عندما زرنا السيد عباس رضوان الله تعالى عليه وعندما أتيناه وقال لنا أنا وإخوتي المجاهدين بخدمتكم لم يكن يومها عشاق الرانجات والمرافقين وأصحاب الولائم والصف الأول أمام شاشة خطب السيد حسن لهم حضور
 

لا تحيا مقاومة بدون وطن ولا يوجد وطن تحكمه طوائف.
المقاومة أيضا بحاجة لتحرير نفسها من طائفيتها وتستمر سيمفونية المقاومة المتعثرة الطائفية الحائرة اليومية.
نحن أهل الجنوب والمقاومة أهل العرقوب وعاملة، حاضن المقاومة ومرضع شبابها وشيبها حليب الصبر والمعاناة الطويلة، منذ الرصاصة الأولى التي أطلقت على الحدود المصطنعة وحتى آخر غارة على تلال كفرشوبا وشبعا.
بداية لا ندّعي إحتكار البطولات والجهاد الطويل ولا نريد الانتقاص من نضال المناضلين في طول الوطن وعرضه. لكننا، ونحن بالسياق لنا مع المقاومة حكاية طويلة تستحق أن تروى، لأجيال قد تخونها الذاكرة، ولأخرى ستولد على ضجيج الكلام المباح من دون حسيب أو رقيب.
نحن ومقاومتنا لم نكن بحمى نظام المقاومة والممانعة المزعوم ولا كانت إيران جمهورية إسلامية ولا كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تغدق علينا العطايا والأموال ولا كنا موعودين بمفاتيح الجنة ولا بالحور العين ، وُلدنا تحت سماء مقفلة وفوق أرض مباحة وفي مياه مستباحة وحدود مصطنعة غير آمنة وحقوق مهدورة ,أخبرنا آباؤنا وأجدادنا حكايات موجعة عن أمنا وأختنا وجنوبنا قضيتنا ومأساتنا عزنا وحريتنا كرامتنا وشرفنا جارتنا فلسطين المحتلة التي سقطت تحت سنابك خيل اليهود، وقرقعة اللجم العربية، والطبول الفارغة للجيوش والأنظمة "العالية الهمة".
 شربنا ذل الهزائم وتجرعنا كؤوس الصدمات، وأُركبنا أجنحة اليأس خلف شعارات التضامن الجوفاء، فولدنا وعشنا وتربينا محبطين مكسورين معصورين.
 اللهم امنحنا نعمة النسيان.
كانت نكبة أيار ونكسة وهزيمة حزيران أكبر من أن نتحمل قسوتها وذلها ومهانتها. لم يقو جسمنا اللين ولا عقولنا الطرية، على رؤية جمال عبد الناصر مكسور الخاطر مهيض الجناح، وهو يعلن إنسحابه من الساح، حاملا على كتفيه مسؤولية الهزيمة. خرجنا إلى الشوارع مع من خرج، وقلنا "لا" وكانت سبقتها"لا" أخرى بعد إستشهاد زعيمنا وسيدنا وقائدنا ومعلمنا أنطون سعادة ذلك المسلم الشويري الذي حمل الإسلام برسالتيه المسيحية والمحمدية ولم يكن شيعيا إثني عشريا أو سلفيا سنيا في وجه اليأس والإحباط والمهانة.
حتى الأنظمة قالت "لاءاتها" في الخرطوم، فصدقناها وآمنا بها، ورحنا نبني الآمال الكبار لإسترجاع كرامتنا المهدورة.
 ومنذ ذلك الحين بدأنا، نحن أهل المقاومة ، ندفع ثمن حلمنا القومي الكبير.
كانت أصداء القذائف غريبة على مسامعنا في ذلك الزمن البعيد صارت حياتنا على الحدود مرة ومريرة، بات التنقل بين قرانا ودساكرنا محفوفا بألف هاجس وحساب. 
على الشاطئ تراقبنا الزوارق الحربية بعراضاتها وهديرها، وفوق الجبال ترقب خطانا طائرات من كل نوع، وعلى الحدود ترصدنا مواقع مدشمة، فلا يصدق واحدنا أن السلامة حفظته شرور الحيتان العائمة والصقور الغائمة.
شاهدنا الفدائيين بين ظهرانينا، يحملون السلاح ويقطعون المسافات ويُقلقون عدونا ومُقلق راحتنا. فرحنا بقدر ما توجسنا. لم نكن أصحاب الخيار ولا أهل القرار  لكننا سلكنا الطريق الصعب مع الأشقاء الهاربين من جحيم القهر. 
