في أعتى الأنظمة الديكتاتورية، وفي أكثرها ديمقراطية، يستوي الأمر. لا أحد يمثل أكثر من نصف الناخبين في أفضل الأحوال. حتّى في الأزمات الكبيرة. وقال أحدهم: إذا ترشّح وليّ من ولاة الله، أو قدّيس، لن يحصد أكثر من 80 % من أصوات أيّ مجموعة بشرية.

لا يوجد إجماع كهذا في أيّ مكان من العالم.

وها هو ايمانويل ماكرون، ودونالد ترامب، وقبلهم جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، وقبلهم شارل ديغول وستالين. لا أحد يزيد تمثيله عن 50 إلى 60، وقل 70 % إذا "شقّت حالها".

فهل يمثل الثنائي الشيعي في الجنوب والبقاع و بيروت والضاحية وجبيل، أكثر من 80 % من الشيعة؟

هذا مستبعد جدا. ونتائج التصويت في كل الانتخابات التي مرّت على لبنان، منذ انتهاء الحرب الأهلية، تشير إلى عدم تصويت أكثر من 60 أو 70 % من الناخبين، يحصل الثنائي على معظمها، بما لا يزيد عن 50 إلى 60 % من عدد الناخبين الفعلي، في أيّ منطقة أو دورة أو مرحلة.

يبقى 30 إلى 40 % من الناخبين الشيعة، الذين لا يشاركون في الانتخابات، لسبب أو لآخر، ويمكن تسميتهم "أكثرية صامتة". هؤلاء معظمهم لم يشارك بسبب اقتناعهم بأنّ صوتهم لن يقدّم ولن يؤخر، ما دامت النسبة المطلوبة لإحداث اختراق انتخابي، كانت 50.01 % على الأقلّ، وربما لسفر بعضهم أو انفضاض آخرين عن العمل السياسي والمشاركة السياسية.

أما قد بات القانون الانتخابي الجديد النسبي يسمح لـ10 أو 12 % من الناخبين بإيصال مرشّح إلى الندوة البرلمانية، فعلينا أن نتوقع تغييراً في اتجاهات التصويت، وتغييراً في نتائج الانتخابات، وتغييرا في المشهد السياسي الشيعي، من الشمال إلى البقاع والجنوب، مرورا ببيروت.

وهذا يقلق حزب الله، كما قد يقلق أيّ "مسيطر" وقد جاء من يقاسمه أو يقتطع من حصّته.

بدأ هذا القلق يظهر على السطح في مستويات متعدّدة، شهدت تمرّد بيئات لا بأس بها من الشيعة على "سطوة" حزب الله وسيطرته. لم يبدأ الأمر باغتيال هاشم السلمان، الشاب الذي كان يقود مجموعة معترضة على مشاركة حزب الله في ذبح الشعب السوري، أمام السفارة الإيرانية، قبل أعوام.

كانت تلك رسالة بالدم.

بعدها تعرّض الشيعة المستقلين، خارج "ثنائية السلطة الشيعية"، عنينا ثنائية حزب الله وحركة أمل، لعمليات تهويل وترهيب كبيرة، أدّت في حينها إلى إقفال موقع "مختار" الإلكتروني، الذي أداره الزميل محمد بركات، وقد كان مكتبه يبعد أمتاراً عن مكان اغتيال هاشم السلمان... خاف المموّل، رجل الأعمال الشيعي "شبه" المستقلّ. فهم أنّ "الاعتراض ممنوع". وانصرف إلى مشاريع كان يريد الحصول عليها بين العراق ولبنان.

بعدها كان انفضاض شيعي مستقلّ عن العمل السياسي لشعور بين النخب المستقلّة بـ"لاجدوى الاعتراض" في لحظة "الحرب" السورية. وكان مشايخ حزب الله ومسؤولوه يحرّضون على كلّ مختلف في الحسينيات والمناسبات والبيانات واللقاءات.

مؤخراً، بعد إقرار قانون الانتخابات الجديد، بدأت حملة ترهيب بحقّ الشيخ ياسر عودة. وهو شيخ "وريث" لفكر سماحة العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وصلت حدّ تهديده بالقتل، وبالضغط الحزبي والسياسي تمّ طرده من ظهوره الدوري على شاشة قناة "الإيمان" التابعة لمؤسسات فضل الله، وشنّ حزب الله حملة تخوين وترهيب بحقّه على وسائل التواصل الاجتماعي.

