تكتسب الانتخابات النيابية في الشمال قيمةً سياسية مضافة حوَّلتها منذ الآن محطاً للأنظار ومحطة للانتظار، كونها تتّصل ضِمن الدائرة الثالثة (البترون- بشري- الكورة- زغرتا) بحسابات مارونية في شأن المعركة المستقبلية على رئاسة الجمهورية، وتحمل في الدائرة الثانية (طرابلس - المنية - الضنّية) أبعاداً سنّية تتعلق بالأحجام السياسية وتالياً بهوية رئيس الحكومة المقبل.
 

إنطلاقاً من هذه الخصوصية والحساسية، يُرجّح أن تكون هاتان الدائرتان مسرحاً لمنافسة حادة، ظهرت مؤشراتها بوضوح عبر اللغة القاسية المستخدمة في المهرجانات التعبوية التي لم تعد قصّة «رمّانة انتخابية» بل «قلوب ملآنة».

في ظلّ هذا المناخ، يواصل رئيس لائحة «الكرامة الوطنية» في دائرة الشمال الثانية الوزير السابق فيصل كرامي استعداداته المكثفة لخوض امتحان 6 أيار، على وقعِ سباق محموم مع الوقت الآخذِ مخزونُه في التقلص، على بُعد أيام قليلة من فتحِ صناديق الاقتراع، الأحد المقبل.

وعلى رغم صعوبة المعركة في طرابلس، وسط زحمةِ اللوائح المتنافسة، والمدجّج بعضها بقدرات مادية كبرى، إلّا أنّ كرامي يبدو متفائلاً بالنتائج المرتقبة للائحته التي ترَكت المقعد الماروني شاغراً، لتسهيل مهمّة المرشّح جان عبَيد.

ويقول كرامي لـ«الجمهورية»: أنا في الأساس مرتاح، ومستنِد إلى قاعدة شعبية ثابتة ووفيّة أتّكل عليها، وقد أصبحتُ أكثرَ اطمئناناً وارتياحاً بَعد اعتماد النسبية.

ويشير كرامي إلى أنّ قاعدته «محصّنة، ولا يتمكّن أحد من اختراقها أو الدخول إليها»، موضحاً أنه يلمس تجاوباً كبيراً معه في الشارع الشمالي عموماً والطرابلسي خصوصاً، «الأمر الذي لم أكن أشعر به، على هذا المستوى من الاتّساع، خلال انتخابات عام 2009».

ويَستكمل كرامي عرض نقاطِ القوّة التي تملكها اللائحة، لافتاً الانتباه الى «أنّ البلوك العلوي الذي كان موزّعاً بيننا وبين آخرين بات في معظمِه داعماً لنا، كما أنّ ماكينتنا الانتخابية التي كانت في السابق تقليدية نسبياً غَدت متطوّرة جداً وتتحلّى بجهوزية أفضل، خصوصاً بعد الاستعانة باختصاصيين ساهموا في تحديثها وتفعيلها»، مضيفاً: «على سبيل المثال، نحن نعرف بالأسماء منذ 8 أشهر مَن هم الناخبون المؤيّدون لخطّنا، والذين نتوقّع أن يقترعوا للائحتنا، ونحن نتّصل بهم فرداً فرداً، وأصبحنا نعلم أين سيقترع كلٌّ منهم، وحتى في أيّ ساعة».

وإضافةً إلى «الشريحة المضمونة» من الناخبين، يؤكّد كرامي «أنّ هناك ودّاً يَجمعنا بكثير من العائلات الطرابلسية العريقة التي تفضّل في العادة عدم الكشفِ علناً عن اتجاهاتها، حتى تبقى على علاقة جيّدة مع الجميع»، موضحاً «أنّ إشارات ايجابية وصَلتنا من تلك العائلات حول نيتِها دعمَنا».

واستناداً إلى هذه «الداتا»، يؤكّد كرامي أنّ فوزه شِبه محسوم، «إلّا إذا حصل في الأيام أو الساعات الاخيرة التي تفصلنا عن إجراء الانتخابات تطوّر دراماتيكي من شأنه ان يقلب المعادلة». ويقول: «وفق حساباتنا الحالية، في حوزتنا حاصلان انتخابيان مضمونان، ونحن نسعى الى تأمين حاصل ثالث يَسمح بفوز مرشّح علوي أو كاثوليكي على لائحتنا.

وينبّه كرامي الى خطورة دور المال السياسي الذي بدأ الزجُّ به في المعركة الانتخابية، محذّراً من «أنّ تأثيره يصبح مضاعفاً حين يتمّ استخدامه في مدينة ترزَح تحت ضغطِ الفقر والحرمان مِثل طرابلس». ويبدي خشيتَه من تفاقمِ ظاهرة شراء الأصوات، وعلى الأخصّ الصوت التفضيلي، في ربع الساعة الأخير الذي يسبق إقفالَ صناديق الاقتراع، مشيراً إلى «أنّ السعر ارتفعَ عمّا كان عليه عام 2009.»

ويشدّد كرامي على أنه يخوض الانتخابات «تحت سقف معارضة السلطة التي أوصَلت طرابلس الى هذا الواقع القاتم»، ملاحظاً أنه بعد مرور سنة وبضعةِ أشهر على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، «لم نلمس الى حينه أيّ تغيير جذري في الأداء حيال المدينة ولم نشعر بأيّ فارق حقيقي قياساً الى الماضي».

ويضيف: «إنّ عظمة الرئيس فؤاد شهاب لا تكمن فقط في أنه بنى المؤسسات، وإنما في أنه اختار ايضاً ان يكون الى جانبه الرئيس رشيد كرامي، وهذا ما ينقص الرئيس عون الذي لا يوجد أحد بهذا الوزن الى جانبه، أمّا الرئيس سعد الحريري فلا أعتقد أنه قادر على المساهمة في إعادة بناء الدولة وتحقيق الإصلاح الحقيقي في ظلّ الفساد المحيط به».

ويشير كرامي إلى «أنّ العلاقة مقطوعة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، معتبراً «أنّ هناك عاملين يتحكّمان بها حالياً وهما عدم اقتناعي بالسياسة التي تتبعها قيادة التيار، وتمسّكي بحليفي وصديقي سليمان فرنجية».

ويَستغرب كرامي «الجرعة الطائفية الزائدة» في خطاب الوزير باسيل، لافتاً إلى «أننا كنّا قد افترضنا عند اعتماد النسبية في قانون الانتخاب أنّ منسوب الطائفية والمذهبية سينخفض وأنّ تأثير المال السياسي سيتراجع، إلّا أنّ ما جرى أتى للأسف متعارضاً مع هذا التوقّع».