حسناً فعل من دفع في اتجاه إلغاء الاحتفال بالانتصار على الإرهاب الذي كان مقرّراً اليوم في ساحة الشهداء.
 

فالمناسبة كانت لتتحوّل مزايدات سياسية وسط ساحات مفتوحة وتعبئة حزبيّة، مع ما يعني ذلك من مخاطر حصول احتكاكات وصدامات، ليتحوّل معها دور الجيش فاصلاً أو عازلاً بين مجموعات متناحرة، أضف إلى ذلك ما ظهر من أصوات إقليمية تُشجّع على استعادة الانقسام السياسي السابق، أي «8 و14 آذار»، على قاعدة «مَن معنا هو معنا ومن ليس معنا فهو ضدنا».

وفيما عدا بعض القوى التي جارت الاتجاه التصعيدي، فإنّ رئيس الحكومة سعد الحريري بدا حازماً في موقفه، فهو نأى بالحكومة عن أيّ تصعيد أو اشتباك داخلي، ورفض من أمام دارة الرئيس تمام سلام أيّ تحريض لاقتتال سنّي - شيعي، ما دفع «حزب الله» إلى ملاقاته من خلال المواقف التي أعلنها نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم.

وهو ما يعني أنّ الحماوة السياسية التي سعَت إليها بعض القوى الإقليميّة لم تجد لها التجاوب الداخلي المفتوح. وقيل إنّ مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري وعندما زار بيروت عقد لقاءً ممتازاً مع الحريري وصفه أنصاري بالدافئ، وأعلن لاحقاً عن لقاء بين الحريري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

فالحريري يُدرك أنّ زمن النزاع المفتوح بين السعودية وإيران تبدّل، خصوصاً وسط الحديث عن إعادة فتح القنصلية السعودية في مشهد، وربّما السفارة في طهران.

وبخلاف بعض القوى اللبنانية التي جارَت تغريدات الوزير السعودي ثامر السبهان، فإنّ الحريري قد يكون لمَس أنّ تغريدات السبهان لم يواكبها الاعلام السعودي، وبالتالي لم ترتقِ الى مستوى الموقف الرسمي، أو على الأقلّ، وكأنّ ثمّة تخبّطاً في تظهير الموقف السعودي.

ولذلك ربما تجنّب «حزب الله» الردّ على تغريدات السبهان، لا بل على العكس ردّ التحية للمواقف الأخيرة للحريري وكأنه يعتبر أنّ تغريدات السبهان موجّهة إلى الحريري فقط من دون سواه، أضف الى ذلك موقف الحريري من روسيا حول اهتمام لبنان بإعادة اعمار سوريا، وهذا له مدلولاته الكثيرة، خصوصاً على المستوى السياسي.

وبخلاف الانطباع السائد، فإنّ «حزب الله» يتصرّف وكأنه تحرَّر من كثير من القيود التي كانت تكبّله. وهو لهذا ربما طلب من قائده الميداني في دير الزور الظهور إعلامياً، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ مشاركته في القتال في سوريا.

لا بل أكثر، فإنّ العارفين يقولون إنّ نقاشات كثيرة دارت داخل قيادة «حزب الله» منذ قرار المشاركة في الحرب في سوريا، وعلى أساس احتمال شنّ إسرائيل عملية عسكرية في الداخل اللبناني. وكانت هذه المداولات تؤشّر الى جُرح عسكري كبير هو منطقة القلمون، ذلك أنّ سحب مجموعات «حزب الله» من هذه المنطقة في حال المواجهة العسكرية مع إسرائيل سيؤدّي إلى تهديد مناطق البقاع الشمالي.

وبعد «ختم» جُرح القلمون استعاد «حزب الله» حيّزاً واسعاً من هامشه العسكري. وبدا أكثر هدوءاً في مقاربته للتعرجات السياسية الداخلية، وهو الذي يتابع بدقة تطوّرات الحدود السورية - العراقية والتي كان آخرها إخلاء قاعدة التنف تحضيراً لإعلان المنطقة القريبة من الحدود مع الاردن، منطقة خفض توتر.

لكنّ الاشتباك مع تغريدات السبهان لم يكن الوحيد، فعلى الساحة المسيحية حيث رفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مستوى الهجوم على «حزب الله» اندلع اشتباك آخر بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل. صحيح أنّ الملفات الشائكة والتي تراكمت بين «التيار» و«القوات» كانت تُنبئ بانفجار سيحدث، لكنّ التوقيت توقفت عنده «القوات»: هل له علاقة بالمناخ السياسي العام والخطوط السياسية العريضة والتموضع الداخلي الجديد؟ أم أنّ حدوده الملفات الخلافية الكثيرة بين الحزبين؟

جعجع الذي باشر التحضير للانتخابات النيابية المقبلة منذ فترة، وعلى أساس توسيع حصّته النيابية الى الحدّ الأقصى تمهيداً لفرض نفسه مرشّحاً رئاسياً وحيداً، تجنَّب دعوة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والنائب السابق فارس سعيد إلى قداس «شهداء المقاومة اللبنانية»، على رغم مسارعة «القوات» إلى التواصل مجدداً مع الجميّل، وعلى أساس أنّ خطأ حصل في عدم دعوته.

وفي خطابه المتشدّد تجاه «حزب الله»، بَدا جعجع متناغماً مع تغريدات السبهان، وهو لذلك قد يكون أخذ وقته للوقوف على الخلفية التي استند إليها باسيل في مواقفه تجاه «القوات». ولا شكّ في أنّه فوجئ بعدما كان مطمئناً للخطوة التي نفّذها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإرسال ممثّل عنه.

العارفون يقولون إنّ جعجع سيأخذ وقته قبل أن يُقرّر خطوته التالية مع تمسّكه بالسعي إلى الفصل بين علاقته بعون وعلاقته المتوتّرة بباسيل. وفي انتظار ذلك، سيوفد وزير الاعلام ملحم الرياشي لاستكشاف كامل الصورة عند «التيار الوطني الحر»، وفي انتظار ذلك يُردّد مسؤول «قوّاتي»: «جبران بيمون».

وفي المقابل، تبدو الصورة مختلفة لدى «التيار»: «لقد شبعنا من اتّهامنا وتشويه صورتنا باستمرار والتّحدث بلغتين معنا». ويستغرب هؤلاء ربط النزاع الحاصل بخلفيات إقليمية أو عناوين غير حقيقية: «لقد أعطينا كل شيء وأكثر، وفوجئنا أكثر من مرة، لا بل في كل مرة، بالرسائل والخطوات المسيئة.

مرّة في التحضيرات الانتخابية، ومرّة أخرى في التمريكات الاعلامية، ومرّات ومرّات باتهامنا بالفساد، وكأنّ هنالك من يستغلّ مرونتنا لتشويه صورتنا او ليضحك علينا، فكفى». ويختم هؤلاء قائلين: «إذا فتحنا جردة الحساب لا تنتهي».