لاحقاً هدّد شيخ اسمه صادق النابلسي، من أجواء حزب الله، لكن من خارج جسمه الحزبي، هدّد النائب عقاب صقر بـ"فصل جسده عن رأسه" بعد مؤتمره الصحافي قبل أسبوع. ولم يتحرّك أيّ جهاز قضائي، تماماً كما دُفنت قضية هاشم السلمان.

اقرا ايضا : ردّاً على حازم صاغية: ليس زمن حزب الله.. أنت كبرتَ واستسلمتَ

ثم كتب ابراهيم الأمين مقالين قبل أسابيع، هدّد خلالهما الشيعة الناشطين خارج "الثنائية" بالقتل بعد اتهامهم بالخيانة. ولم يتحرّك قضاء ولا أمن.

بعدها أكملت حركة "أمل" مشروع الإطباق على ميراث العلامة الراحل السيد محمد مهدي شمس الدين، بنزع إدارة مؤسساته من يد نجله الوزير السابق ابراهيم شمس الدين. لا أحد تدخل لحمايته. وهو صرخ ظنّاً منه أن حزب الله قد ينجده. لكنّه تُرك وحيداً يقارع "الثنائية".

قبل أيام جاء دور الأسير المحرّر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، أحمد اسماعيل، الذي قضى 10 سنوات من شبابه في المعتقلات الإسرائيلية، وخرج في صفقة تبادل العام 1998 أدارها الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

صبيحة زيارة وزراء الحزب والحركة إلى سوريا، إستدعى جهاز الأمن العام اسماعيل، الذي قال إنّ المحقّقين هدّدوه بالقتل: "حقّك رصاصة منقتلك ومنزتّك متل الكلب"، في حال أصرّ على انتقاد مشاركة حزب الله في الحرب السورية، أو انتقد جبران باسيل أو "صرماية وئام وهّاب" أو إيران. وهدّدوه، بحسب مؤتمره الصحافي الأخير، طالبين منه "تعطيل حسابه على فيسبوك أو مغادرة البلاد".

خرج أحمد اسماعيل وفضح ما جرى معه. وكانت الرسالة واضحة: أسكتوا، أو اخرجوا من البلاد، أو نقتلكم ونرميكم مثل الكلاب.

إستشعر وزير الداخلية نهاد المشنوق الخطر على الحريات، وطلب فتح تحقيق رسميّ في ما جرى، واستشعر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الأمر نفسه، فاستدعى اسماعيل واستمع إليه، وكان مصدوماً: "هل فعلاً كنت في مركز للأمن العام؟"، سأله باستغراب.

الخلاصة: حزب الله يعرف أنّ أيّ انتخابات، إذا أحسن خصومه الشيعة إدارتها من جهتهم، وجمّعوا أصوات بين 10 و20 % من الشيعة، ومعهم آلاف الأصوات من طوائف مختلفة، في دوائر البقاع والجنوب، فإنّ إمكانية الخرق ستصل إلى احتمال تشكيل كتلة نيابية شيعية مستقلة، يتراوح عدد نوابها بين 2 في أسوأ الأحوال، و6 في أفضلها، بحسب الإمكانات المالية والإعلانية، وبحسب الدعم المحلي والإقليمي والحماية الدولية التي قد يحصلون عليها.

حزب الله خائف، وقد بدأ التصعيد. تصعيد مرشّح للارتفاع. لكنّ هذه المجموعات المتباعدة تحتاج إلى تنسيق وإلى تفرّغ سياسي لإدارة معركة قد تغيّر المشهد السياسي الشيعي، واستطراداً المشهد السياسي اللبناني بكامله.
كاظم عكر
في هذا الوقت، يحتاج هؤلاء إلى داعمين، بالسياسة والحماية والمال، من رجال أعمال شيعة مستقلين، عاملين في الخليج وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، وفي لبنان. على هؤلاء تبنّي المشروع. مشروع في بداية تشكّله، يحمل كلّ إمكانيات النجاح، ويؤسّس، في حال فشل انتخابياً، لعمل سياسي طويل الأمد من أجل انتخابات 2022، لفرض تغيير صار متاحاً وممكناً.

حزب الله خائف، والمطلوب الدعم. لا تتركونا وحيدين. لقد بدأت المعركة ضدّنا. ونخوضها نيابة عن كلّ اللبنانيين وعن كلّ العرب.

لا تتركونا وحيدين، والوقت بدأ يداهمنا، فالانتخابات بعد 7 أشهر. وهي كافية لإدارة حملة جديّة.

حزب الله خائف، ونحن لسنا  خائفين، لكنّنا وحدنا.