قد لا يكون دقيقاً القول بأنّ الشرق الاوسط يتغيّر. ربما التوصيف الأكثر دقّة هو القول بأنّ الشرق الاوسط قد تغيّر فعلاً، وليس في المسألة أي مبالغة. وقد تكون الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاميركي إلى المنطقة، المحطة التي سيجري خلالها الإعلان عن الصورة الجديدة لهذه البقعة الأساسية من العالم، او بتعبير أوضح، الكشف عن بعض العناوين العريضة للتفاهمات والتسويات الكبيرة التي حصلت في الكواليس خلال المراحل الماضية.

مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط بربارة ليف، كشفت أحد هذه العناوين خلال جلسة استماع للجنة الفرعية بمجلس النواب الاميركي، وقالت بأنّ زيارة بايدن قد تؤدي إلى مزيد من خطوات التطبيع مع اسرائيل. وقد تكون ليف تقصد هنا السعودية، ولكن وفق برنامج تطبيعي متدرّج، يبدأ الآن بالإعلان عن فتح الأجواء السعودية أمام الرحلات الاسرائيلية المدنية. اما العنوان الثاني، فهو يتعلق بتكريس ما سيُعرف بالدفاع الجوي المشترك للشرق الاوسط، او ما يدفع الاردن باتجاه تسميته بحلف «ناتو عربي».

 

والواضح انّ الدول التي ستشارك في القمة الخليجية - العربية التي ستُعقد في السعودية بحضور الرئيس الاميركي، ستشكّل أساس هذا الحلف، وبطبيعة الحال فإنّ اسرائيل ستشكّل محور هذا الحلف الذي سيحمل مهمّة مواجهة ايران، بدءاً من تولّي اسرائيل مهمّة نشر شبكة دفاع جوي في الامارات والبحرين على ان تتوسع لاحقاً.

 

اما العنوان الثالث، فهو تجاوز مشروع حل الدولتين. فلم توافق اسرائيل بوجهها اليميني الكامل مع بنيامين نتنياهو، وبوجهها الآخر الائتلافي مع نفتالي بينيت، على مشروع حلّ الدولتين. وثمة تكهنات تدور حول دور خفي لرئيس الحكومة الاسرائيلية، بدفع الحكومة الى الاستقالة لإجهاض ضغوط الإدارة الاميركية في عقد لقاء مشترك بين بينيت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحضور بايدن، وإعادة إنعاش مشروع «حل الدولتين».

 

من الواضح انّ اسرائيل تريد تجاوز الملف الفلسطيني، في مرحلة تعتقد انّ ظروفها تلائمها، وبالتالي فإنّ المتوقع توطين فلسطينيي الشتات حكماً والدفع لترحيل او «تهشيل» المقيمين منهم في الضفة وغزة. وهو ما يقلق الاردن الذي سيتولّى مهمّة التوازن مع إيران في سوريا وجنوب العراق بدعم مصري ظاهر واسرائيلي خفي.

 

وسبق كل ذلك، تلك المناورات المتعّددة التي جرت برعاية اميركية وشملت في إحدى مراحلها مناورة بحرية ضمّت اسرائيل إلى جانب بلدان خليجية وعربية وعلى رأسها السعودية.

 

كذلك أجرى الجيش الاميركي تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش الاسرائيلي تحاكي اندلاع مواجهات مع لبنان، إضافة إلى مناورات اسرائيلية تحاكي معارك على جبهات عدة في وقت واحد. وهذه المناورات حملت رسائل واضحة، خصوصاً تلك التي جرت بمشاركة اسرائيلية - اميركية. باختصار، المشروع الذي سيظهر مع زيارة بايدن يرتكز على إعادة ترسيم الخارطة الشرق - اوسطية.

 

من هنا كان الدور المتقدّم لوزير الدفاع الاميركي لويد اوستن على حساب وزير الخارجية انطوني بلينكن في الشرق الاوسط. وأوستن له خبرة كبيرة، بدءاً من العراق، حيث اشرف عام 2011 على الانسحاب الاميركي، وفي افغانستان، إضافة الى تعيينه عام 2012 قائداً «للسنتكوم»، يعرف مخاطر وتعرجات وأفخاخ المنطقة جيداً.

 

لذلك كان مفهوماً إزاء حجم المتغيّرات ألّا تبقى ايران بعيدة. فالمعادلة تقضي بإعادة ترتيب الاوراق في المنطقة، على قاعدة تنظيم الصراع العريض الذي سيسود خلال العقود القادمة بين محور اسرائيلي - عربي ومحور ايراني. وعدا على انّ لهذا الصراع شروطه وقواعده وسقفاً واضحاً لن يتجاوزه احد، حيث ستكون له خطوط تماس جديدة مختلفة عن خطوط التماس الحالية.

