اتفاق النواب على المحاصصة وسرقة المال العام ومخالفة الدستور

 

المستقبل :

«لبنان الآمن، الموحّد، المستقر، القانون والدستور والمؤسسات، القادر على مواجهة العواصف الخارجية».. هو لبنان الذي تحدث باسمه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس حين اعتلى منبر الهيئة العامة داعياً اللبنانيين إلى اغتنام فرصة إقرار الموازنة العامة لتجديد عقد الثقة في ما بينهم والتشارك جميعاً في توظيفها لمصلحة البلد. أما المشتبهون بالأمر ممن التبس عليهم النقاش تحت تأثير النقل «الانتخابي» المباشر فسعوا إلى حرف المداخلات النيابية عن مسار درس ومناقشة مشروع حيوي بأهمية الموازنة العامة نحو إغراق الشاشات والرأي العام في شبر «مزايدة عامة» بغية تحصيل حاصل انتخابي متعثر هنا أو مفقود هناك؛ فهؤلاء سها عن بالهم المشغول ليل نهار في كيفية تسجيل «انتصارات وهمية» في مرمى الحكومة ورئيسها تحت عناوين وشعارات شعبوية تحاكي الحفاظ على السيادة والدستور والقانون، أنّ نجاح حكومة «استعادة الثقة» في إعادة ضخّ الحياة في عروق الدولة ومؤسساتها وتحقيقها الإنجازات واحداً تلو الآخر وصولاً اليوم إلى إقرار الموازنة من قبل مجلس النواب بعد 12 عاماً من العجز المتناسل والمتوارث حكومة بعد أخرى، هو ما يتيح عملياً «العبور إلى

الدولة» وإلى انتظام ماليتها العامة.. وليس مجرد التنظير الأجوف الذي لا يسمن ولا يغني الدولة وخزينتها لا من سيادة مالية ولا دستورية.. ولا حتى من حرية ولا استقلال.

«وإذا كانت هناك على مدى السنوات الماضية مخالفة للدستور بعدم إقرار الموازنة»، لفت الحريري الانتباه في مداخلته مساءً إلى أنّ الحكومة والمجلس النيابي ملتئمين سوياً في الهيئة العامة اليوم «تحديداً لنعلن نهاية المخالفة والالتزام باحترام المهل الدستورية والقانونية، والانطلاق لإعداد مشروع موازنة 2018 برؤية اقتصادية وإدارية ومالية وتنموية». وبما أنّ وزير المالية علي حسن خليل تولّى بشكل علمي مالي دستوري دقيق ومفنّد الرد على الملاحظات النيابية المتعلقة بمشروع الموازنة، حرص رئيس الحكومة على تقديم مداخلة سياسية ترد على بعض النقاط السياسية التي أثارها بعض النواب على قلّتهم لأغراض انتخابية بحتة تبتغي المزايدة الشعبوية واستعطاف الناخبين على أبواب الاستحقاق النيابي. وعلى قاعدة هذا ما أنجزته حكومتي فدلّوني على ما أنجزتموه خارج سياق المزايدة، استعرض الحريري إنجازات حكومته العريضة من قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب والإصلاحات والتشكيلات القضائية والديبلوماسية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وغيرها من الملفات التي كانت عالقة على مدى سنوات في عنق زجاجة التنظير والتعطيل، بينما عدّد ما هي الحكومة بصدد تحضيره راهناً من مشاريع وخطط بدءاً من العمل على وضع «خطة مفصّلة لمواجهة تداعيات النزوح السوري» الموروثة بأثقالها وأعبائها منذ عهد الحكومة التي تولت دفّة الحكم بين الأعوام 2011 و2013، مروراً بإعداد الخطط لحل مشاكل الكهرباء والماء والاتصالات والنفايات المزمنة. وأردف متوجهاً إلى المزايدين بالقول: «فور تشكيل حكومة لا يشارك فيها البعض، نكتشف كل هذه المشاكل، والأسوأ نكتشف كل هذه الحلول السهلة لهذه المشاكل المُزمنة، كان يُفترض بكم أن تعرضوا هذه الحلول في الحكومات التي كنتم مشاركين فيها»، مع تقديمه شرحاً مسهباً يعرّي كل ما أثير من ادعاءات وأضاليل في ملفات الكهرباء والنفط والاتصالات والتوظيفات في الدولة.

أما عن بعض المداخلات التي طاولت أبناء الطائفة السنيّة، فأحبط رئيس الحكومة بحزم محاولات إلباسهم لبوس «الإحباط» رغماً عنهم، قائلاً: «أهل السنّة ليسوا محبطين وأنا مسؤول عن كلامي، قد يكون بعض الزملاء محبطين وأتمنى عليهم ألا يقيموا إسقاطاً لإحباطهم على اللبنانيين أو على طائفة أساسية ومؤسسة لهذا البلد»، وأضاف: «الذين لم يحبطهم اغتيال رفيق الحريري لا يحبطهم شيء، اللبنانيون لم يحبطوا بسبب اغتيال الرئيس الشهيد لا بل انتفضوا وأنجزوا وبقوا مستمرين. وأهل السنّة لم يحبطهم اغتيال رفيق الحريري، لا بل بقوا متمسكين بالاعتدال والدولة والعدالة وبقوا مستمرين وسيبقون مستمرين بمشروع رفيق الحريري، ونقطة على السطر».

وللاستقرار كما دوماً، النصيب الأوفر في أجندة العمل الوطني للحريري، بحيث جدد التأكيد أن حكومته «مؤتمنة» عليه وستواصل العمل تحت سقفه «لتجنيب لبنان خطر الفتن والانزلاق لأي محاور خارجية تضر به وبرسالته أو تسيء لعلاقاته مع أشقائه العرب خصوصاً مع أشقائنا في الخليج الذين ما تأخروا يوماً عن مساعدة لبنان ولم يتخلوا عنه بأصعب الأوقات»، وأردف مشدداً ومطمئناً: «أنا شخصياً لن أفرّط بهذا الاستقرار وبحق لبنان بحماية نفسه من المخاطر الداهمة في كل المحافل العربية والدولية، ولن نعطي أي فرصة لإغراق لبنان في حرائق المنطقة».

وإثر انتهاء مداخلة رئيس الحكومة وما تلاها من محاولات يائسة تولاها النائبان بطرس حرب وسامي الجميل لتعطيل إقرار المادة المتعلقة بقطع الحساب والتي تتيح إقرار مشروع الموازنة مع إعطاء وزارة المالية مهلة سنة لإنجاز القطع في الحسابات السابقة، تمت في نهاية المطاف الموافقة على هذه المادة بأغلبية 57 صوتاً مقابل اعتراض 11 نائباً وامتناع آخر. على أن يعود المجلس اليوم لاستكمال نقاش بنود الموازنة والتصديق على موادها الـ67.

