المشروع الإيراني يتوافق مع الإستراتيجية الأميركية لمنع إقامة دول عربية قوية في المنطقة
 

من يتابع التصريحات النارية والتهديدات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية منذ إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني(قدس ) أواخر سبعينات القرن الماضي وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعتقد للوهلة الأولى بأن العالم بات على قاب قوسين أو أدنى من حرب مدمرة قد تجتاح المعمورة وتؤدي إلى حرب عالمية وتنذر باستخدام السلاح النووي.
 وبالغ الطرفان في توجيه الإتهامات اللاذعة لبعضهما البعض ، إذ أن قادة الثورة في إيران وصفوا أميركا بالشيطان الأكبر في حين أن الإدارات الأميركية المتتالية لم يكن اتهامها بأقل عنفا وقسوة عندما أطلقوا على إيران بأنها أحد رموز محور الشر في العالم. 
فظاهر العلاقات الإيرانية الأميركية والإتهامات اليومية المتبادلة توحي بصدام عسكري واسع وشيك بين الطرفين لكن الوقائع الميدانية تقود إلى تأكيد عكس ذلك تماما .
إذ أن العلاقة بينهما محكومة بضوابط وخطوط حمراء ليس في وارد ولا في حسابات الأميركيين ولا الإيرانيين إختراقها أو تجاوزها ما يعني أن الحرب بينهما مستبعدة جدا لدرجة الإستحالة  والمواجهة هي أصلا خارج إستراتيجية الدولتين،  رغم بعض الإختلافات العابرة والتناقض في المواقف حول بعض القضايا والأزمات في منطقة الشرق الأوسط. 
ولا داعي للتذكير بأن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر كان بمقدوره تحريك فرقة " الخالدون" ودفعها لضرب نواة الثورة الإسلامية في مهدها وخصوصا الشباب الذين حملوا السلاح في الشوارع. لكنه إمتنع عن ذلك لإدراك إدارته بأن الشعب الإيراني لا يكن العداء لواشنطن بل يضمر لها التقدير ويرغب بعلاقات طبيعية معها. سيما وأن أي مواجهة ستدمر جسور العلاقة مع شرائح المجتمع الإيراني وستفقد الولايات المتحدة الأميركية الموقع الإستراتيجي المتميز لإيران في المنطقة. وعليه فلا داعي لإحداث جرح نازف في الوجدان الإيراني ستكون كلفته باهظة الثمن من دون الحصول على أية مكاسب. 

إقرأ أيضًا: رسائل صاروخية إيرانية إلى السعودية
فأمريكا لا تجد نفسها متعارضة كثيرا مع المشروع الإيراني القائم على التوسع خارج حدودها وعلى حساب الدول العربية بإثارة الإضطرابات والفتن وخلق فوضى فيها بغية تفتيتها وتقسيمها إلى مكونات مذهبية وطائفية وقومية. 
والمشروع الإيراني يتوافق مع الإستراتيجية الأميركية لمنع إقامة دول عربية قوية في المنطقة. وعليه كانت خطة واشنطن في مطلع هذا القرن تهدف إلى تدمير العراق عسكريا وأمنيا وإقتصاديا وإجتماعيا  وضرب كافة البنى والأجهزة والمؤسسات فيه وكذلك تدمير سوريا منذ إندلاع الإنتفاضة فيها ومن ثم تحويلها إلى فوضى مسلحة اجتاحت كافة أراضيها حيث ساهمت أي إيران بفاعلية في هذا الفلتان العسكري  ودخلت العراق على الدبابات الأميركية. 
فإيران لا تلامس مصالح أميركا الإستراتيجية في المنطقة والقائمة على الحفاظ على أمن إسرائيل وعدم التعرض للمنشآت النفطية فحسب بل أكثر من ذلك أميركا تريد لإيران أن تلعب دور الفزاعة في المحيط العربي بما ينعكس إيجابا عليها لجهة إضطرار الدول العربية إلى سلوك خيار التسلح ولجوئهم إلى إستيراد السلاح بمئات مليارات الدولارات من مصانع الأسلحة الأميركية بما يساهم في تحريك عجلة الإقتصاد الأميركي والحد من آفة البطالة. 
وجدير بالإشارة إلى التنازلات وما قدمته الولايات المتحدة الأميركية على صعيد الإتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الغربية الست والذي ترافق مع إدارة ظهر أميركية للحلفاء العرب التقليديين. 
فالتمدد الإيراني في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ومنها العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان ما كان ليتم لولا غض الطرف الأميركي وفي أحيان كثيرة بتشجيع غير منظور من أجهزة الإستخبارات الأميركية. 
إلا أن تقاطع المصالح الأميركية الإيرانية لا يعني بالضرورة إنعدام التباين في المواقف حول بعض النقاط بين الطرفين. 
فأمريكا التي تعتبر نفسها معنية بالمنطقة وحرصا على مصالحها هي التي ترسم الحدود لما هو مسموح به ولما هو غير مسموح بالإقتراب منه ذلك أنه ليس مسموحا لإيران باجتياح كامل للمنطقة العربية. 
لذلك يصدر عن الجانب الأميركي بين وقت وآخر تحذير أو تهديد مبطن لطهران للحد من إندفاعها والتي تجيد اللغة الأميركية جيدا .