 

وهذا ما ينطبق على اليمن وجنوب سوريا ولبنان، في مقابل خطوط تماس جديدة في العراق وصراع وكباش عند الخليج العربي. وبالتالي كان منطقياً ان ينجح مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل في إيران في استئناف المفاوضات حول الملف النووي وإيجاد الترتيب المطلوب للعودة اليه. فالاقتصاد الايراني يعاني كثيراً.

 

فبحسب مراكز الإحصاء، فإنّ معدل الفقر الذي يجمع بين معدل البطالة ومعدل التضخم وصل إلى أعلى مستوى له منذ 25 عاماً. ففي نهاية شهر آذار وصلت نسبة التضخم السنوي الى 40,1% مقابل 36,4% في الشهر نفسه من العام السابق.

 

واستطراداً، فإنّ لبنان سيحضر في اكثر من ملف خلال زيارة بايدن، وبخلاف الرسائل الحربية العنيفة التي وجّهتها اسرائيل، بعضها لأسباب داخلية، كمثل رئيس الاركان افيف كوخافي الذي أراد استعراض إنجازاته قبل إحالته على التقاعد، ووزير الدفاع بيني غانتس العالق في مأزق الذهاب الى انتخابات مبكرة، إلّا انّ الواقع لا يشي ابداً بالحروب في جنوب لبنان بل بالتسويات. وتعمّد المبعوث الاميركي آموس هوكستين الاعلان عن تواصله مع الاسرائيليين عبر اجتماع افتراضي لنقل المقترح اللبناني، ولكن بعد مرور اكثر من عشرة ايام. ومن المنطقي ان تكون هذه المدة شهدت إرسال هوكستين للمقترح اللبناني، لكن اعتماد هذا الإخراج بعد هذه المدة، إنما يدفع للاستنتاج بأنّ الامور ستسلك طريق الموافقة. والمؤشر الثاني هو ما يتعلق بالإسراع في تذليل العقبات امام تزويد لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الاردن.

 

الواضح انّ لبنان المنهك اقتصادياً ومعيشياً ومؤسساتياً يتجّه للخروج من دائرة الاضطرابات والاهتزازات، وفتح الطريق اكثر أمام تكليف اوروبي من خلال فرنسا، بالمساعدة في إعادة بناء مؤسساته. لكن لا تزال هنالك ترتيبات كثيرة لا بدّ من إتمامها قبل الدخول في مرحلة اعادة تثبيت الاستقرار، والتي لن تبدأ قبل وصول رئيس جديد للجمهورية مهمّته الإشراف على الدور الجديد للبنان.

 

خلال الاسبوع الماضي استدعت وزارة الخارجية الاميركية سفيرتها في لبنان دوروثي شيا لبحث ملفات لبنانية ملحّة، قبل عودتها الى لبنان نهاية الشهر.

 

من المنطقي الربط بين هذا الاستدعاء وتحضير الملفات التي يحملها بايدن في زيارته الشرق اوسطية. ولا شك انّ تزامن وجود شيا في واشنطن مع الاعلان عن التواصل ما بين هوكستين والاسرائيليين له تبريره المنطقي.

 

لكن حصر استدعائها بهذا الملف فقط ليس مقنعاً. فثمة ملفات اخرى لها تداعياتها الكبيرة، كمثل الوضع السياسي اللبناني ومستوى الانهيار الذي تعيشه مؤسسات الدولة اللبنانية، اضافة الى ملف يجري التركيز عليه أخيراً ويتعلق بتعديل شروط التجديد لقوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، حيث تتمسّك السفيرة الاميركية بضرورة عدم المسّ بالشروط القائمة حالياً، لأنّ ذلك غير مفيد.

 

كذلك هنالك الملف المتعلق بالتوجّه الموجود لتخفيض موازنة «الأونروا» التي تعنى باللاجئين الفلسطينيين. في وقت ستظهر فيه دوروثي شيا المخاطر التي يمكن ان تنجم عن هذا التوجّه على لبنان، وسط ظروفه الصعبة.

 

وفي موازاة ذلك تتجّه فرنسا باسم الاتحاد الاوروبي لاستعادة نشاطها في لبنان والبدء بإعادة ترتيب برنامجها، من خلال زيارة السفير بيار دوكان، حيث يجري التحضير للنسخة المتطورة من مؤتمر «سيدر» والتي يحتاجها لبنان بشدة، ولكن بعد إتمام الاصلاحات.