مجلس الوزراء.. الإنجاز تابع

واستكمالاً للمسار الحكومي النهضوي، ينعقد مجلس الوزراء غداً الجمعة في قصر بعبدا وعلى جدول أعماله 60 بنداً أبرزها يتمحور حول مشاريع وملفات حيوية اقتصادياً وإنمائياً ومعيشياً. إذ كشفت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ الجلسة ستناقش مشروع فتح اعتماد لتغطية كلفة إعطاء زيادة غلاء المعيشة وتحويل سلاسل الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام، بالإضافة إلى درس مقررات اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف تلزيم مناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة مع استعراض تصور وزارة البيئة لسياسة الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة، كما سيُصار إلى النظر بطلب الموافقة على إجراء دراسة حول مستقبل لبنان الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة تحت عنوان «هوية لبنان الاقتصادية والإجراءات الكفيلة لتحقيقها»، وعرض وزارة الطاقة والمياه اقتراح اللجنة الوزارية المكلفة إجراء بعض التعديلات على دفتر الشروط الخاص بمشروع استقدام ثلاث محطات لاستيراد الغاز المسال، فضلاً عن عرض الوزارة لمحضر لجنة المناقصات لتلزيم استدراج عروض بشأن استقدام معامل توليد الكهرباء. في حين أدرج كذلك على جدول الأعمال مشروع يرمي إلى إنشاء «اتحاد بلديات جنوب بعلبك» يضم بريتال وحورتعلا والأنصار وطليا.

 

الديار :

التسوية السياسية محصنة بقوة الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري وحزب الله ووليد جنبلاط والقوات اللبنانية رغم «عنعناتها واعتراضاتها» تحت سقف التسوية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة.
اجواء الجلسة النيابية لمناقشة الموازنة عكست «تناغما» بين التيار  الوطني الحر وامل والمستقبل على كل الملفات وانجزت بتمرير الموازنة، ومعالجة قطع الحساب على الطريقة اللبنانية، رغم اعتراض القوات اللبنانية والكتائب والنائب بطرس حرب، علما ان حجم الاعتراض القواتي سقفه محدود ولن يؤدي الى استقالة وزراء القوات او الانقلاب على التسوية.
اجواء الجلسة النيابية اكدت ان الحكومة باقية،  وما أقره تحالف الاقوياء سينفذ حتى على صعيد الانتخابات النيابية، لكن السؤال يبقى: هل يترجم اقطاب التسوية حرصهم على استمرارها بتحالفات انتخابية في جميع الدوائر تسمح بتمديد «الستاتيكو» القائم حاليا؟
وحسب المتابعين فان العلاقات بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري تشهد تطورات ايجابية، وهدوءا «سمن وعسل» وتصريحات لمسؤولي حركة امل تتضمن لاول مرة اشادات بالرئيس عون، كما ان الرسائل المتوترة المباشرة وغير المباشرة بين بعبدا وعين التينة توقفت كليا. وسمحت بتمرير التشكيلات القضائية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وسلسلة الرتب والرواتب وملفات عديدة، وهذا التعاون لم يقتصر على الرئيسين عون وبري فقط، فالرئيس الحريري كان «شريكا» فعليا في هذا الامر، وبدت الامور وكأن حكم «الترويكا» عاد ليطبع المرحلة الحالية.
التعاون بين الرؤساء الثلاثة في الجلسة النيابية امس ترجم في غياب المداخلات الحادة لنواب المستقبل والتيار الوطني وامل والدفاع عن «المنجزات» مضافا اليه دفاع وزير العدل سليم جريصاتي عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه واجراءاته المالية ليعمم المزيد من الاجواء الايجابية في البلاد، ويؤكد على ثبات التسوية، كما ان انجاز وزير العدل سليم جريصاتي للتشكيلات القضائية ومنذ سنوات سيسمح بإعادة تفعيل عمل القضاء والمحاكم وستنعكس ايجابا على المواطنين.
وحسب المطلعين، فان التسوية «صامدة» ولن تهتز مهما بلغ حجم التصريحات، بمفعول انتخابي هذه الايام، فالوزير باسيل يستنفر مسيحيا، والوزير نهاد المشنوق سنيا والنائب وليد جنبلاط درزيا بخلفيات انتخابية دون المس بالتسوية، وهذا التعاون الرئاسي، وتحديداً مع بدء «شهر العسل» بين الرئيسين عون وبري سينعكس ايجابا على عمل المؤسسات بالتزامن مع انجازات حكومية، دون اي اعتراضات لا على الكهرباء ولا النفايات ولا غيرها الى ما بعد الانتخابات النيابية.
وكانت الجلسة النيابية قد اقرت المادة التي أضيفت للموازنة والمتعلقة بتأجيل قطع الحساب في نص الموازنة لمدة سنة بالاكثرية، وبلغ عدد المؤيدين 57 نائبا وعارضه نواب القوات اللبنانية والكتائب ونقولا فتوش وبطرس حرب، وامتنع النائب عماد الحوت عن التصويت.
 

 

 

