أن تكون في جبيل القديمة، فهذا يعني حتماً أنك في حضرة التراث، وليس أي تراث، فهو عالميّ ومحميّ من منظمة اليونسكو. ولذلك ترى بيوتها متناسقة مع بعضها البعض، بطريقة تحاكي التراث وتحترم قيمته التاريخية.

ولكن يمكن للمارّ في جبيل القديمة اليوم، تحديداً داخل السور القديم، بالقرب من المدرسة اليسوعية وكنيسة مار يوحنا، أن يلحظ بشكلٍ نافر بناء متمايزاً، ينفرد بشكله غير التراثي عن الأبنية المجاورة، من حيث الارتفاع، والمواد المستعملة في بنائه.

نسأل الجيران، كيف ومتى تم تنفيذ هذا البناء المخالف؟ يجيب بعضهم "اسألوا البلدية"، ويجيب البعض الآخر "معو رخصة من الوزير". 

يؤكد مصدر محلي لـ"ليبانون ديبايت" أن البناء المخالف كان عبارة عن بناء قديم من طابق واحد، طلب صاحبه المدعو بيار صهيون (رجل أعمال) من بلدية جبيل رخصة ترميم للمبنى، لكن البلدية لم توافق. فقام صهيون "بتخطّي البلدية وحصل على رخصة من وزير الثقافة غطاس خوري، وهو الوزير الذي تجمعه بصهيون علاقة صداقة وبنى على إثرها طابقاً ثانياً من الحديد والزجاج".

ويشير المصدر نفسه إلى أنه حاول لفت نظر بلدية جبيل إلى المخالفة، وكان جواب البلدية أنها "تفضل عدم الدخول بمواجهة مع الوزير".

تواصلنا مع بلدية جبيل، وأكدت مصادرها أن كل أعمال البناء أو الترميم في جبيل القديمة تخضع للمديرية العامة للآثار كون المدينة لها خصوصية أثرية. وهي التي تنظر برخص البناء أو الترميم المحولة من البلدية إليها، وتُلزم صاحب الملك بأن يكون بناءه بحسب القوانين المرعية الإجراء، وتعود الرخصة إلى البلدية لدراستها في المكتب الفني. بعد إرفاقها بمعايير معينة من المهندسين الأخصائيين في المديرية، تفرض على صاحب العقار ارتفاعاً، وشكلاً هندسياً، ونوعية مواد (مثل القرميد، الخشب، والحجر الرملي) معينين، ويحددون له فتحة النوافذ، وشرفات المنزل وحجمها.

وعن البناء المخالف تقول المصادر "صاحب العقار لديه كتاب من وزارة الثقافة بالموافقة على إكمال الأعمال في عقاره، ونحن أبلغنا المديرية العامة للآثار أننا كبلدية لسنا موافقون على هذا البناء، وصاحبه كان قد تقدم بطلب رخصة لدينا وكان تصريحنا مع عدم الموافقة، إلا أن المديرية لم تجاوب بالرغم من أنها مخوّلة متابعة الموضوع وتشكيل نيابة عامة مالية".

أما في ما يخص الحلول المطروحة لدى البلدية لإزالة هذه المخالفة، توضح المصادر أن "ما نستطيع فعله كبلدية في الأطر القانونية، هو أن نضع إشارة على العقار ونقول إنه مخالف للقوانين لإزالته عبر المديرية العامة".

ثم توجهنا بالسؤال إلى جمعية "نحن" التي تُعنى بالتراث وحمايته، واستشرناها حول الاستراتيجية القانونية التي يمكن أن تُتبع لإزالة هذه المخالفة، وعلى من تقع المسؤولية.

يؤكد المدير التنفيذي لجمعية "نحن" أن البناء يعتبر مخالفاً حتى مع وجود كتاب من الوزير المختص شخصياً، فلا يمكن لأي شخص أن ينشئ أو يرمم بناء من دون رخصة من البلدية.

ورأى أيوب أن مسؤولية إزالة البناء المخالف للمخطط التوجيهي لجبيل تقع في هذه الحالة على رئيس البلدية نفسه، الذي يستطيع أن يقوم بإزالة المخالفة عبر شرطة البلدية وبمؤازرة القوى الأمنية.

فهل ستتحرك بلدية جبيل لحماية صورة المدينة، أم أن مصالح سياسية ستمنعها من إزالة التشوه الطارئ على جبيل القديمة.