أولاً: الشيخ نصر ...التجديد الفقهي والخروج على المألوف...
يُجيب الشيخ محمد عبدالله نصر المذيعة التي تتساءل : هل يعقل أنّ اليهود والمسيحيين والمجوس (الكفرة) يمكن أن يدخلوا الجنة؟ بالإيجاب، وتستغرب المذيعة وتجبهه بقول عامة الناس والفقهاء بأنّ الدين عند الله الإسلام، فيقول الشيخ بأنّ ذلك يعود لجهل الناس والفقهاء بمعنى الدين والإسلام. فالدين هو القانون في عُرف الشيخ، ويستشهد بقول الله تعالى: (كذلك كدنا ليوسُف ما كان ليأخذ أخاهُ في دين الملك) ، أمّا المسلم فهو من سلم الناس من يده ولسانه، وجرى التمييز بين المسلمين والمجرمين في قول الله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)، ويستدل الشيخ بأنّ الله ميّز المسلمين عن المجرمين، ولم يقُل المشركين. ويستشهد بآية أخرى : (ولا تقولوا لمن ألقى لكم السلام لست مؤمناً) . فضلاً عن أنّ الأنبياء من إبراهيم إلى موسى وعيسى كانوا مسلمين، ودعاهم القرآن بدعاء: لا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون. فالمخالف إن كان تقياً ورعاً لا يرتكب المحارم ينال جزاءه الجنّة، والمسلم الذي يقتل ويسرق ويزني جزاؤه جهنم وبئس المصير.
ثانياً: الخلافة قهرٌ وغلبة...
على خُطى الشيخ علي عبد الرازق، يقول الشيخ نصر بأنّ الخلافة قامت على القهر والغلبة والعنف، فقد قُتل فيها ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وذُبح فيها سبط النبي الحسين بن علي، وحُمل رأسه في البلاد، ونساء النبي سبايا على ظهور الإبل، وفي الخلافة قُصفت الكعبة بالمنجنيق (مدفعية تلك الأيام)، وصُلب عبدالله بن الزبير ثلاثة أيام في الحرم المكي، وفي الخلافة استُبيحت المدينة وهُتكت أعراضُ الأنصار، وقيل أنّ ألف عذراء حملت سفاحاً في هذه المجزرة.
تظهر عند هذا الشيخ براعة وقدرة على نقد المألوف والمُتعارف عليه، والسّعي لتنوير الأذهان بإعمال سيف النقد والتحري بالمسلّمات الدينية، وجعلها عُرضةً للتّقويم والتّصحيح.
ثالثاً: مسارات التجديد والنقد كانت على مسار التاريخ...
أغلب المسلمين لا يتعاملون مع الإسراء والمعراج على أنّهما حادث أسطوري، بل حادث وقع فعلاً، وهذا لم يمنع الجدال حولها، هل كان الإسراء بالجسد والروح ،أم أنّه اقتصر على الروح، وهي برغم طابعها الأسطوري تبقى بالنسبة للمسلم حقيقة جاء بها نصّ قرآني صريح، كما أنّ المسيحي يعتقد أنّ واقعة قيام المسيح من بين الأموات واقعة حدثت فعلاً، في حين أنّ القرآن جزم بعدم وقوع الصّلب أساساً، وأنّ السيد المسيح ما قُتل ولا صُلب وإنّما شُبّه لهم، ورُفع إلى السماء مباشرةً، وهذا كارل ماركس (اليهودى) يذهب إلى أنّ السيد المسيح انتصر لأنّ اسبارتاكوس انهزم.
رابعاً: الشيخ المستنير إلى قافلة الأحرار...
الذين حاكموا الشيخ المستنير، إنّما يسيرون على خُطى من حاكموا الشيخ علي عبد الرازق، وأفتوا بإخراجه من زمرة علماء الأزهر وفصله من وظيفة القضاء، لجرأته على الخلافة وموبقاتها، وهم اليوم يغرفون من تراثٍ دفين في تاريخ المسلمين (يستوي في ذلك الأموي والعباسي والعثماني)، فيذهبون إلى اعتقال ونفي وقتل كل من قال بقولٍ يعتبرونه معادياً للإسلام في نظرهم، كما يذهب الصهاينة إلى الرمي بمعاداة السامية لكل من يُدين جرائمهم، وينتقد فضائع دولتهم  إسرائيل. هؤلاء "القضاة الظلمة" ، الذين يقضون بحبس عالم دين مستنير، إنّما يدّعون حقّ التصرف بتاريخ الإسلام، وثقافته وحضارته، وكأنّ تاريخ الإسلام حكرٌ عليهم، عليك بالصّبر مولانا العزيز، ولك في أبي ذرّ الغفاري وأحمد بن حنبل وعمرو المقصوص والجعد بن درهم والحلاج وطه حسين ونجيب محفوظ وعلى عبد الرازق وجرجي زيدان أسوةٌ حسنة.