 الاجتماع الرباعي وموقف عدوان


حصلت امس دردشة جانبية بين الرئيسين بري والحريري والوزير علي حسن خليل والنائب جورج عدوان، وكان النقاش دائراً حول دعوة عدوان الى تشكيل لجنة تحقيق نيابية مهمتها مساءلة مصرف لبنان بعد ان كان عدوان اتهم مصرف لبنان وسلامة بعدم تحويل الارباح الفعلية الى وزارة المالية. وكان موقف وزير المالية علي حسن خليل ان الوزارة تتلقى دورياً قطع حساب من مصرف لبنان وان كلام عدوان لا ينطبق مع الواقع. من جهة اخرى، اصر النائب عدوان على موقفه بالتحقيق مع مصرف لبنان، فما كان من الرئيس الحريري الا ان قال له «امشي نروح سوى استاذ جورج»  حيث توجها على الارجح الى بيت الوسط. وعلمت الديار ان الحريري فاتح عدوان بان المس بمصرف لبنان و حاكمه على الهواء وامام الرأي العام امر خطر ويؤثر سلبا في الاستقرار النقدي للبلاد، ومن المحبذ التشاور في هذه المسألة سراً حفاظاً على المصلحة العامة واستقرار البلاد النقدي... وانتهت لجنة التحقيق.
من جهة اخرى، استُطلع موقف حزب القوات اللبنانية عما اذا كان موقف عدوان قراراً حزبياً ام اندفاعة فردية، فاوضحت المصادر، ان القوات ليس لديها موقف سلبي من حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وان قيادة الحزب ستبحث طرح عدوان معه شخصيا والوقوف على المعطيات  التي يمتلكها والتي خولته اصدار موقفه هذا.
اما حزب الله، فقد اكدت مصادره، ان الحزب ينظر الى سلامة بعين الاحترام وانه رجل دولة يتحمل مسؤولياته بجدية وان المسألة ذاهبة الى الحل وليست بالقضية المركزية.
من جانبه، فان الرئيس الحريري على علاقة جيدة مع سلامة، كما ان تصريح وزير المالية علي حسن خليل بان الوزارة تتسلم سنويا من مصرف لبنان قطع حساب وان كلام عدوان مغاير للواقع، اتى بطلب من الرئيس بري. كذلك، كلام وزير العدل سليم جريصاتي الذي استغرب الحملة على سلامة معتبراً ان توجيه اصابع الاتهام الى مصرف لبنان بعدم الشفافية وعدم التصريح بتحويل ارباحه الى الدولة سؤدي الى بلبلة في القطاع النقدي، وكلام جريصاتي يأتي بتوجيه من رئيس الجمهورية العماد مبشال عون ايضا. 
وبالتالي فانه من المستبعد ان يؤول كلام عدوان الى اي نتيجة، كون الكتل النيابية الاساسية لا تجاريه بمطالبه.
يبقى السؤال: ماذا لدى عدوان من وثائق تثبت ما قاله وتؤكد ادعاءاته على مصرف لبنان؟ 
قبل الاجابة عن السؤال، جاء رد سلامة بأن «مصرف لبنان يقوم بواجباته كاملة، ويقدم قطع الحساب ويحول الارباح سنويا الى وزارة المالية، ان الارقام مغايرة تماماً عن تلك التي عرضها عدوان».
وتم توجيه سؤال لجهات مصرفية للوقوف على الوضع النقدي وما ان كانت البلبلة السياسية اثرت سلباً في الوضع النقدي من حيث شراء الدولار وبيع الليرة، الا ان السوق النقدية لم تتأثر.
 

 الموازنة


هذا ويستمر النقاش في مجلس النواب على الموازنة، وكان بارزاً كلام وزير المالية علي حسن خليل على ان البلد امام مفترق طرق خطر وتحديات كبيرة، والنمو السنوي للرواتب والاجور اعلى من النمو الاقتصادي، والبلد امام موازنة متواضعة وتم انفاق معظمها، ولكن هناك ضرورة لاقرارها لاعادة الانتظام المالي للدولة.
اما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فقد عاد بالامس من الولايات المتحدة، وعلم ان محادثاته في واشنطن كانت ناجحة مع وزارة الخزانة الاميركية حيث اكدت الاخيرة حرصها على الاستقرار المالي في لبنان وعلى المصارف اللبنانبة. غير ان الوزارة الاميركية ابدت تشددها وتركيزها على قطع كل العمليات المصرفية للشركات والمؤسسات المتصلة في حزب الله. 
ويوجد حاليا في واشنطن وفد من جمعية مصارف لبنان، وعلم ان الاجتماعات مع السلطات المالية والمصارف الاميركية المراسلة  تركزت على الفصل بين حزب الله والمواطنين الشيعة وعدم الحاق الضرر بشريحة كبيرة من اللبنانيين فقط لانتمائهم الطائفي والمذهبي.
بالعودة الى اتهام النائب جورج عدوان لمصرف لبنان بحجب ارباحه عن الدولة، يبقى السؤال: عدوان له خبرة سياسية كبيرة وقديمة وعاصر الازمات في لبنان، ولماذا في هذا التوقيت؟ وما هي الوثائق التي بحوزته، ولماذا ذهب الى اقصى الحدود بطلبه تشكيل لجنة تحقيق نيابية للتحقيق مع سلامة؟ حاولنا الاتصال بالنائب عدوان غير ان هاتفه كان مقفلا. 
وعلى صعيد رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والوزاري، فان الاتفاق يقضي بتهدئة الاوضاع وعدم اثارة اي بلبلة في غير محلها، خصوصا ان كانت تمس بالاستقرار النقدي للبلاد. وكان موقف الرئيس عون ان الوضع الامني ممسوك والوقت ليس للتلاعب بالاستقرار النقدي، ومن هذا المنطلق كان كلام الوزير جريصاتي ان الوضع لا يحمل خضة وبلبلة في القطاع النقدي.
كذلك، علم ان جمعية المصارف في لبنان ستجتمع وستؤكد على دعمها الكامل لسلامة وثقتها بعمله وعمل مصرف لبنان.

 

 

الجمهورية :

لعلّ الإنجاز الوحيد الذي ستخرج به جلسة مناقشة وإقرار «الموازنة المصروفة»، أنّ مداخلات النواب، سواء المنتمون إلى الكتل الممثّلة في الحكومة أو مَن هم خارجَها، شكّلت إضبارات اتّهامية للسلطة الحاكمة على كلّ المستويات، التي قدّمت، وما تزال، نموذجاً صارخاً عن اهتراءٍ إداريّ فاضح، وأداءٍ ملوَّث بالصفقات والمحاصَصات، بحيث تكاد لا تخلو زاوية أو موقع أو حتى تفصيلٌ صغير خاضع لسلطة هذه السلطة، مِن علّة، أو ثغرة، أو خَلل، أو تقصير، أو فساد منقطع النظير يجتاح كلَّ المفاصل بلا حسيب أو رقيب. وفي جانبٍ آخَر، يبدو أنّ المشهد السياسي مرشّح للدخول مجدّداً في سجال على حلبة التباينات الداخلية حول العلاقة مع سوريا، وشرارةُ هذا السجال تُطلِقها زيارة قريبة لوزير التجارة الداخلية السوري عبدالله الغربي إلى بيروت. وعلمت «الجمهورية» أنّ هذه الزيارة تأتي تلبيةً لدعوةٍ من وزير الزراعة غازي زعيتر الذي سيَستقبله في احتفالٍ رسمي عند نقطة المصنع. وأمّا جدول الزيارة فمحدّد بالبحث بين الوزيرَين واللجنة المشتركة في اتّفاقيات تصدير البطاطا اللبنانية إلى سوريا وعبرها، وما يمكن أن يستورده لبنان من سوريا في المجال الزراعي.

