لم أشفق على زياد الرحباني خلال مشاهدته محنياً، ظهراً ومنطقاً وكرامةً. شعرتُ أنّه لبناني في حدّه الأقصى: يقبّل يد الزعيم، الداخلي (نصر الله) والخارجي (الأسد)، يشتم خصومه (السعودية)، يبرّر أخطاءه (الحرب السورية) ويطلب المزيد من المال، كي يرفع من انحناءة ظهره، ومن صوته
 

خلال مشاهدتي المتأخّرة لمقابلة زياد الرحباني على قناة "المنار" خرجتُ بانطباع واحد لا ثاني له: هذا الرجل يقول لنا إنّه مفلسٌ، وإنّه يريد مالاً ليعيش، وإنّه بات شبه عاجز صحيّاً، ويرغب في تأمين "مخرج لائق" له من هذا العَوَز.

لم يستفزّني حين اعتبر حسن نصر الله "الصامد الأكبر، بعد بشار الأسد". ليس موقفاً جديداً. بل هو موقف سياسي وأخلاقي أعلنه منذ سنوات طويلة. المستفزّ أكثر شرهه إلى المال، وإذلاله العلنيّ في مقابلة حطّمت ما تبقّى من صورته.

ساعتان لم يقدّم خلالها زياد الرحباني أيّ فكرة جديدة، أو لقطة، أو نكتة. فقط قدّم انحناءة رأسه وظهره، مرضه، وحديث الدائم عن إفلاسه، وعن فقره وعوَزه. سأله عماد مرمل: "ماذا يعني المال بالنسبة لك؟"، فأجابه: "المال هو كلّ شيء، حتى المقاومة تحتاج إلى المال، وشراء السلاح يحتاج إلى المال...".

هل هذا هو زياد الرحباني المعادي لرأس "المال"؟ هل هذا هو الشيوعي؟  

من يشاهد المقابلة ينتبه كيف أنّ زياد الرحباني أكثر من تكرار لوازم "دينية" منها "إن شاء الله"، و"متل ما الله بيريد"، وما شابهها. وهذه جديدة، لأنّه يقولها ويعنيها. يظهر ذلك من سياق القول وطريقته ونظراته. مثله مثل الملايين من الذين "يعرضون" عن الله، وفي نهايات أعمارهم يتذكّرونه.

أقفلت هذه المقابلة كلّ منافذ "الأسطورة" التي صنعت مجد زياد الرحباني. فهو أكّد وشرح كيف أنّه ليس عبقريا: "أنا أشاهد وأنتبه للأمور قليلاً أكثر من غيري... وأسجّلها مثل الراديو".

أيضاً: "المتمرّد" الأشهر في لبنان أعلن أنّه صالح والدته فيروز، هو الذي استمدّ جزء من "أسطرة" حكايته في تمرّده على أقدس الأسماء في "حكاية لبنان" الحديثة، عاصي الرحباني والده، وفيروز والدته. صالح والدته، وشرح أسباب تمرّده، وكيف أنّ الشهرة هي التي دمّرت علاقة فيروز وعاصي، وكان هو الضحية. تشريح نفسي، يتنصّل خلالها من تهمة التمرّد، ويقدّم أعذاراً لوالديه، بعد كل هذا العمر من الغضب.

إقرأ أيضًا: ليلة سقوط التفاهمات: معراب انتهى .. و الرئاسي على الطريق

 

قبل فترة، حين أعلن زياد الرحباني أنّه يريد "الهجرة" لتحصيل قوته اليومي، أرفق إعلانه بانتقادات قاسية ل"حزب الله" خلال سهرة في الجنوب. بعدها صمت عن الانتقاد، وصمت عن "طلب الهجرة". كما لو أنّه كان "يهدّد"، وهناك من ناوله مالاً يسدّ به رمقه. واليوم ها هو يكرّر: "سأهاجر، أريد مالاً، أريد عملاً، أريد كفايتي... لا أحد يؤجّرني منزله في بيروت الغربية، لا أحد يحبّني، لم يبقَ لي غير صديقين أو ثلاثة، أريد زوجة تسندني ما تبقّى من عمري...".

اليوم، يطلّ زياد الرحباني في جريدة "الأخبار" بمقالات قديمة. ويطلّ على "المنار" بمقابلة محزنة، يحضّر لحفلتين في بيت الدين، ويعلن أنّه سيتزوج صحافية في قناة "الميادين". ما يذكّرنا بزواج سمير القنطار من مذيعة في "المنار" خلال معمودية انتقال صورته من "شيوعي" إلى "ممانع حزب اللهي"، قبل مقتله في سوريا.  

يقول زياد خلال المقابلة إنّ "ابراهيم الأمين هو سبب بقائي في لبنان"، ويردّ ابراهيم في اتصال هاتفي مباشر، بأنّه "لا يمكن تصوّر جريدة الأخبار دون زياد". وفارقٌ كبيرٌ بين القولين. ما يقصده ابراهيم أنّ "خلطة" جريدة  "الأخبار"، بين الخمينية واليسار، وبين شيعيّتها وشيوعيّتها، تحتاج إلى المسيحي الشيوعي الممانع الأشهر، كواحدة من أقنعتها اليسارية. والأرجح أنّ ما يقصده زياد هو الراتب الذي يدفعه له ابراهيم كي يسدّ به جوعه وحاجاته.  

في النهاية زياد الرحباني هو موظف في منظومة الممانعة. يأكل ويشرب من صحنها، وعليه أن يخرج على "المنار" ليضرب بسيفها، ويقدّس نصر الله والأسد. هذا واجبه "الشرعي" وتقريش لـ"المال" الذي "يحلّله" كلامه.

لم أشفق على زياد خلال مشاهدته محنياً، ظهراً ومنطقاً وكرامةً. شعرتُ أنّه لبناني في حدّه الأقصى: يقبّل يد الزعيم، الداخلي (نصر الله) والخارجي (الأسد)، يشتم خصومه (السعودية)، يبرّر أخطاءه (الحرب السورية) ويطلب المال، كي يرفع من انحناءة ظهره، ومن صوته.

زياد الرحباني مفلس إفلاساً شاملاً، فنّاً وسياسةً ومنطقاً. وكما كان "التمرّد" نتيجة أخطاء عاصي وفيروز، فإذلاله العلني قد يكون سببه فيروز، المليونيرة التي عليها أن تعطي "طفلها" خرجيته كي لا يمدّ يده لهذا أو ذاك.

كلّ مأساة زياد في عائلته، هكذا بدأت، وهكذا عليها أن تنتهي.