نهرب من وجه هزائمنا ونختبئ خلف إنتصارات يعطينا إياها العدو لنتسلى وننتشي بها
 

يقال  أن الغارات التي حصلت  بالأمس على مستودعات للأسلحة في العمق السوري، والتي أعلن عنها  إعلام  العدو تحمل الرقم 154 منذ إندلاع  الثورة السورية، والتي تستهدف عادة إما مخازن صواريخ آتية من إيران وأما قوافل محملة بالأسلحة متوجهة إلى لبنان. 
الملفت في الآونة الأخيرة أن إعلام الممانعة يهتم أكثر ما يهتم هو بالقول أن هذه الغارات إنما  تحصل من داخل الأجواء اللبنانية، ولا " تتجرأ " طائرات العدو عاى إختراق الأجواء  السورية ( إلا بالصواريخ فقط )! حتى بات هذا التركيز "  الغير مفهوم " على لسان محور الممانعة وكأن فيه شيء من جبر الخاطر، أو الإستشعار بتخطي عقدة الوهن والضعف أمام هذه التعديات المتكررة !
ذهبت بسؤالي هذا عن الفرق بين أن تكون الغارة من داخل الحدود السورية أو من خارجها طالما أن الأهداف في سوريا ،  إلى صديق عتيق بالنضال هو الآن نجار ويعمل في مجرته إلا أنه يحمل في ذاكرته مخزون كبير من تفاصيل نضالية وعند سؤالي له، سحب الكرسي وحضرها لي، وجلس هو في المقابل على طاولة صغيرة قيد التصنيع وقال : 
" ليك يا صاحبي : عند إجتياح بيروت 82، وانسحابنا مع باقي المقاتلين الفلسطينين نحو بيروت وما رافق هذه الرحلة المذلة من قصف ودمار وهدم وقتل وجرح ومصائب، ووصلوا الجماعة على تخوم بيروت وحاصورها، كنا في وضع لا نحسد عليه  أبدا والهزيمة المرة قد حفرت في قلوبنا ووجوهنا، وانتهى بنا الحال " مشلوحين " في بعض الملاجىء ببيروت لا ندري ماذا سيحل بنا ؟

إقرأ أيضًا: الحرب الإسرائيلية خلف الباب

سمعنا بالأخبار أن إتفاقا وقّع على ترحيل مقاتلي منظمة التحرير ومن يدور في فلكها من مقاتلين لبنانيين، بالبواخر إلى تونس مع سلاحهم الفردي وأن مفاوضات ساخنة جدا لا تزال عالقة بين المتحاورين لأن  أبو عمار مصرّ إصرارا ومتمسك إلى أبعد الحدود ولا يقبل بأي تنازل عن إعتبار أن قاذف ال " B7" يصنف هو الآخر من السلاح الفردي، في حين أن الإسرائيلي يرفض بشدة هذا التصنيف "، وبقي الأمر بين تعنت الإسرائيلي من جهة وبين إصرار وصمود أبو عمار من جهة أخرى إلى أن وصل الخبر إلينا بأن الإسرائيلي قد رضخ أخيرا لطلب القائد المناضل أبو عمار وتنازل مرغما على الإعتراف بأن ال B7" " هو سلاح فردي .
هنا يسكت صديقي،  المناضل العتيق قليلا، ليشعل سيجارته وينفث دخانها إلى الأعلى ومعها صورة المقاتلين محملين في الشاحنات تنتظرهم البواخر في مرفأ بيروت ويقول :"  تصور يا عزيزي كم كنا أغبياء، ففي تلك اللحظة نسينا الإجتياح ونسينا حجم  الدمار الهائل ونسينا هزيمتنا المروعة وصار جل إهتمامنا وإفتخارنا بأن أبو عمار أخضع الإسرائيلي لشروطه! ولم يعد من المهم مشهد المقاتلين وهم يحمّلون كالأنعام على البواخر، لأن قاذف ال B7 "  معهم !"
وهذه هي حالنا يا صديقي، نهرب من وجه هزائمنا ونختبئ خلف إنتصارات يعطينا إياها العدو لنتسلى  وننتشي بها، لنكتشف بعد حين كم نحن أغبياء .