مساء أمس، انتهى المهرجان وتوقّفَ السيلان الكلامي الذي أغرقَ قاعة الهيئة العامة لمجلس النواب، بمآخذ وانتقادات على أداء الحكومة واتّهامها بالعجز والتقصير، وانتقلت جلسة مناقشة وإقرار الموازنة إلى الشقّ التشريعي الذي سيبدأ اليوم بدراسة وإقرار المواد القانونية لمشروع الموازنة. حيث جاء هذا الانتقال بعد «مخرج» الوصول إليه حول «قطع الحساب»، وتجلّى بإقرار اقتراح قانون معجّل مكرّر رمى إلى إضافة مادةٍ إلى مشروع الموازنة يُجيز إقرارَها من دون قطعِ حساب.

وقد أعقبَ المناقشات النيابية، ردٌّ من قبَل وزير المال علي حسن خليل، الذي قدّم عرضاً شاملاً للواقع المالي للدولة، أكّد فيه «أنّنا أمام واقعٍ صعب جداً، مشيراً إلى وجود خللٍ دستوري في غياب قطعِ حساب الموازنة، إلّا أنّ الخَلل الأكبر هو عدم إقرار الموازنة، وقال: نحن على مفترق طرق، وقد نواجه تحدّيات كبيرة في السنوات المقبلة، وإمّا أن نصل إلى سيناريوهات قاتلة أو يفتح لنا باب النجاح والنهوض الاقتصادي».

والردّ البارز كان من رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي فنَّد مداخلات النواب، منتقداً المزايدات التي أورَدها بعض النواب، وقال: الناس شبعَت تنظيراً، وأفهم أنّ جلسات مناقشة مشروع الموازنة مناسبة، خصوصاً في سنة انتخابية، لإطلاق مواقف، لكنّ بعضها ضاع بين الموازنة العامة والمزايدة العامّة».

ورفض الحريري «أن يُعطى انطباع بأنّ الحكومة الحالية لا تعمل، معتبراً أنّ البعض يتصرّف وكأنّه اكتشَف اليوم وضعَنا المالي الصعب، وأزمة النزوح ومشكلة الكهرباء»، وأعلنَ «أنّ أهل السُنّة غير محبَطين، وأنا مسؤول عن كلامي، وربّما بعض الزملاء محبَطون وأتمنّى عليهم عدمَ إسقاط إحباطِهم على اللبنانيين». ولفتَ انتباه النواب إلى «أنني لن أفرّط بحقّ لبنان بحماية نفسِه من المخاطر الداهمة، بكلّ المحافل العربية، ولن نعطيَ أيّ فرصة لإغراق لبنان بحرائق المنطقة».

وقد تبعت كلمة الحريري حالةُ هرجٍ ومرج، دفعَت رئيس المجلس نبيه برّي الى وقفِ النقلِ المباشر للجلسة، حيث طلبَ النائب سامي الجميّل سحبَ مشروع الموازنة لمخالفته الدستور، والتصويت على موازنة العام 2018، وأعقبَ ذلك نقاش اتّسَم ببعض الحدّة بين بعض النواب، وكذلك جرَت مساجلات حول موضوع حاكم مصرف لبنان، الذي أثاره النائب جورج عدوان في جلسة الثلثاء.

خلاصة مداخلات الموازنة أنّ النوّاب جلدوا الحكومة، وأعطت مداخلاتهم شهادةً صريحة على دولة مفقودة، وكأنّها خرجت ولم تعُد بعد إلى حيث يفترض أن تكون دولة كاملة المواصفات يَشعر فيها المواطن بأنّه في دولته التي تُظلله برعايتها وتَحميه. وأكّدت بما لا يقبل أدنى شكّ بُطلانَ كلّ الشعارات التي تَبارى أهلُ السلطة على إطلاقها، ووعودهم الوردية للناس بدولة نظيفة يَحكمها القانون والدستور والعدالة والمساواة، وبالنوم على حرير إنجازات تجعل المواطن يأمن إلى غدِه، فإذا به ينام على مخدّةٍ من شوك محشوّةٍ بسلّة ضرائبية تُطيّر النومَ مِن عينِه، ومالَه مِن جيبِه.

مغارة الدبابير

وإذا كان إقرار موازنة السَنة الحاليّة المصروفة سلفاً، يقدّمه أهل السلطة بوصفِه عنواناً جميلاً يؤدّي إلى إعادة انتظام ماليةِ الدولة بعد دزّينةِ سنواتٍ عاشَها لبنان في وضعٍ شاذّ جرّاء غياب الموازنة، إلّا أنّ هذا الانتظام، ورغم الكلام عن توجّهِ الحكومة لإنجاز مشروع موازنة السَنة المقبلة قبل نهاية الشهر الجاري وإحالته الى مجلس النواب، يبقى كبِناءٍ قائم بلا أساسٍ صلبٍ يَسنده ويمنعه من التداعي، والمتمثّل بإقفال تلك المغارة التي تُعشّش فيها دبابير الفساد، ومخالفات فاضحة للقانون، وموصوفة للدستور، ومحاولات الاستئثار بكلّ شيء دون سائر الآخرين، وارتكابات لا حصرَ لها، بالإضافة الى كلّ الموبقات والفوضى على كلّ المستويات، ويَختفي في داخلها مسلسلٌ طويل من الفضائح والصفقات المشبوهة التي تُرهق الخزينة بملايين الدولارات. ومع ذلك تصِرّ الجهات الرسمية المعنية بها على محاولة تمريرها خلافاً للقانون، لا بل تستميت لتمريرها إنفاذاً لتفاهماتٍ سرّية بين جهات سياسية.

صَفقات وتراخيص بالملايين

وتكاد الأمثلة لا تُحصى في هذا المسلسل الذي بدأ منذ زمنٍ طويل وتديرُه طبقةٌ جائعة لا تشبَع؛ مِن قرارات حكومية تُتخَذ فجأةً بمنعِ استيراد سلعٍ معيّنة، وتحصر استيرادَها بفئة معيّنة. ظاهرُ هذه القرارات قانونيّ ومحاولة حماية الإنتاج الوطني، وأمّا باطنُها فيكشف عن منفعةٍ خاصة لهذا النافذ أو شراكةٍ مِن تحت الطاولة مع شركات محظوظة، إلى صفقاتٍ بملايين الدولارات تتردّد على ألسنةِ وزراء ونوّاب وكذلك الناس يُشارك فيها أصحابُ مناصب رفيعة.

