من الصعب تصور إعادة التأسيس السعودية بطريقة مختلفة؟
أما وقد بدأنا “نعتاد” على ما حدث في المملكة العربية السعودية نهاية الأسبوع المنصرم من اعتقالات في أعلى السلّم العائلي والمالي والإعلامي السعودي فالسؤال “الهادئ” الآن:
هل كان يمكن ولا يزال إعادة ترتيب أوضاع امبراطورية متراكمة منذ ما يقارب ستة عقود ونيف تلت وفاة الراحل المؤسس للمملكة الملك عبد العزيز بن سعود أن تحصل من دون عملية بل عمليات جراحية غير مألوفة بمعزل عمن هو الجرّاح؟
امبراطورية، كما كتبتُ الثلثاء، ملِكُها “ملك ملوك” مطاع ومهاب ولكن كان تحته “ملوك” مناطق ومال وإعلام وعسكر يستندون على قوة وثروات نقدية استثنائية من تراكم بترودولار عصر نفطي بكامله. هل كان يمكن لامبراطورية تواجه تحديات وجودية نتيجة المتغيرات العالمية والإقليمية والداخلية عسكريا وسياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا أن تجري محاولة تركيز سلطوي فيها من دون صدمات ومجازفات غير مألوفة كتلك التي شهدنا والأرجح سنشهد؟
كان هناك على ما يبدو دور يبحث عن “بطله” وليس “بطلا” يخلق دورا في هذه المرحلة في السعودية. ينبغي أن ننظر كمراقبين إلى الأمير محمد بن سلمان بهذا الشكل. لو لم يكن بن سلمان أو “إم بي إس”  كما يسمّى في الصحافة الأميركية كان سيكون هناك أمير آخر. لا نعرف من الآن هل ينجح الرجل أم يفشل. فما يدور يتعلق بمستقبل دولة مهمة للنظام الاقتصادي العالمي وتتقرّر صورة جزء كبير من الشرق الأوسط على أوضاعها ودورها الاقتصادي والديني والسياسي.
لا شرق أوسط في القرن العشرين من دون محورية المملكة ولن تتضح شخصية المنطقة في القرن الحادي والعشرين من دونها؟
قد يبدو اليوم نتيجة لا مألوف ما يحدث سعودياً أن تزامن الاعتقالات مع شعارات الإصلاح على المستوى الداخلي مع التطورات الخارجية الأمنية والسياسية في الصراع مع إيران ومن ضمنه اليمن ولبنان هو نتيجة “فوضى” ما تفرض هذا التزامن بل التلازم دفعة واحدة أو في أوقات متقاربة ومتداخلة، ولكن نظرةً أهدأ إلى هذا الوضع غير الهادئ تجعلنا نبتعد عن نظرية “الفوضى” في رؤية ما يدور لنرجِّح عليها نظرية التخطيط المحْكم من مركز هذا التغيير الكبير بل هذه “الثورة من فوق” التي تحدث في السعودية. فتلازم طرح إطارات كل خطوة يخدم بعضه البعض. شعار مكافحة الفساد، بمعزل عن نوع تطبيقاته، يضفي شرعية داخلية على تحوّلات السلطة الأمنية والعسكرية وربما القبلية والدينية وإعادة توزيعها، كما أنه جزء على ما يظهر من عملية جادة جدا هي إعادة تنظيم الثروة المالية السعودية العملاقة الموزّعة في “القطاع الخاص”. وهي طبعا ثروة بترولية ذات مصدر واحد بالنتيجة. كذلك فإن الرد على إيران، لاسيما بعد صاروخ الرياض “الحوثي” الذي يخرق بالنسبة للقيادة السعودية خطا أحمر رُدَّ عليه بخرق الستاتيكو اللبناني…. هذا الرد يعني أيضا إمساك الشرعية الكيانية والدينية ضد الخطر الخارجي الإيراني.
لا فوضى على الأرجح في كل هذا التداخل بين الخارجي والداخلي بل يأتي وسيأتي ضمن خطة تحالفات داخلية وخارجية ولاسيما مع الولايات المتحدة الأميركية المسؤولة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية استراتيجيا عن الأمن السعودي.
كل هذه المستويات تستفيد من بعضها البعض بالنسبة لصانع القرار السعودي بمعزل عن الشكل التكتيكي هنا أو هناك.
السعودية في حالة حرب. وقد تَخفُّ نظرتنا المصدومة كلما بدت المهمة التأسيسية ضخمة: إعادة مركزة سلطة وعائلة وثروة ومجتمع.
في السعودية كان الدور يبحث عن لاعبه. لا يبدو الآن فقط أن الدور وجد الشخص بل أيضا اللاعبُ مقتنعٌ بأن الدور وجده ومن هنا قوة الصدمات التي تحدث. وسيقرر المستقبل طبعاً حدود صحة هذه المعادلة القوية.