بناء الديمقراطية في أي مجتمع يحتاج إلى أسس ثقافية واجتماعية كي تكون مترسخة ومتجذرة فيه، ولا يمكن أن تكون نموذجًا ناجزًا ما لم تخترق البنى الفكرية والسلوكية لدى أفراد المجتمع ونظرتهم لخلق شراكة حقيقية مع من حولهم.
 
قد يعيش المجتمع في ظل هيمنة واستبداد من قبل بعض القوى والفئات المسيطرة على فكره وتوجهاته وسلوكه، والتي توجه أفراده نحو أنماط فكرية وسلوكية محددة لا يتمكنون من تغييرها، وفي هذه الحال فإن هؤلاء الأفراد يتعاملون فيما بينهم معتمدين على أدوات القوة والقهر التي توفرها لهم هذه البيئة، ويمارسون فيما بينهم مختلف أشكال التسلط والقمع.
 
وفي هذه البيئات يتقلص دور مختلف وسائل التفاعل الاجتماعي بشكل ملحوظ، فالمدرسة تتحول إلى قناة تلقين وتلقٍ بلا نقاش فكري وعلمي، والخطاب في المجتمع يكون أحاديًا لا يمكن أن يتناول أي محاور تجديدية أو تغييرية أو بناء مستقبلي مشترك، والثقافة السائدة تنحصر في مجالات وبنى ثابتة بعيدة عن التحفيز والإبداع، وهكذا يتحول المجتمع إلى دوائر مغلقة ينعدم فيها الحوار وتضعف فيها المشاركة الجماعية والنقد البناء.
 
وأخطر ما في الموضوع أن الإنسان يرى نفسه غير معني أو مسؤول عما يدور حوله من قضايا اجتماعية وخدمية، ويلقي بهذه المسؤولية على جهات أخرى قد تكون رسمية أو أهلية، من هنا ندرك بروز ظاهرة الاعتداء على الممتلكات العامة وعدم المحافظة عليها وهدر المال العام وغيرها من السلوكيات المتخلفة والتي لا تساعد في تطوير المجتمع.
 
هنالك الكثير من السبل والوسائل المتاحة التي تفتح المجال أمام مشاركة وإسهام أبناء المجتمع، من خلال إشراكهم في تحمل المسؤولية المحلية وبناء قنوات تعبير مناسبة لإبداء آرائهم ومقترحاتهم، وبالتالي إحداث تفاعل اجتماعي حقيقي حول قضاياهم.
 
إن بإمكان المدارس أن تفعل – وبصورة حقيقية – دور مجالس الآباء لإبراز الملاحظات والأفكار والمقترحات، لدى أولياء أمور الطلبة، وطرحها بصورة جادة وواضحة، كما أن المستفيدين من خدمات أي إدارة أو جهة ينبغي أن تتوفر لهم القنوات المناسبة لإيصال آرائهم للقائمين على هذه المؤسسات والمسؤولين عنها.
 
من تجربة سابقة، رأيت أن إشراك أبناء المجتمع ومساهمتهم في متابعة ورقابة أعمال وخدمات البلديات – من خلال مجالس الأحياء التابعة للمجلس البلدي – كانت تجربة ثرية للغاية، فهي تدفع الفرد لكي يتحمل مسؤوليته في إبداء رأيه وملاحظاته حول الخدمات المقدمة ومدى فاعليتها، بل ويطرح أيضا تصوره لتحسين وتطوير الخدمات المقدمة وإعطاء الأولويات لبعض الأعمال والمشروعات التي يراها أكثر ضرورة.
 
كل ذلك كان يتم ضمن أجواء إيجابية وبناءة وفاعلة، وتتطور مع مرور الزمن عندما يتعلم الأفراد الحدود المتاحة لهم.