ولعلّ الأكثر فضائحية من بينها، تلزيمات لمشاريع «دسمة» للمحسوبين والمقرّبين، وكذلك صفقة حصَلت قبل سنوات قليلة في إحدى الوزارات حول قطاعٍ خدماتي حسّاس، بلغَت قيمة العمولات فيها 85 مليون دولار. وهو رقمٌ حدّده أحد النوّاب لـ«الجمهورية»، دُفِع منها لأحد السياسيين مبلغ 15 مليون دولار لقاءَ سكوتِه على هذا الأمر.

وكذلك فضيحة «تراخيص» عشوائية وغبّ الطلب، متعلّقة بمسألةٍ بيئية حسّاسة حصَلت في تلك الفترة أيضاً، وجنى منها مَن أعطى التراخيص ملايين الدولارات. وبحسبِ المصدر الموثوق الذي كشَف هذه المعلومات لـ«الجمهورية» فإنّ المسؤول المذكور «كان يَرفض الشيكات بالأموال لقاء منحِ الرخصة، بل كان يفضّلها نقداً وبأوراق ماليّة جديدة».

والمثالُ واضح في «صفقة بواخر الكهرباء، التي تعرّضَت لانتكاسةٍ جديدة برفضِها من قبَل إدارة المناقصات. وجديد هذه الصفقة، أنّها ستخضع مجدّداً غداً أمام مجلس الوزراء ليقرّر في شأنها، وسط حديثٍ عن محاولةٍ لعقدِ الصفقة بالتراضي مع الشركة التركية «كارباور شيب».

بري لـ«الجمهورية»

وفيما لوحِظ هجوم «قوّاتي» في جلسة مناقشة الموازنة على هذا الملف، بَرز موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال لـ«الجمهورية»: «في الحقيقة أمرٌ محيِّر ما يحصل بالنسبة إلى موضوع البواخر، على حدّ معلوماتي أنّ هناك أكثر من شركة تقدَّمت، فلماذا الإصرار على شركة واحدة، هذا معناه أنّهم لا يريدون أن يقيموا معامل في البرّ، علماً أنّهم تذرّعوا في السابق بأنه لا توجد أمكنة على البر لبناء معامل للكهرباء، ولكنّني شخصياً زوّدتهم بمستندات واضحة تؤكّد وجود هذه الأمكنة ، فلماذا هذا الهروب من البر؟

النفط البحري

وفي ظلّ هذه الذهنية الحاكمة، هناك علاماتُ استفهام حول ملفّ النفط وكيفية إدارته وجعلِه رافداً فعلياً لخزينة الدولة بما ينقِذها من العجز الذي تعانيه، خصوصاً وأنّ رحلة استفادةِ لبنان من ثروته النفطية قد انطلقت الخميس الماضي.

وعلمت «الجمهورية» أنّ تحالفاً وحيداً من ثلاث شركات كبرى هي شركة «نوفاتيك» الروسية، و«توتال» الفرنسية، و«أنِّي» الايطالية قد قدّمت عرضاً للتنقيب عن النفط البحري في الحقل المواجه لمنطقة البترون شمالاً، وفي الحقل رقم 9 في الجنوب. وبدا جليّاً أنّ هذا التحالف تجنّبَ تقديمَ أيّ عرضٍ، لا حول الحقلِ القريب من سوريا أو المشترك معها، لأنه ما زال محلَّ خِلاف، وكذلك حول الحقل رقم 10 المتنازَع عليه مع إسرائيل. وقال بري لـ»الجمهورية»: «الخير في ما وقع، وأهمّية هذا الأمر أنه انطلق».

قاسم لـ«الجمهورية»

إلى ذلك، يفتح إقرار الموازنة في مجلس النواب، السؤالَ عن أولويات المرحلة التي تليه، وثمّة جوابٌ بديهي لدى كلّ المستويات السياسية بضرورة تركيز قواعد العمل المجدي وتفعيل عجَلة الإنتاج. وفي هذا السياق، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لـ«الجمهورية»: «لا شكّ في أنّ الحكومة، هي حكومة محاصَصة، لأنّ تركيبتها فيها الأطرافُ المتنوّعة التي تراعي بعضها في التعيينات وكلِّ التفاصيل الأخرى. والسؤال المطروح، كيف تخرج الحكومة من المحاصَصة؟ لا أعلم متى يكون الجواب عليه دقيقاً وصحيحاً في هذه الحكومة وفي الحكومات المقبلة».

أضاف: «المهمّ هو أن تكون المشاريع الوطنية محلَّ اهتمام خارج المحاصَصة، كقضايا الكهرباء والمياه والنفايات وتوفير فرَصِ العمل ومعالجة قضية النزوح وغيرها من القضايا الوطنية.

فالمطلوب من الحكومة أن تكون أكثرَ نشاطاً وأن تتصرّف في كلّ الملفات على قاعدة أنّها حكومة لديها الوقت الكافي لتنجزَ وتتقدّم، وأنّها ليست حكومة تصريف أعمال. وما حصَل من إقرار بعض التعيينات والمشاريع دليل على وجود قدرة لهذه الحكومة، ولا نُغفل أنها حقّقت بعضَ الإنجازات وساهمت في جوّ الاستقرار السياسي والأمني، لكنّ المطلوب هو التفعيل والتسريع مع عدمِ التسرّع وأن تكون هناك مرونة في بعض الملفّات».

يوسف

ورأى عضو كتلة «المستقبل» النائب غازي يوسف «أنّ الأولوية لا يجب أن تكون للتعيينات والتسويات والاتفاقات، بل للحالة الاقتصادية».
وقال لـ«الجمهورية»: «الحكومة غير قادرة على مساعدة الاقتصاد من خلال مشاريع تحاول تمويلَها، لافتقادها القدرةَ على ذلك، لذا يجب الاعتماد على القطاع الخاص، ولفِعل ذلك لا نستطيع أن نكون اعتباطيين في طريقة مقاربتِنا للضرائب والرسوم والجباية. فالاقتصاد هو الأساس ونتمنّى أن تكون الحكومة قد تلقّفت جيّداً هذه الرسالة المهمّة اليوم».

وإذ أشار إلى تعيين المجلس الاقتصادي والاجتماعي، دعا «إلى عدم تضييع الوقت في كيفية تعيينِ فلان أو علتان، بل الاهتمام بأمور الناس الحياتية». كذلك دعا إلى التوقّفِ عن إدخال مستخدَمين وموظّفين جُدد. ونوَّه بأهمّية التنقيب عن النفط، داعياً إلى إيجاد حلول دائمة لأزمة الكهرباء».

