أي إسلام تريدون؟
 

من المرات القليلة اثناء ترحالي في عالم الفكر والمعرفة لم اتردد فيها بكتابة خاطرة او مقالة مهما بلغت او عظمت درجة خطورتها.
ولم أعبئ طوال فترة دراستي المستمرة اليوم وحتى يسترد المولى عز وجل أمانته بأية نتائج لأن العبرة كانت وما زالت هي إصابة عين الحقيقة ومعرفتها وقولها وممارستها.
البحث له أبواب عدة وحتى مقدمته لو أردت الاستفاضة بها فستأخذ فصولا متعددة نظرا لخطورة المبحث على مكامن الداء الفتاك "الحقد المذهبي الطائفي".
ثلاثة فقط من عمالقة الفكر العقائدي ويحملون هوية شيعية تمكنت من خلالهم سبر أغوار المذهب والطائفة والدين وهم الشهيد محمد باقر الصدر والدكتور الوائلي ومهدي عامل.
وثلاثة فقط من عمالقة الفكر العقائدي ويحملون هوية سنية تمكنت من خلالهم قراءة ما بين وعلى جنبات وفي قلب المذهب والطائفة والدين وهم سيد قطب والشيخ الغزالي والشهيد صبحي الصالح
وشخصيات أخرى أعطت للمذهب والطائفة والدين روحا كمثل روح بدر واحد وحنين وهم الشيخ العز ابن عبد السلام وعز الدين القسام وعبد الحسين شرف الدين العاملي.
والخطأ الفادح، أو الخطيئة الكبرى بتعبير آخر، ما ارتكبه قادة التيارين الإسلامي والقومي في بلاد الشام والعراق، من تصميم أكثرهم على تجهيل الأجيال الصاعدة لحقيقة الحركات الباطنية والجماعات السرية في تاريخها، وفي واقعنا المعاصر، وصرفهم عن التحدث في هذه الموضوعات أو الاهتمام بها، أو التحذير منها، بدعوى الخشية على الوحدة الوطنية، وإثارة الحساسيات بين أبناء الوطن الواحد.
وإذا كان هذا التفكير مقبولاً على صعيد العمل السياسي، ووجوب إقصائه عن برنامج الأحزاب في الساحة السياسية، فإنه لخطأ فادح إخفاء وطمس الكيد الباطني، وما ينبثق عنه من خطط وبرامج ومخططات على الصعيد الفكري والفقهي والفلسفي، وتجهيل الأمة ـ ولاسيما قادة الفكر ـ بها، وعدم تحصينهم من شرورها وأخطارها، لتكون لديهم المناعة مما يبيت لعالمنا العربي والاسلامي من مؤامرات ما زلنا نكتوي بنارها.
خلت الساحة لورثة الحركات السرية الباطنية، ليتسللوا إلى أعماق مجتمعاتنا غير المحصنة، وداخل أحزابنا، وصميم أجهزتنا الحساسة، ويستلموا مفاصلها، ويمسكوا بالقرار، وتبقى الأمة بأكثريتها الكاثرة كالقطيع الذي يسوقه الجزارون إلى حيث يريدون، لاستخدامهم أو عزلهم أو التخلص منهم مادياً أو معنوياً أو بالأسلوب الذي يقررون.
غير أن المتفق عليه كثير جدا ما بين الفرق والمذاهب الاسلامية مما يعول عليه لو وجد اليوم من حمل سيرة هؤلاء العمالقة لكانت الفرقة والتشرذم والتفتت أبعد من سهام الحقد والحروب الطائفية المذهبية .
وإن التشبث به وحده كاف فى النجاة. فالإيمان بالله ولقائه والسمع والطاعة لما جاء عنه، وأداء الأركان المجمع عليها في ميدان العبادات وترك المعاصي المجمع عليها فى ميدان المحظورات، وبناء النفوس على مكارم الأخلاق وأشرف التقاليد ...
 إن هذا كله يقيم أمة لها مكانتها فى الدنيا والآخرة. ولكن جماهير من الدهماء، والأذكياء شغلتها للأسف الخلافات العارضة، ولم تحسن استثمار ما انعقد الإجماع عليه، وكادت تٌضيع الإسلام ذاته بهذا العوج الفكري.
المذاهب الإسلامية الكبرى إختلفت فى الفروع، لا في الأصل ، وكان من الممكن أن يتعاون الأتباع فيما اتفقوا فيه، وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا عليه،وهذا ما آثره أولو الألباب، ولكن المرضى بالشقاق عكروا الصفو ومزقوا الشمل.
عند التأمل فى التركة الثقيلة من الخلافات التي ورثناها نجد أن بعضها أملاه الترف العقلي، وأن بعضاً آخر لفظي لا محصل له، وأن منها ما أشعل ناره الإستبداد السياسي، واستبقاه عمداً إلى يومنا هذا... وأن منها ما يصح أن يكون مسرحاً لنفر من الخاصة ويُعد شغل الجماهير به جرماً وأن منها ما جمده المقلدون المذهبيون لقصور شائن فى معرفتهم!
وأقول:
" إنني لا أستطيع خلال سطور, أن أحل مشكلة تراخت عليها العصور, لكنني ألفت النظر إلي أن أوهامًا وأهواءً تملأ الجو بين طوائف المسلمين لا يسيغ العقلاء بقاءها, ولو وُضع كل شيء في حجمه الطبيعي, وأغلقت الأفواه التي تستمرئ الوقيعة والإفك لتلاشت أنواع من الفرقة لا مساغ لوجودها.
وإني إذ أرسل هذه الكلمات إلي إخواني في كل العالم , أستشعر الخطر الذي يكتنف المسلمين هنا وهناك, وكثافة القوى التي تتجمع في هذه الأيام للإجهاز عليهم واستئصال شأفتهم,
وللبحث بقية."