يستحسن بعمر وطارق أن يتعهّدا بالاقلاع عن الشكوى والتّبرُّم وسبّ الزمان والتّعرُّض لأهل السلطة، خاصة لمن يمُتُّ بصلة نسب للرؤساء
 

أولاً: ما يُستحسن قولهُ وفعله لدى الأجهزة الأمنية:

وفقاً لما تقتضيه أحوال المُلك والسلطان، يُستحسن بالأخوين عمر وطارق، الماثلين اليوم أمام جهة أمنية، ساهرة على راحة المواطنين من شرّ المثقفين والمتحذلقين، التراجع عمّا اقترفتهُ يداهما من قدحٍ وذمّ وتحقير بحق الرؤساء الأفاضل والوزراء والنواب والمسؤولين الكرام، وأن يتّعظا بحديثٍ للصحابي عبدالله بن مسعود: "إذا كان الإمام عادلاً فلهُ الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر"، ولنفترض، لا سمح الله أنّ حُكامنا جائرون، فما علينا سوى الصبر، وعليهم الوزرُ والإثم ( في الحياة الآخرة طبعاً).
كما يستحسن أن يتعهّدا بالاقلاع عن الشكوى والتّبرُّم وسبّ الزمان والتّعرُّض لأهل السلطة، خاصة لمن يمُتُّ بصلة نسب للرؤساء، فقد سمع زياد (وهو ابنُ أبيه قبل أن يصبح ابن أبي سفيان) رجلاً يسُبّ الزمان فقال: "لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنّما الزمانُ هو السلطان"، وهذا واضح ، كل من يتعرّض للسلطان يُعاقب، وليتذكر الأخوان عمر وطارق أنّهما لا يعيشان زمن معاوية بن أبي سفيان، الذي أغلظ له رجلٌ فحلم عنه، فقيل له: "أتحلُمُ عن هذا؟" فقال: "إنّي لا أحولُ بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا".
وليتذكّرا أخيراً أنّ بينا هذه الأيام من الحُكام من يخجل أمام طغيانه وجبروته وفساده الحجاج بن يوسف الثقفي والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبي سفيان، وعليه، فاللبيبُ اللبيب من يلتمس حظّهُ بالسكوت قبل أن يلتمسهُ بالكتابة ونشر الفيديوهات.

إقرأ أيضًا: حركة المبادرة الوطنية ... بحاجة لقامات وطنية تضطلع بمهامها

ثانياً: مخاطر الكتابة والطباعة والنّشر:

أمّا حُكامنا "الأفاضل" فيُستحسن لهم أيضاً القليل من الحكمة والصبر والاعتدال، فلطالما كانت الكتابة والطباعة والنشر مدخلاً لنشر الآراء الحرة وبثّ الوعي في عقول الناس، وإيقاظ الضمائر الراكدة، وهذا على ما يروي العارفون دأب الأمم المضطهدة من سالف الزمان وحتى يومنا هذا، فيذكر بندلي الجوزي أنّ "المنشور" المكتوب لعب دوراً رئيسياً في الحركات الجماعية التي كان الفُرسُ ينظّمونها في ثوراتهم على العرب. ولنتذكر هنا أنّ المعلم "غوتنبرغ" كان قد اخترع المطبعة منذ العام 1434 للميلاد، لكن بلادنا ظلّت محرومة من ثمرات المطابع طيلة أربعة قرون باعتبارها من المحرّمات، ولم يُصدر شيخ الإسلام عبدالله افندي فتواهُ "التاريخية" بتحليل الطباعة إلاّ عام 1725، ولم يصدر الفرمان السلطاني بالسماح بها إلاّ بعد عامين، فطُبع أول كتاب بالتركية عام 1729، أمّا بالعربية فقد كان من اللازم الانتظار مئة عامٍ أخرى، حتى مشارف القرن التاسع عشر، هذا بينما كان اليهود الأتراك قد شرعوا يطبعون كتبهم منذ العام 1493، والمسيحيون الأتراك منذ العام 1567، فهل تكون هذه القرون الأربعة التي نحمل بصماتها في رؤوسنا مزحة تاريخية أم إرث ثقيل يجثم على كاهلنا، ويُعيق انضمامنا إلى ركب الحضارة والمدنية!