الحوت

وقال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «الأولوية الآن هي للتركيز على موضوع الهدر وحجم انتظام الدولة لناحية الفساد وناحية التوظيفات. فالواقع الاقتصادي في غاية السوء وبالتالي لم يعُد هناك مجال للإهمال في هذا الموضوع».

وشدّد على «أنّ انتظام إدارة الدولة، ينبغي أن يتواكب بالشفافية في الإجراءات والتوظيفات والمناقصات لكي نستطيعَ الوقوف على أقدامنا مجدّداً».
أضاف: «أمّا في السياسة، فحسابات الانتخابات تطغى على كلّ شيء، وعلى الكلّ، وبالتالي سنَدخل في مناخ مزايدات سياسية، بينما في الواقع هناك ثنائية ما زالت تَحكم المسارَ السياسي للحكومة، ولكنّ كلّ الفرقاء الآن سيَدخلون لعبة المزايدات تحت ضغطِ الانتخابات، وبالتالي أنا لا أشعر بوجود خطر على الحكومة ولا على الواقع السياسي العام».

 

 

اللواء :

يصوّت مجلس النواب، في اليوم الثالث، من أيام وليالي جلسات المناقشة، على موازنة العام 2017، التي باتت بحكم المصروفة، بنداً بنداً، بعد تجاوز مطبات دستورية ومالية.. تمكن المجلس النيابي من حسم بعضها في ساعة متأخرة من  ليل أمس، حيث جرى التصويت على إضافة مادة على قانون الموازنة، تتعلق بقطع الحساب للعام 2015، على ان يتعهد وزير المال باعداد قطع حساب عن السنوات الماضية.

وكان المجلس امام مشكلة: إقرار الموازنة أم إقرار قطع الحساب، فارتؤي إضافة مادة في صلب قانون الموازنة، وهو الأمر الذي اعتبره النائب نقولا فتوش غير دستوري، في حين رأى النائب سمير الجسر ان المخارج تأتي من ديوان المحاسبة.

ثم طالب الرئيس نبيه برّي بحسم الجدل بالتصويت، بعدما سقط اقتراح النائب بطرس حرب بتعليق المادة 87 من الموازنة، وعدم نشر الموازنة حتى اعداد قطع الحساب.

ونتيجة التصويت تمت الموافقة على إضافة المادة المقترحة بأغلبية 57 صوتا واعتراض 11 نائبا، هم إلى كتلة حزب الكتائب، النواب فتوش وجورج عدوان، وانطوان زهرا، وبطرس حرب، فيما امتنع نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت عن التصويت.

الحريري: الإنجازات

الأبرز في كلمة الرئيس سعد الحريري انتقاده الأصوات التي ذهبت باتجاه المزايدات غير المبررة وفي حدّ إنجازات الحكومة: «لا اقبل ان هذه الحكومة التي هي أكثر حكومة انجزت في أقل من سنة من تشكيلها، ان يعطى انطباع عنها إنها لا تعمل».

وقال: الحكومة انجزت قانون انتخاب، وسلسلة الرتب والرواتب، والاصلاحات، والضرائب، والتشكيلات الدبلوماسية والقضائية، ومجلس اقتصادي اجتماعي.

وفيما أكّد التزامه بالتسوية السياسية التي تحمي البلد، واقراره بأن الوضع المالي صعب، وأن النّاس شبعت تنظيرا وتريد الكهرباء، رفض ما جاء على لسان بعض النواب مما اسمي «بالاحباط السنّي». وقال: «اهل السنة ليسوا محبطين، وانا مسؤول عن كلامي، قد يكون بعض الزملاء محبطين، اتمنى ان لا يسقطوا احباطهم على اللبنانيين او طائفة اساسية ومؤسسة لهذه البلد، الذين لم يحبطه اغتيال رفيق الحريري لا يحبطهم شيء، اللبنانيون لم يحبطهم اغتيال الرئيس الشهيد، لا بل انتفضوا وأنجزوا وبقوا مستمرين، واهل السنة لم يحبطهم اغتيال رفيق الحريري، لا بل بقوا متمسكين بالاعتدال والدولة والعدالة، وبقوا مستمرين وسيبقون مستمرين بمشروع رفيق الحريري ونقطة على السطر».

السفن والرياح

ولم تجر رياح الرئيس نبيه برّي  الذي احتفلت أوساطه، أمس، بيوبيله الفضي في رئاسة المجلس النيابي بحسب باعتباره «حارس التشريع»، بسبب ما كان يرغب بإنهاء جلسات مناقشة  موازنة العام 2017، من قبل النواب، أمس، ومن ثم التصويت على بنودها مادة مادة، وذلك لأن  النقاش حول  مشروع الحكومة لتجاوز موضوع قطع حساب موازنات السنوات السابقة، أخذ جدلاً طويلاً في القانون والدستور، أظهر  انقساماً نيابياً، بين من يؤيد إعطاء وزارة المال مهلة سنة لتقديم قطع الحساب، بحسب مشروع الحكومة وبين من يرفض ذلك باعتباره مخالفة دستورية واضحة لنص المادة 87، بحسب نواب  «القوات اللبنانية» مع بطرس حرب ونقولا فتوش، وبين من تولى تقديم اقتراحات كحل وسط، مثل النائب سامي الجميل الذي اقترح التصويت على  قطع حساب الع أم 2015 مع موازنة العام 2018، لكنه قوبل باعتراض من أمين سر تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب إبراهيم كنعان، الذي اعتبر هذا الحل غير جائز قانوناً قبل  موافقة ديوان المحاسبة على قطع الحساب.

وإزاء هذا الجدل، فضل الرئيس برّي تأجيل طرح مسألة التصويت على بنود الموازنة الـ76 إلى اليوم، ليتم التصويت على المشروع مادة مادة، لئلا يؤدي الانقسام النيابي، إلى ما يشبه «سلق المشروع»، خاصة وإن الساعة قاربت العاشرة والنصف ليلاً، لكنه أصر على طرح مشروع قطع الحساب على التصويت، فنال موافقة 57 نائبا من مجموع 70 نائباً ظلوا صامدين حتى نهاية الجلسة، بينما رفضه 11 نائبا هم: نواب الكتائب  و«القوات اللبنانية»، وبطرس حرب ونقولا فتوش، وامتنع نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت، فيما أعلن مكتب  النائب كنعان ليلاً انه امتنع أيضاً عن التصويب بسبب البلبلة التي سادت الجلسة، قبل رفعها إلى الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم.

