عندما رفعت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، قبل شهرين شعارها المرعب “كأنك تتنشق موتك في لبنان”، بعدما تحوّل البلد مزبلة كبيرة تندلع فيها الحرائق الخانقة موزّعة السرطانات على الناس، لم يتحرك أحد. أُلقي الشعار في القمامة طبعاً وتركّز الاهتمام على استكشاف هوية نفايات نهر الكلب، فالدولة عاجزة منذ زمن بعيد، بينما يمضي عدد من البلديات وبتمويل زهيد من دول أوروبية في معالجة المشكلة.

من موقع مسؤوليته الوطنية والسياسية والأخلاقية ومن زاوية استقامته الارثوذكسية [إسمحوا لي] ومن منطلق أنه “قواتجي” يذهب الى “حيث لم يجرؤ الآخرون” من المسؤولين، قرر عقد مؤتمر صحافي مشترك مع “هيومان رايتس ووتش”، ووضع فيه الأصابع العشر في عين هذه الدولة المتعامية على امتداد عهود وحكومات عن كارثة تجعلنا فعلاً نتنشق موتنا في لبنان!

لم يقدم وزير الصحة غسان حاصباني عراضة كلامية على ما تعودنا من الوزراء المختصين [من غير شرّ]، قدم لائحة إحصائية علمية مرعبة ليس عن واقع المزبلة اللبنانية، بل عن عدد المكبات الـ ٩٤٠ والمحارق الـ ١٥٠ في الهواء الطلق لكي تتنفسوا يا ناس، وعن النسب المئوية التي تضاعفت ثلاث مرات [من ١٠٠ إصابة بالسرطان لكل ١٠٠ ألف مواطن الى ٣٠٠ إصابة لكل ١٠٠ ألف مواطن] وهذا قبل عامين. كما تحدّث عن عدد المصابين والفاتورة الصحية التي تترتب من هؤلاء الضحايا، إنهم ضحايا السياسات القاتلة التي تجعل النفايات تجارة ومزراب ذهب، لكنه مزراب سرطانات في صدور اللبنانيين!

حاصباني دعا مجلس الوزراء الى اتخاذ قرارات سريعة لمعالجة هذه المسألة الكارثية، ولكن من يسمع الآن في حومة الانتخابات ومع هذا الوئام الطاغي بين المسؤولين وهذا الغرام بتحمل المسؤولية؟

لن يسمع أحد يا دولة نائب رئيس الحكومة، فليست المرة الأولى التي ترتفع النفايات في الشوارع حتى شرفات المنازل، ولا هي المرة الأولى التي اختنق الناس واختنق البحر الأبيض المتوسخ. وفي هذا السياق المُسرطِن، كم من شركة دولية عرضت معالجة هذه المشكلة بأكثر من طريقة علمية وصحية، لكن الأبواب أقفلت دائماً في وجهها لأن قطع الأرزاق من قطع الأعناق والأنفاس طبعاً، أولم تعرض دولة اوروبية شراء النفايات فنشب خلاف على تقاسم المردود وتوزيع الحصص، وهو ما يدفعني تكراراً الى تذكّر قول تمام سلام من السرايا “عندنا نفايات سياسية”، وهذا كلام لتأريخ العار!

لست أدري صحة ما نشر عن شركة كندية مستعدة لمعالجة علمية للنفايات ولإرسال ١٥٠٠ شاحنة وإقامة معمل للفرز والمعالجة العلمية دون أي تكلفة على الدولة، لأنها تقدّر ان أرباحها السنوية من البلاستيك والزجاج والتسبيخ تصل الى ٢٥٠ مليون دولار في السنة، ولكن من يهتم في بلد محروق الأنفاس؟