بين النظرة العلمية الموضوعية الفاحصة المتمعنة للأحداث وبين القراءة العاطفية الحماسية لها بون شاسع يغيب في ظل الانشداد لموقف معين بشكل واضح والتأثر بحالة الاستقطاب لاتجاه ما. كثيرة هي التحليلات التي نستمع إليها أو نقرؤها تكون تعبيرا عن أمنيات وآمال لقائلها أكثر مما تكون خلاصات وآراء تستند على مراجعة علمية وموضوعية للأحداث، وبالتالي فإن مصداقيتها تغيب ولا تقدم للمتابع إضافة حقيقية أو رأيا جديدا.

 


هذا الانشداد المتكرر في الإعلام العربي مرده إلى عاملين: الجهل وقلة المعرفة والاطلاع، وكذلك إلى تغليب الموقف الشخصي العاطفي على الرأي العلمي الرصين. حول العامل الأول، قليل هم من يعملون فعلا على تحصيل المعلومة الحقيقية من مصادرها المؤكدة وتحليلها بصورة علمية ووضعها ضمن إطار تحليلي سليم، بل أن الأكثر يستل المعلومات من مصادر غير موثوقة وقد تكون خاطئة ويوجهها بما يتوافق مع أرائه ومواقفه ويبني عليها رؤاه وخلاصاته دون أن يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق.


كما أن الميل إلى الحالة العاطفية في تحليل الموقف وقراءة الأحداث يرتكز على الموقف الشخصي من الحدث، ومدى التفاعل معه، بحيث يتم تغييب القراءة الموضوعية السليمة التي تعتمد على الرؤية الأبعد والأشمل.


هذان السببان هما مايقودان عادة إلى إلغاء دور التحليل العقلاني للأحداث والانجرار وراء التسرع لاتخاذ مواقف لا تقوم عادة على التحليل المنطقي وطرح التساؤلات إيجابا أو سلبا حول أي حدث للتمكن من سبر أغواره والوصول إلى كنهه عن علم ومعرفة. من هنا تشهد أن هناك الكثير من التمجيد والتهويل أمام حدث معين، وعكس ذلك الإدانة والتشهير بموقف آخر دون أن تكون في المادة المقدمة أي طرح علمي وتسلسل منطقي.


وسائل الإعلام المختلفة مسموعة أو مقروءة أو مرئية مليئة بالكثير من هذه الشواهد وبشكل يومي، وعندما تتفحصها لتعرف كيف وصل الكاتب أو المتحدث لنتيجة معينة لا ترى ذلك واضحا، وإنما هو تكرار ونقل لآراء غير واضحة أو دقيقة. هذا النوع من القراءات المجتزأة تضر ولا تنفع، لأنها لا تقدم رأيا أو وجهة نظر قائمة على البحث والدراسة والتحليل.


إن التحليل المستند على الحالة العاطفية مرده تعميق الجهل وتغييب الوعي وتسييد الانفعال، بينما التحليل العلمي ينمي الوعي في المجتمع ويطرح القضايا بكل موضوعية وتعقل ويساهم في تصحيح النظرة.