وقبل أن يشرع المجلس في التشريع، وبالتالي الايعاز إلى وسائل الإعلام قطع النقل المباشر، أعلن الرئيس برّي في ختام مناقشة الموازنة ان عدد المتكلمين في جلستي أمس وقبله، بلغ 35 نائباً، وهنا طلب وزير المال علي حسن خليل الرد على النائب القواتي جورج عدوان، في ما يتعلق «القنبلة المالية» التي أعلنها أمس الأول بخصوص مصرف لبنان، متمنياً عليه لو أبقى النقاش حول هذا الموضوع  خارج إطار الإعلام، مؤكداً بأن لديه أرقام تحويلات من مصرف لبنان عن السنوات العشرين الأخيرة كأرباح، وأن لديه كشفاً في هذا الموضوع، مشدداً علی ان المصرف يرسل تقارير  سنوية تأتيه من  مفوض الحكومة لدى البنك المركزي، مدققة من مدقق حسابات دولية، وهي معلن ومكشوفة.

غير ان عدوان لم يقتنع، ورد بدوره مشدداً على ان القانون يلزم مصرف لبنان بنشر كافة حساباته سنوياً، موضحاً ان هذا الأمر لم يحصل منذ 20 سنة.

وكان هذا  الموضوع شغل الأوساط السياسية والمالية، وكان محور لقاء على الواقف بين الرئيسين  برّي وسعد الحريري والوزير خليل والنائب عدوان، بعد انتهاء الجلسة الصباحية، وظل إلى ما بعد خروج الصحافيين الذين فهموا ان هذا الموضوع سيسحب من التداول، وربما أيضاً إلى غض النظر عن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، لأن  الوقت غير مناسب لإنشاء هذه اللجنة بحسب وزير العدل سليم جريصاتي الذي أشار إلى أن الدولة اللبنانية لا تحاسب اليوم  المصرف المركزي الذي يتحرك على أكثر من صعيد لحماية ثبات سعر صرف الليرة والاستدانة

أما الرئيس نجيب ميقاتي، فدعا إلى إبعاد مصرف لبنان عن التجاذبات  السياسية، باعتباره يمثل حجر الزاوية في الاستقرار الاقتصادي والنقدي، ومن غير المسموح لأحد تناوله بهذا الشكل

وقائع الجلستين

سبق هذه النتيجة التي آل إليها مشروع الموازنة  مبارزة نيابية في جولتين صباحية ومسائية، تناول خلالها 15 نائباً الملفات المطروحة، بهدوء على غرار أمس الأول، حيث غابت أرقام الموازنة في الكلام السياسي والانمائي والخدمات، لمصلحة المواقف الانتخابية، بحسب الرئيس الحريري الذي كان له ردّ مفصل على النواب في كل شاردة وواردة، اتى على ذكرها هؤلاء واضعاً النقاط فوق الحروف، معلناً التزام الحكومة بإحترام المهل الدستورية والقانونية والانطلاق لاعداد موازنة العام 2018 برؤية اقتصادية وإدارية ومالية وتنموية، في موازاة خطة مفصلة لمواجهة تداعيات النزوح السوري، بعد ان عدد إنجازات الحكومة على صعيد قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب والتشكيلات الديبلوماسية والقضائية وتأليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

اما الوزير خليل، الذي كانت له ايضا مداخلة مطولة استغرقت أكثر من ساعة، فقد ردّ بدوره على كل الأسئلة التي طرحت والمواقف التي أطلقت من خلال التقرير المالي الذي اعده، واستهله بالتأكيد على انه لن تكون هناك أية تسوية على أية حسابات سابقة كانت أم حالية على حساب مالية ومصلحة الدولة، محذراً من اننا على مفترق طرق وقد نواجه تحديات كبيرة في السنوات المقبلة، وإما ان نصل إلى سيناريوهات قاتلة أو يفتح لنا باب النجاح والنهوض الاقتصادي. وأعلن اننا امام موازنة متواضعة وتم انفاق معظم بنودها لكن لا يمكن الاستمرار بدونها وهي تسمح بإعادة الانتظام إلى المالية العامة.

وقال: نحن امام واقع صعب جداً وإذا لم يكن هناك قطع حساب فهناك خلل دستوري الا ان الخلل الأكبر هو ان لا تقر الموازنة، كاشفا عن ان الظروف السياسية سمحت بأن نصل إلى اتفاق على إقرار موازنة الدولة، موضحا ان خدمة الدين العام حتى آخر 2016 بلغت 112،890 مليار ليرة أي ان 48 بالمئة من ايرادات الدولة تذهب لخدمة الدين ومرد ذلك إلى زيادة الانفاق.

مجلس الوزراء

إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء بعد ظهر الجمعة جلسته الأسبوعية في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، لمناقشة جدول أعمال حافل بـ60 بنداً، يتناول شؤوناً مالية وبيئية وكهربائية، إلى جانب شؤون إدارية وهبات وسفر، وخطة اقتصادية للسنوات الخمس المقبلة تحت عنوان: «هوية لبنان الاقتصادية والإجراءات الكفيلة لتحقيقها».

ومن أبرز المواضيع المطروحة:

- عرض وزارة الطاقة والمياه لمحضر لجنة المناقصات لتلزيم استدراج عروض لاستقدام معامل توليد الكهرباء، وفق إطار أعمال تحويل الطاقة، وذلك  في ضوء رفض اللجنة المناقصة الثانية التي جرت الأسبوع الماضي، بعد استبعاد طلب ثلاث شركات الدخول في هذه المناقصة.

- عرض وزارة الطاقة ايضا اقتراح اللجنة الوزارية المكلفة درس مشروع استقدام 3 محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال إلى لبنان،  واجراء بعض التعديلات وإضافة تعديلين على دفتر الشروط.

- عرض وزارة البيئة لسياسة الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة وإجراءات انفاذ السياسة المقترحة.

- ملف تلزيم مناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة.

 

 

الاخبار :

بأقل من نصف ساعة في نهاية جولة، أمس، من مناقشة قانون موازنة 2017، حسم مجلس النواب سجالاً مديداً حول دستوريّة إقرار الموازنة العامّة من دون قطع الحساب بحسب ما توجبه المادة 87 من الدستور. حاز مشروع القانون الرامي إلى إضافة مادة إلى مشروع الموازنة تجيز نشرها قبل إقرار قطع الحساب على أصوات 56 نائباً، في مقابل معارضة 11 نائباً من الكتائب والقوات والنائبين نقولا فتوش وبطرس حرب، فيما امتنع النائبان إبراهيم كنعان وعماد الحوت عن التصويت.