حملنا البنادق مع من حملوا، وعبرنا الفيافي في الليالي، وسكنا المغاور في النهارات وجاءت الحرب في لبنان، نخوضها على جبهتين.
وكان الإجتياح الأول عام 78 وتبعه الثاني عام 82 فتجرعنا ذل الإحتلال عقدين وسنين من الزمن.
ذاق أهلنا علقم الصلف الإسرائيلي بكل صنوفه. تهجروا، تشتتوا، إنتهكت أعراضهم، إستبيحت أرضهم، أكلت الزنازين والسجون من لحمهم ومن رحم المعاناة وُلدت المقاومة. 
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بدأت صغيرة وكبرت، وبقيت كبيرة، ليس بعددها، إنما بقيمها وشيمها ومقاتليها وشهدائها. 
لم ينكسر عودها، ولا لان طودها.
كان يشتد ساعدها كلما إشتدت على أهلها المحن والصعاب. آمنوا بها. أعطوها كل ما ملكت أيمانهم، شبابا وشيبا ومالا ومعنويات. حملوا معها الهم، وتقاسموا الرغيف، وتوزعوا الصعاب. إخترقوا بها الجدران العالية والواطئة. صار الغرام بينهم وبينها، أين منه لواعج العشاق. سهروا الليالي على عملياتها ومآثرها. تعلقوا بأهدابها تعلق الأطفال بأثداء الأمهات.
لم يعش المقاومة من لم يتحسس كل هذه المشاعر الكبيرة. معذورون أولئك الذين لم تتملكهم تلك المشاعر.
لكن المقاومة كانت من كل الملل والنحل. من لم يستخدم السيف، إستعمل القلم واللسان. وثمة من رهن قلبه لهم، وذلك أضعف الإيمان.
فأما الذين هانوا، فقد تفرقوا أيدي سبأ  وأما الذين قاوموا فالتاريخ شاهد وشهيد. 
وقف اللبنانيون مع المقاومة، وتحملوا الكثير من أجلها وأجلهم. حضنتها الأمة من محيطها إلى الخليج، ورأت فيها فخرها وكرامتها المستباحة. 
إنتصرت فانتصروا لها وبها.
فقط لمن تخونه الذكرى...
أين كنا وكيف صرنا ؟!
وعود على بدء...
جاحد وظالم وجائر من ينكر علينا مقاومتنا دورها وحضورها في هذا الواقع الجديد.
كافر وجسور من يجهد لإقناعنا بأن الإستقرار على حدودنا هو منة ممنونة من عدو غاشم نعرفه ونعرف خططه ومشاريعه وهو ظالم لنا أيضا عندما تكون منة من مقاومة إسلامية شيعية.
ملعون ومتجبر من يسعى إلى سلبنا هذه النعمة التي لا يعرف قدرها إلا من كابد عناء الوصول إليها.
لسنا من عبدة السيوف والخناجر والبنادق، ولا سلاح المقاومة الذي يؤخذ من بيوتنا بحجة أو بدونها بتقرير من هنا أو هناك  ب "دزة " أو بعهر سياسي من من يسمون أنفسهم مقاومة وزينة رجالها هو الذي نتمسك به. 
ولن نفتح ملفات قتلنا وإحتوائنا ووقف عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ممن غدرونا من دكاكين زوج وإبن أنيسة.
عندما زرنا السيد عباس رضوان الله تعالى عليه وعندما أتيناه وقال لنا "  أنا وإخوتي المجاهدين بخدمتكم "  لم يكن يومها عشاق الرانجات والمرافقين وأصحاب الولائم والصف الأول أمام شاشة خطب السيد حسن لهم حضور أو سمعنا عنهم شيئا . 
كنا نريد أن نذهب إلى بلداتنا وقرانا أعزة آمنين كراما، لا مهانين ولا مذلولين. 
إن إستراتيجية التحرير تتطلب إستراتيحية التوحيد أولا وأخيرا وبدون توحيد أمة ووطن وطائفة قد لا تعيش المقاومة إلى الأبد.
بالمقاومة أو بغيرها لا بأس. المهم ألا تأخذنا العزة بالحديث عن الدعم البعثي والأسدي الذي جربناه وخبرناه.
 فلا الحائط الشامي والعربي المائل يمكن الإتكاء عليه  ولا مصالح الكبار تغري بالركون إليها.
نحن أهل المقاومة أيضًا ولنا فيها صولات وجولات
والله من وراء القصد.