عنها، أو حتّى للاستفادة!

ماذا فعلت الأحزاب؟

تؤكد العضوة المؤسِّسة لجمعية نساء رائدات جويل أبو فرحات رزق الله لـ»الجمهورية» أنّ «الأحزاب اللبنانية مجتمعة رشّحت 8 نساء من الحزبيات المنتميات لها، بينما استقطبت على لوائحها 30 سيدة مستقلة وغير حزبية. أمّا الـ 48 سيدة الأخريات فترشحن على اللوائح المستقلة، ومنها لوائح «كلنا وطني»». وتوضح أبو فرحات: «النساء الحزبيات شكلن 9 في المئة من إجمالي السيدات المتواجدات على اللوائح، ما يدلّ على أنّ الأحزاب لم تقم بعملها».

المستقلّات للاستفادة

إلى ذلك، تلفت أبو فرحات إلى أنّ «الأحزاب استبدلت ترشيح الحزبيات بمستقلّات للاستفادة منهن في العديد من الحالات، فبدل ترشيح الحزب امرأة يدعمها بأصواته لإيصالها إلى البرلمان، اختار التحالف مع مرشحة مستقلّة تتمتّع بشعبية في منطقتها للاستفادة من الأصوات التي تجلبها، كما حصل مع الفائزتين على لوائح تيار المستقبل في طرابلس وبيروت ديما جمالي، ورولا طبش». وتوضح أبو فرحات: «أنا متأكدة أنّ الحزب لم يقم بعمله لناحية صبّ الأصوات التفضيلية لهذه النساء، بل إنّ هؤلاء النساء جلبن الأصوات لهذه اللوائح».

المنتسبات إلى الأحزاب

هذه النسبة القليلة من المرشحات من قبل الأحزاب لا تحاكي الواقع على الأرض، لأنّ الأحزاب تضمّ الآلاف من المنتسبات إليها، تتكل عليهن للتصويت والعمل ضمن الماكينات الانتخابية لإيصال رجالها، لكنها لا تعمل على إيصالهنّ!

على سبيل المثال يلامس عدد النساء المنتسبات إلى حزب الكتائب الخمسين في المئة من إجمال المنتسبين. وعدد النساء حاملات البطاقات في حزب القوات اللبنانية أكثر من 30 في المئة، وفي «التيار الوطني الحر» يفوق عدد المنتسبات الـ35 في المئة، وفي تيار المردة أكثر 30 في المئة من النساء.

إلى ذلك عدد المنتسبات الى حركة «أمل» و»حزب الله» يقارب الـ 50 في المئة، بينما بلغَ عدد المنتسبات الى صفوف تيار المستقبل أكثر من 25 في المئة من إجمالي المنتسبين.

وسط كل هذه الأعداد من النساء الحزبيات رشّحت الأحزاب 8 نساء فقط! فازت من بينهنّ ثلاث بمقعد نيابي، هنّ عناية عز الدين عن حركة «أمل»، وبهية الحريري عن تيار المستقبل وستريدا جعجع عن حزب القوات اللبنانية، علماً أنّ الحريري أخت مؤسّس التيار، وجعجع زوجة رئيس الحزب!

الكوتا ضرورة لتغيير الواقع

لا تطالب الجمعيات المدنية بالكوتا عبثاً، بل لأنها طُبّقت في 128 بلداً لتمكين النساء من دخول عالم السياسة، وفي العديد من الدول العربية بينها تونس والجزائر والمغرب والعراق، والإمارات والسعودية حيث يضمّ مجلس الشورى 20 في المئة من النساء.

وتؤكد أبو فرحات: «إن لم نطبّق كوتا نسائية لن تتمكن النساء من دخول المجلس النيابي بكتلة مؤثرة:

أولاً، بسبب العقلية الذكورية المتجذّرة في مجتمعنا.

ثانياً، لأنّ الأحزاب لا تشجّع النساء، ولا تُدرجهن على لوائحها كما لا تدعم وصولهن، ولا تحفظ حقوقهن.

ثالثاً، لأنه لا يمكن مقارنة رجل يعمل في المجال السياسي منذ 30 سنة بامرأة جديدة في هذا المجال، ولا يعرفها الناس».

ووسط كل هذه المعوقات، وفي ظلّ قانون ينصّ على اختيار صوت تفضيلي واحد وليس عدد من المرشحين كالقانون السابق، ذُبحت المرشحات بمساندة قلّة ترشيح النساء من قبل الطبقة السياسية. من هنا، ضرورة إقرار كوتا تجبر الأحزاب على ترشيح النساء، وتغيير واقع الحال، لأنه بات واضحاً أنها لن ترشحهنّ من تلقاء ذاتها، وسيبقى لبنان في أسفل السلم العالمي ينتخب طبقة سياسية تُمعن في دفعه إلى الوراء وتحجيم نسائه.