داعش عائد بأسماء مختلفة والإرهاب مستمر
 

فكما تم الإعلان عن ولادته في ظروف غامضة ومواقف دولية ملتبسة وغض نظر مريب فإنه يتم التسابق والتباهي للإدعاء بمحاربته والقضاء عليه والإعلان عن نهاية حقبة زمنية سوداء من التاريخ الإسلامي وتاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم بملاحقة فلول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش وتنظيف بلاد الرافدين وكافة المناطق السورية من توحش هذا التنظيم وإجرامه وإرهابه وتكفيره وممارساته المعادية للإنسانية والمنافية لكافة الشرائع السماوية والقوانين الأرضية ولكافة المعاني الأخلاقية وللسلوكيات البشرية. 

إقرأ أيضًا: القاضي الجيراني يدفع حياته ثمنا لاعتداله

وليس خافيًا أن تنظيم داعش الذي أعلن عن قيام دولته الفاقدة لأي شرعية دولية والمعادية للجنس البشري والمناهضة للمجتمع الدولي برمته والتي رفعت شعار التكفير والحرب ضد كل ما هو خارج عن فكرها وايديولوجيتها فإنه إستطاع في منتصف العام 2013 وفي فترة زمنية قياسية أن يقتطع من العراق ما يقارب نصف أراضيه التي أضافها لما يقرب من ثلث الأراضي السورية في المنطقة الحدودية ليقيم دولته عليها بعدما زحفت قواته الجرارة المزودة بأحدث أنواع الأسلحة والآليات والمدرعات ومنظومة عسكرية ضخمة ومتطورة وكتلة مالية باهظة جمعتها بأساليب السلب والنهب وبسطت سيطرتها على تلك المناطق وفرضت قوانينها الجائرة على السكان وأعملت السيف في رقاب الناس ومارست بحقهم أبشع أنواع التعذيب والتنكيل والقتل والإغتصاب والأسر والإعتقال، وكل ذلك على مرأى ومسمع دول العالم الكبيرة منها والصغيرة والتي تباطأت كثيرًا في التحرك لمحاربة هذه الجماعة الإرهابية الخارجة على القانون الدولي والمهددة للمصالح الدولية. 

وتنظيم داعش لم ينشأ من فراغ فبعد أن تولت القوات الأميركية الخاصة ملاحقة قادة تنظيم القاعدة والقضاء على معظمهم وبعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العام 2006 أعلنت هذه القوات هزيمة القاعدة في العراق إلا أنه لم تمض سوى عدة سنوات وتحديدا في العام 2013 حتى عاد التنظيم للظهور مجددًا ولكن هذه المرة تحت مسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام حيث أعلن أبو بكر البغدادي وهو أحد المقربين من الزرقاوي نفسه خليفة لهذه الدولة إذ أنه ما بدا وكأنه هزيمة ساحقة للقاعدة وتثبيت أركان الدولة العراقية وإمساك أجهزتها القمعية والطائفية بمفاصل السلطة وممارسة الحكم بأساليب إستبدادية لم يكن في حقيقة الأمر سوى الخطوة الأولى لولادة تنظيم جديد أكثر إرهابا وشراسة مع إمتلاكه قدرة فائقة على القتال والتعبئة ولا يقف طموحه عند حدود العراق فقط بل يتجاوزه ليطال بلاد الشام. 

إقرأ أيضًا: خفايا العلاقة الأميركية - الإيرانية ... حب وإتفاقات بالمخفي
واليوم وفي خضم الأحاديث عن القضاء على تنظيم داعش  فإن تسابق الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لإعلان النصر عليه في كل من سوريا والعراق لا يعني ذلك القضاء على الإرهاب في العالم، سيما وأن التقارير التي كانت ترد من ميادين القتال ضد داعش تؤكد على أن قيادات التنظيم وبعد إشتداد المعارك ومحاصرة عناصره واستحالة الدفاع عن الأماكن المتواجدين فيها وعدم الرغبة في الإنتهاء إلى انتحار جماعي، فإن هذه القيادات كانت تسمح للمقاتلين بعقد صفقات للخروج من مناطق القتال وتم الإعلان عن صفقات سرية وعلنية جرت مع قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية لنقل المقاتلين إلى أماكن آمنة  كما تم الكشف عن دور لعبه المهربون لنقل آلاف المقاتلين إلى تركيا أو إلى أماكن نائية في العراق وسوريا للعيش بين المدنيين. 
وفي متابعة لعمليات التفجير التي تقدم عليها عناصر إرهابية ويتبناها تنظيم داعش في أماكن متفرقة في العالم يبدو جليا أن هذا التنظيم اليوم أقوى بكثير مما كان عليه يوم ولادته، إذ أن نشاطاته طالت أفغانستان وباكستان ونيجيريا إضافة إلى ليبيا واليمن وصحراء سيناء، هذا فضلًا عن الآلاف من العناصر المرتبطة به والمنتشرة حول العالم في دول غربية بانتظار مهمات في المستقبل.
ما يعني أن عودة هذا التنظيم للظهور من جديد هي مسألة وقت وظروف ملائمة لذلك وربما بأسماء جديدة.