فتحت إعادة التحقيق مع الممثل زياد عيتاني، وصولاً إلى توقيف أحد المقرصنين والمقدم سوزان الحاج، الباب اللبناني على سجالات سياسية جديدة. يقول قائل في لبنان إنه إذا ما أريد تلافي فضيحة ولفلفة ملف، لا بد من توافر ظروف الـ6 و6 مكرر. بمعنى أوضح، لا بد من استحضار العامل الطائفي، لأجل التستر على أي فضيحة تطاول الجسم المؤسساتي. ولا ينفصل هذا الاستحضار عن الاستثمار السياسي. إذ سارع وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى مطالبة اللبنانيين بتقديم الاعتذار من عيتاني الذي ثبتت براءته ووطنيته وعروبته، بوجه الطائفيين والحاقدين. وقد جاءه الردّ سريعاً من وزير العدل سليم جريصاتي بأن اللبنانيين يرفضون الاعتذار من أي طرف. مثّل السجال حالة "اشتباك أولى" بين فريق رئيسي الجمهورية والحكومة، اللذين دخلا على خطّ التهدئة مطالبين بسحب الملف من التداول الإعلامي واحترام سرية التحقيق.

وحده النائب وليد جنبلاط، كان يفتح الباب على ما هو أوسع من تفاصيل هذا الخلاف، ليصوّب على أزمة عميقة ظهرت تلاميحها جليّة في العقل المؤسساتي اللبناني. سارع جنبلاط، السبت، إلى التغريد برفض اعتذار اللبنانيين من عيتاني، مطالباً المسؤولين بالاعتذار على هذه الفضيحة الكبرى. وكتب: "لا علاقة للبنانيين بالاعتذار من زياد عيتاني. اعتذروا أنتم يا أهل السلطة عن هذه الفضيحة الأمنية والقضائية، واستقيلوا". أضاف جنبلاط: "الفضائح لا تعد ولا تحصى في جعبتكم. لكن الأخطر أنكم خلقتكم مناخاً من التشكيك في الأجهزة الأمنية، سيستفيد منه الإسرائيلي إلى أقصى حد. بالتالي، تعرضون الأمن الوطني بجهلكم للخطر".

فسّر البعض كلام جنبلاط بأنه ردّ على وزيري الداخلية والعدل، لكنه في حقيقته يتخطى منطق الردود والردود المضادة، ليفتح الباب أمام نقاش جدي في شأن دور الأجهزة الأمنية وصلاحياتها. وكأن جنبلاط يشير إلى خشيته من إعادة إنتاج نظام أمني يعود إلى عهد سلف. صباح الأحد كرر جنبلاط التغريد، فكتب: "ما أجمل الهدوء في الطقس الربيعي بعيداً عن ضجيج السياسة والأفلام البوليسية المرفقة، عيتاني_الحاج، إخراج أمن الدولة إخوان".

إذن، اتضح موقف جنبلاط. البلد يحتاج إلى وقوف محقّ أمام مؤسساته وما فيها. أن يتكلّم الرجل عن أفلام بوليسية، فهذا يعني أن الأمر لا يقتصر على "فبركة" ملف عيتاني، إذا ما أثبتت التحقيقات أن هناك فبركة، بل يصوب جنبلاط على تجاوزات أخرى قد تكون حصلت من جانب أجهزة أمنية. يفضل جنبلاط خوض هذه المواجهة الجديدة التي ترتبط بأساس النظام اللبناني وتركيبته وضرورة تثبيت الحرية فيه وصونها، على خوض المعارك الانتخابية في هذه المرحلة، على قاعدة الاستثمار الشعبوي. لم تبدأ معركة جنبلاط من هذه الحادثة، بل هو اكثر الخبراء في كيفية تعاطي الأجهزة مع ملفات عدة، ولطالما تحدّث عن صراع وتنافس بين الاجهزة. ورغم إيجابيته في أماكن أخرى قد ينعكس سلباً على الوضع العام في البلد.

كان جنبلاط، قد افتتح معركة الحرية، والحفاظ عليها داخل حزبه وبيئته قبل أيام، حيث عرضت إحدى القنوات التلفزيونية في أحد برامجها الساخرة، مقطعاً من أغنية تناول جنبلاط والطائفة الدرزية. ما أدى إلى ردّة فعل في الشارع، ودعوات من بعض الإشتراكيين إلى التظاهر أمام القناة واللجوء إلى قطع الطرق. فتح جنبلاط معركته مع أبناء بيئته، إذ رفض أي تحركات اعتراضية، وعمل على معالجة الأمر بالطريقة السليمة، عبر التحاور مع إدارة القناة، لسحب التداول في الفيديو المسيء. كان لجنبلاط أن يرضى باستمرار عرض الفيديو الانتقادي لو لم يكن يحوي شتائم وتوصيفات تتخطى حدود اللياقة، لكنه أبدى حرصاً على حق أي طرف في التعبير عن رأيه.

في المقابل، لا تزال قضية عيتاني_الحاج، هي الطاغية في الساحة، وفي انتظار ما ستنتهي إليه تحقيقات القاضي رياض أبو غيدا، الاثنين، لا شك أن ما حصل تسبب في اهتزاز صورة الأجهزة الأمنية لدى اللبنانيين، بعدكا كانت هذه الثقة مطلقة، خاصة في عمل الأجهزة على مواجهة وتفكيك الشبكات الإرهابية. ووفق مصادر متابعة، فإنه إذا ما أريد الاستمرار في التحقيق، فهناك كثير من الأسماء الأخرى التي سيظهر تورطها في الملف هذا، وربما في ملفات أخرى.