نعرف أنّك في إقامة جبرية منذ العام 2005 من إقامة جبرية مع الحزن على والدك، إلى إقامة جبرية مع مسلسل اغتيال أصدقاء مسيرتك السياسية وكوادر فريقك الإعلامي والأمني والسياسي، إلى إقامة جبرية مع سلاح حزب الله، ثم إقامة جبرية في المنفى، وصولاً إلى إقامة جبرية في حكومة واحدة مع حزب يهاجم العرب ويعتدي على أمن دولهم وشعوبهم.

كلّها إقامات جبرية عشتها، ولا نعرف لماذا يصرّ البعض على أنّك "في إقامة جبرية بالسعودية". لماذا؟ هذا رغم تأكيدكَ وتأكيد فريقك السياسي والإعلامي عكسَ ذلك ورغم سفركَ إلى الإمارات لم يصدّقوا يصرّن على أنّك "السجين الذي قابل الملك"، و"السجين ذو الطائرة الخاصّة".  

لعلّه التعبير الجذّاب: "إقامة جبرية"!

هو الإلتباس بين السجن والحريّة، فالإقامة الجبرية ليست سجناً، لا محاكمة، ولا قانون، ولا حكم وليست حريّة أيضاً لا سجّان ولا قفص لكن لا حريّة ولا طيران هو إحتجاز أقلّ من سجن، وإطلاق سراح أقلّ من حريّة.

لعلّها الدهشة، دهشة تجاوز المُتوقّع في العمل السياسي بين الحليف ومرجعيته الإقليمية، فلنتخيّل السيد حسن نصر الله في إقامة جبرية داخل طهران (أليست حاله فعلاً؟) من يتوقّع سيناريو كهذا؟ إذاً هو "سحر" الفكرة وغوايتها: "السعودية تحتجز الحريري".

إقرأ أيضًا: إستقالة الرئيس الحريري ... الإحباط السُّنّي في ذروته

في العادة نتوقّع جملاً مختلفة: "السعودية تفكّك شبكة لحزب الله في الرياض"، لكن أن تحتجز السعودية الحريري، لَهيَ فكرة تشبه أن يسجن الرئيس ميشال عون صهره جبران باسيل، أو أن يعتذر نصر الله من الشعب السوري وينسحب من سوريا، أو أن يتوقف حبيب فيّاض عن الإنسحاب من المقابلات... أفكار كهذه لا تخطر على بال.

ولعلّه الحيّز المشترك بين شعوبٍ وبلادٍ وأحوالِ ناسها كلّهم.

كما يتشارك كثيرون في حبّ أغنية لأنّها تعبّر عن عواطف وتخيلات تنتابهم بأشكال متقاربة، وإن بمقادير متفاوتة... فإنّ اللبنانيين أغواهم المصطلح لكثرة ما يتشاركون فيه.

ألسنا كلّنا في إقامة جبرية مع "الآخر"؟: المدنيّ مع المذهبي، والصالح مع الفاسد، والمستقلّ مع الحزبي، والشيعي مع السنّي، والمسيحي مع المسلم، والغني مع الفقير، والفقير مع الغني، والذكي مع الغبي، والزوج مع زوجته، والجار مع جاره "السئيل"، والمراهق مع أهله، والموظف مع مديره، والمواطن مع الزعيم، والمواطن مع السلاح، والمواطن مع الفساد...

ألسنا كلّنا في إقامة جبرية مع الخوف؟

وعد بلفور وضعنا في إقامة جبرية مع إسرائيل سايس بيكو وضعنا في إقامة جبرية مع المذاهب، الحرب أهدتنا إقامة جبرية مع الموت، واتفاق الطائف جاء بأمراء الحرب لنقيم جبرياً معهم.

ألم تفرض علينا إيران إقامة جبرية في الحروب؟ من المحيط إلى الخليج، تمدّ بعضنا بالمال والسلاح، ليقتل بعضنا الآخر، ألم تجعل الطموحات الإمبراطورية من شعوب المنطقة في إقامة جبرية مع القتل والدمار؟

من منَا حرٌّ فعلاً؟ من يكتب ما يريد؟ من يعلّق على فيسبوك بما يدور في ذهنه فعلاً؟ مَن مِن القرّاء حرٌّ في أفكاره وأقواله؟ من يقول لمديره رأيه فيه بصراحة؟ ومن يقول لزوجته حقيقة ما يشعر به بعد سنوات من الزواج؟

ألسنا كلّنا في إقامة جبرية مع كلّ ما نكرهه ونضطرّ للعيش معه؟

لماذا التصويب على سعد الحريري وحدَه؟

ليس وحدَه.