تتصاعد لهجة واشنطن تجاه حزب الله. منذ تولي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة الأميركية يرفع شعار مواجهة إيران وتحجيم نفوذها في المنطقة. لم تتخذ أميركا أي اجراءات عملانية لتحقيق هذا الهدف، فيما هناك آراء أميركية كثيرة في هذه المرحلة، تشير إلى أن العام الحالي سيكون عام مواجهة إيران. في القمة الإسلامية التي استضافتها الرياض قبل أقل من سنة، جرى التوافق السعودي الأميركي على مواجهة النفوذ الإيراني، لكن طوال هذه الأشهر لم يتحقق شيء على الأرض. واليوم، يستعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة واشنطن، لإعادة بلورة مسار العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، والبحث في النقاط العملانية لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

بالتزامن مع الزيارة، يتكثّف الحديث الأميركي عن مزيد من الاجراءات ضد إيران وحزب الله. ويتلاقى ذلك مع أجواء وتحليلات أميركية، تفيد بأن المواجهة مع إيران تقترب. كأن واشنطن تضغط على إيران إقتصادياً ومن خلال العقوبات والتلويح بالإطاحة بالإتفاق النووي، فيما بعض الآراء الأميركية تشير إلى أن الرؤية السعودية كانت تطالب بمواجهة عسكرية مع طهران.

ليس تفصيلاً نشر الإعلام الأميركي صوراً لإحدى القواعد الإيرانية في سوريا، والتي تقع بالقرب من دمشق، وتحوي ترسانة صاروخية ضخمة جداً بينها صواريخ كاسرة للتوازن. يضيء الإعلام الأميركي على ما يخيف الإسرائيليين، وتأتي هذه الحملات الإعلامية قبل شهر من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، للبحث في ملفات عدة، أبرزها مواجهة النفوذ الإيراني. وهذه لا تنفصل عن زيارة وفد من الكونغرس قبل أيام لإسرائيل. إذ شدد السيناتوران ليندسي غراهام وكريس كونز على ضرورة إعادة الإدارة الأميركية النظر في زيادة الدعم العسكري لإسرائيل في ظل التهديدات الإيرانية الجديدة. وقد عبر الرجلان عن قلقهما المتزايد من نشوب صراع، إذ اعتبر غراهام أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل تقترب أكثر فأكثر.

المفصل الأساسي لتحولات الصراع، كان إسقاط طائرة الأف 16 الإسرائيلية. تقود هذه الحادثة الإسرائيليين والأميركيين إلى تصعيد حملاتهم ضد إيران، وإشارتهم إلى احتمال تصعيد المواجهة العسكرية في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل تنامي نفوذ إيران في كل من لبنان وسوريا، ودمج الجبهتين. وتتردد في الولايات المتحدة وجهة نظر تقوم على أن المواجهة بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ستكون محتومة في لحظة ما.

وفي سياق التحليلات التهويلية المتناقلة، فإن الإسرائيليين ينوون الدخول في حرب مدمّرة ضد لبنان، وهذه المرة لن يكون هناك فصل ما بين المواطنين اللبنانيين وحزب الله، ولا بين مؤسسات الدولة والحزب، خصوصاً أن الوجهة الإسرائيلية تنظر إلى لبنان ككل بأنه يوفر الغطاء اللازم للحزب. لطالما حمل الإسرائيليون والأميركيون تهديدات من هذا النوع، لا سيما لجهة منع حزب الله وإيران من تعزيز مواقع نفوذهم في سوريا ولبنان، لكن كل هذه التهديدات كانت تقابل بمزيد من الإصرار الإيراني على إثبات العكس.

وفيما هدد قائد القوات البرية الإسرائيلية بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيكون هدفاً مباشراً للإسرائيليين في أي حرب مقبلة، فقد أشار إلى أن خطر نشوب حرب ازداد هذه السنة، رغم أن الأطراف كافة غير معنيين بذلك، كما كان الوضع عشية حرب لبنان الثانية عام 2006.

وفي مقابل هذه التهديدات، هناك من يستبعد إمكانية نشوب حرب في المدى المنظور لأسباب عدة، أبرزها إيلاء أهمية قصوى للاستقرار ولملف النفط الذي يحتاج إلى هذا الاستقرار. بالتالي، يعتبرون أن التصعيد الكلامي هو مجرّد تنفيس للاحتقان القائم، والذي يتجلى بتصنيف واشنطن حزب الله أكبر "شبكة للجريمة المنظمة" في العالم، والكلام عن الاستعداد الأميركي لمواجهة هذه العلاقة غير الشرعية بين حزب الله وعالم الجريمة المنظمة. كما يدرس الكونغرس الأميركي مشروع قانون يمنح الرئيس دونالد ترامب سلطةً بتصنيف حزب الله "منظمة أجنبية للاتجار بالمخدرات" أو "منظمة إجرامية عابرة للحدود.

لعل هذه المشاريع، بالإضافة إلى المطالبة بالتحقيق مع إدارة أوباما بشأن وقف عمليات إدارة مكافحة المخدرات ضد حزب الله، تندرج في سياق التنفيس لإبعاد شبح الحرب العسكرية المباشرة، خصوصاً أن هذه المساعي تتزامن مع المفاوضات التي ستتولاها الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة، وخصوصاً أن الإسرائيليين يبدون رغبة في الوصول إلى حلّ سلمي لمسألة الحدود البرية والبحرية. وهنا، تقول مصادر متابعة إن الوصول إلى تسوية حدودية، برعاية الأمم المتحدة، قد يؤدي إلى سحب فتيل التوتر، لكن هذا أيضاً سيمنح إسرائيل ذريعة جديدة قد تستخدم مستقبلاً، لتوجيه أي ضربة للبنان أو لحزب الله، إذا ما جرى تجاوز هذا الترسيم أو خروج على اتفاق التقاسم النفطي.