كانت جولة المناقشات العمومية قد انتهت، أمس، ليبدأ مجلس النواب بمناقشة مواد مشروع قانون موازنة عام 2017، تمهيداً للتصويت عليها بنداً بنداً. اختار الرئيس نبيه بري أن يبدأ الجولة الثانية مع التصويت على مشروع إضافة المادة المذكورة. اعترض النائب بطرس حرب على ذلك، مشيراً إلى وجوب المباشرة بمناقشة مشروع الموازنة نفسه، إلا أن بري استند إلى نص المادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تنصّ على أن يبدأ المجلس بإقرار قطع الحساب، ثم يبدأ بإقرار بنود الموازنة، ما يعني أنه اعتبر إضافة هذه المادة بمثابة بديل لإقرار قطع الحساب. كرّر حرب اعتراضه، معتبراً أن ذلك ينطوي على «تعديل ضمني للدستور». ردّ بري: «عم ضيف مادة على مشروع الموازنة مش عم عدّل الدستور». طرح حرب إجراءً شكلياً يقضي بأن يحيل وزير المال مشروع قطع حساب عام 2015 لإقراره بصورة غير نهائيّة ريثما تنتهي وزارة المال من إعادة تكوين كل الحسابات المالية النهائية من عام 1993 إلى اليوم. تبنّى النائب سامي الجميّل طرح حرب، واعتبر أن «التصويت على مشروع إضافة المادة المذكورة هو بمثابة تصويت على مخالفة الدستور». تدخّل رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان ودار سجال بينه وبين الجميّل، إذ رأى كنعان أن اقتراح حرب والجميّل لا يحلّ المعضلة الدستورية والقانونية، إذ إن المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية تفرض أن يوافق ديوان المحاسبة على قطع الحساب قبل إقراره في مجلس النواب. طرح بعض النواب تعديل الدستور عبر قانون دستوري، إلّا أن بري رفض ذلك رفضاً قاطعاً.


 


قبل هذا السجال، كان وزير المال، علي حسن خليل، قد أقرّ في كلمته بوجود الخلل الدستوري «كيفما تعاطينا مع المسألة»، لكنه رأى أن الخطر الأكبر يكمن في عدم إقرار الموازنة وبقاء الوضع سائباً «بكل ما تعنيه الكلمة». وتعهّد خليل بأن لا يكون هناك أي تسوية على الحسابات، بل محاسبة «مهما كانت الأخطاء صغيرة أو كبيرة». وأقرّ خليل أيضاً بوجود مخالفة أخرى باعتماد القاعدة الاثني عشرية الصالحة لشهر واحد على مدى 12 عاماً، معتبراً أن الإجازة بنشر الموازنة قبل قطع الحساب هو مخرج قانوني وليس قاعدة قانونية!

 

التمادي بالمخالفات الدستورية

إعداد الحسابات المالية منذ عام 1979 لم يراعِ نصوص الدستور والقوانين المرعية. وبحسب تقرير لوزارة الماليّة (المرفق مع مشروع قانون إضافة مادة إلى مشروع الموازنة تجيز نشرها قبل إنجاز الحسابات النهائية للسنوات الماضية)، هناك أسباب عدّة حالت دون التزام هذه النصوص، بحسب المراحل المختلفة، إلا أن معظمها جاء كنتيجة لصرف النظر عن إعداد حساب مهمة المحتسبين المركزيين، وحساب المهمة العام، وقطع حساب الموازنة العامة والموازنات الملحقة. ففي عامي 1991 و1992، أعفيت الإدارة من إعداد الحسابات بحجة فقدان الكثير من بياناتها. علماً أن الوزارة حاولت تكوين حسابات مهمّة المحتسبين لهذين العامين، لكن خلاصة العمل لم تكن مكتملة ولم يوافق عليها ديوان المحاسبة. أمّا بين عامي 1993 و2006، فقد عجزت الوزارة عن إعداد الحسابات نتيجة تصفير الحسابات الماليّة في عام 1993 دون أي مسوغ قانوني، ما أدى إلى غياب ميزان دخول عام 1993 في تراكم حركتها، بحسب ما تؤكّد تقارير ديوان المحاسبة، الذي لم ينظر بعدها في ما بقي من أخطاء ونواقص في هذه الحسابات، ودرج مجلس النواب منذ ذلك الحين على إصدار قوانين قطع حساب من عام 1993 وحتى 2003 غير نهائيّة وغير مصدّقة من ديوان المحاسبة. ومنذ عام 2006 درجت الحكومة على الصرف دون إجازة قانونية.
في عام 2011، باشرت وزارة الماليّة بإعادة تكوين العناصر الأساسية في مديرية الخزينة ومديرية المحاسبة العامة، ومعالجة آثار ترتبت عن مخالفات في مسك القيود أدّت إلى تداخل بعض الحسابات الرئيسيّة والتفصيليّة، ووجود سندات قيد محاسبية غير موقعة أو موقعة من الشخص نفسه كمعد ومدوّن ومدقّق للقيد، والامتناع عن القيام بعمليّة جرد دوريّة للمبالغ العالقة في حسابات الغير ولسلف الخزينة، وعدم التنبه إلى وجود سلف موازنة غير مسددة تعود لسنوات سابقة، عدم فتح حسابات للهبات والقروض، وفتح سنوات ماليّة بعد مرورها لتسجيل نفقات جديدة... وقد تمكنت فرق عمل وزارة الماليّة من إعادة تكوين حسابات عام 1993 ولغاية 2010، وانتهت من إعداد 9 تقارير من أصل 12 تقريراً، وهي التقارير العائدة لحسابات الهبات، سلف الموازنة، سلف الخزينة، حسابات البنوك، قيد مؤقت للنفقات، قيد مؤقت للواردات، حسابات الصندوق، سندات الخزينة وحسابات الأمانات. أما التقارير التي ما زالت قيد الإعداد وعددها 3 فتعود لحسابات القروض، والحوالات، الودائع.

الضرب في الميت حرام

إقرار الموازنة دون إنجاز الحسابات الماليّة النهائية للدولة شكّل الموضوع الأبرز في اليوم الثاني من جلسات مناقشة موازنة عام 2017. أبرز المداخلات تمثّلت بتقديم النائب نقولا فتوش درساً في الدستور يتناول «عدم جواز مناقشة الموازنة بمعزل عن الحسابات، بما يسمح بتمرير عمليات اختلاس وسرقة المال العام دون أي محاسبة»، استند فتوش في كلمته إلى ما «عرضته وزارة الماليّة من مخالفات في أخطاء واردة في الحسابات الماليّة للدولة منذ عام 1993 وحتى اليوم<