عملت الحكومة على تحييد مسار النقاش بشأن اجراء الانتخابات من عدمها، وفي وقت تجنّبت فيه مقاربة الانتخابات الفرعية، إلا أنها استطاعت إقرار بند تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات المؤلفة من 11 عضواً برئاسة القاضي نديم عبدالملك، وعضوية: عوني رمضان، نهاد جبر، جورج موراني، فليب أبي عقل، موفق اليافي، كارين جعجع، سيلفانا اللقيس، عطاالله غشام، أندرية صادر واردة أكمرجي. وبذلك فيكون النقاش الانتخابي قد عاد إلى دائرة الضوء، وسط استمرار التجاذب السياسي بشأن بعض تفاصيل قانون الانتخاب وآلياته وتقنياته.

وفي هذا السياق، تلفت مصادر متابعة إلى أن اللجنة الوزارية المكلفة البحث في تفاصيل قانون الانتخاب عقدت اجتماعاً في السراي برئاسة الحريري، وتشير إلى أن النقاش قارب بعض الأمور الإيجابية مع استبعاد البنود الخلافية. وتعتبر المصادر أن هذه النقاشات ستنتهي إلى الإتفاق على كل التفاصيل، بمعزل عن الخلافات التي يحاول البعض رفع السقوف لأجل طرح بنود على طاولة المقايضة، أو لأجل تعزيز شروطه، معتبرة أنه لا بد في النهاية من الإتفاق على مسألة البطاقة الانتخابية أو إذا ما سيتم اعتماد بطاقة الهوية وجواز السفر في الاقتراع إذا لم يتم الإتفاق بشأن البطاقة الممغنطة. لكن هذا النقاش التفصيلي، يواجه عقبات، إذ إن البعض يعتبر أن اللجوء إلى اعتماد بطاقة الهوية، سيفرض على اللبنانيين غير الحائزين على بطاقات هوية، أو لديهم بطاقات وهم في سن صغيرة، تسهيل التعرف إليهم.

في موازاة ذلك، جدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تأكيده أن القوات مع اعتماد التسجيل الُمسبق وإسقاط مبدأ البطاقة البيموترية، لأننا "سنصل إلى النتيجة ذاتها لكن بوفر 130 مليون دولار على الدولة". وتلفت المصادر إلى أن البحث يتركّز على نقطتين: الأولى بشأن كيفية اصدار البطاقة الانتخابية الاكترونية، إذا ما جرى اعتماد مبدأ البطاقة الممغنطة التي أُجلت الانتخابات إلى الربيع المقبل لحين إنجازها، والتي قد تكون بيومترية أو مصنوعة من البولي كربونات ذات الجودة العالية في مجال الأمن الرقمي بحيث لا يُمكن تزويرها، وسط معارضة من بعض القوى السياسية ذلك، كالقوات اللبنانية. فيما النقطة الثانية تتركز على اقتراع المواطن في مكان سكنه، وليس في مسقط رأسه. ولكن هذه ستكون بحاجة إلى عملية تسجيل مسبق من قبل الناخبين الراغبين بالتصويت في أماكن سكنهم. وهذا ما تريده قوى سياسية تعتبر أنه يسهل العملية الانتخابية والفرز، ويوفر على الدولة تكاليف أخرى، كما أنه يكون محفزاً لرفع نسبة المشاركة في الانتخاب. فيما يعارضه كل من تيارا المستقبل والوطني الحر. ومن يطرح فكرة التسجيل المسبق، لا يزال يبلور أفكاره بشأن كيفية اعتماد هذا التسجيل، وإذا ما كان سيتم استحداث مراكز يتم التسجيل فيها من قبل الناخبين، وكيف سيتم توزيع هذه المراكز على المناطق. ويعتبر هؤلاء أنهم ينطلقون من هذه الفكرة أيضاً لأنه من حق المواطن التصويت في المكان الذي يختاره بعد أن يُسجّل ذلك في الدوائر المعنية قبل بدء الانتخاب، ويجعل العملية الانتخابية أكثر تنظيماً وأقل فوضى.

ولكن، وسط هذا النقاش التقني الدائر، فإن النقاش الأساسي الذي يجب أن يتم الإنطلاق منه، هو طرح سؤال إذا ما كانت القوى السياسية جاهزة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهذا ما أشار إليه الرئيس نبيه بري، وإذ لم يسمّ الأشياء بأسمائها، لفت إلى أن أي تلاعب في مسألة قانون الانتخاب، يعني حصول إنقلاب في البلد. فكانت إشارة منه إلى أن بعض القوى قد لا تريد اجراء الانتخابات النيابية.

صحيح أن أحداً من القوى السياسية لم يصرح بذلك، ولم يجرؤ على طرح تمديد رابع للمجلس النيابي، مع حرص الجميع في مواقفهم العلنية على تأكيد اجراء الانتخابات، لكن لا شك أن حسابات بعض القوى، قد تقودها إلى تفضيل تأجيل الانتخابات، إذ إن هناك من يعتبر أن تيار المستقبل غير جاهز بعد لهذه الانتخابات، لا سياسياً ولا مالياً ولا حتى خدماتياً. والأرقام التي لديه تشير إلى أن حصته النيابية ستتراجع. من جهة اخرى، يعتبر البعض أن التيار الوطني الحر غير جاهز للانتخابات، رغم الحماسة التي يبديها مسؤولوه. ويعتبرون أن رئاسة الوزير جبران باسيل للتيار وتداعياته السلبية على بعض الكوادر والقيادات واستعدادهم لتشكيل لوائح معارضة أو حركات تصحيحية، بالإضافة إلى الخلافات مع القوات اللبنانية والقوى المسيحية، قد تدفع التيار إلى تغيير حساباته، خصوصاً أن الأرقام تشير إلى أن التيار لن يستطيع تحقيق أي تقدّم في عدد كتلته، بل هناك مؤشرات ترجّح التراجع.

في المقابل، فإن الرئيس بري، أكثر المتمحسين لاجراء الانتخابات، أولاً لأن القانون بكل تفاصيله يلائمه، وثانياً لإعادة إنتاج العصب لدى جمهور حركة أمل واستثماره في هذه الانتخابات. والأمر نفسه بالنسبة إلى القوات اللبنانية، التي تعتبر أن الانتخابات وفق القانون الجديد ستكون فرصتها الكبرى لتحقيق انتصار بالحصول على كتلة نيابية كبيرة. أما بالنسبة إلى حزب الله، فهناك تضارب في تقديرات وجهة نظره أو مصلحته، إذ يعتبر البعض أن الحزب لا يعنيه اجراء الانتخابات من عدمها، لأن حصته ستبقى كما هي شيعياً، وهو قادر من خلال القانون الجديد، الحصول على مزيد من المؤيدين من الطوائف والمذاهب الأخرى، وبالتالي لا يمانع اجراء الانتخابات. فيما هناك وجهة نظر أخرى، تفيد بأن الحزب يفضل تأجيل الانتخابات إلى حين انتهاء الأزمة السورية، لأنه غير قادر على الإنشغال في المعارك الانتخابية فيما يخوض معارك أهم وأكبر بالنسبة إليه.