بدأت معركة جرود القاع. المرحلة الأولى من العملية هي تضييق الخناق على تنظيم داعش، ومحاصرته، لتفعيل مبدأ التفاوض للوصول إلى كشف مصير العسكريين المخطوفين لديه. هذه المرحلة المدعومة بقصف صاروخي ومدفعي مركّز ومكثّف، من شأنها أن تأخذ مزيداً من الوقت، لأن الجيش يدرس خطواته بعناية لتجنّب وقوع خسائر في صفوفه. هو يعلم أنه على المدى الطويل لا أفق لداعش في الاستمرار في تلك المنطقة. بالتالي، فإن الهدفين الأساسيين للمعركة، هما كشف مصير العسكريين المخطوفين، وإبعاد داعش إلى العمق السوري وإخراجه من الأراضي اللبنانية.

لا تخفي مصادر متابعة أن المعركة بحاجة إلى مزيد من الدرس المركّز والحسابات الدقيقة، نظراً الى طبيعة المعركة ومساحتها. وهناك من يعتبر أن القصف وحده لن يكون مفيداً في تحقيق الأهداف. وهذا ما يجب أن يُرفق بتقدّم ميداني يهدف الى قطع أوصال التنظيم، وتعطيل حركة المناورة لديه. وهذا دور سلاح الجو، الذي بدأ الجيش استخدامه عبر طائرات سيسنا. لكن، يبدو أن هذا لن يكون كافياً، بل هناك حاجة إلى قوة نارية جوية أكبر.

وبما أن لبنان مشارك في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وفي الاجتماعات التي يعقدها ممثلون عن الجيوش المنضوية تحت راية هذا التحالف، هناك من يطرح تساؤلات عن سبب عدم طلب الجيش اللبناني التنسيق مع التحالف الدولي والحصول على دعمه لمواجهة التنظيم، على غرار ما حصل في الموصل، أو الرقة أو مناطق أخرى. لكن هذا الطرح سرعان ما يلاقي معارضة شرسة من جانب حزب الله، الذي اعتبر أمينه العام السيد حسن نصرالله أنه يجب عدم بقاء الأميركيين في لبنان، وعدم مشاركتهم في المعركة. حتى أن بعض المعلومات تشير إلى أن هناك رسائل إيرانية قد وصلت إلى لبنان تؤكد هذه التوجّه. وفيما سيزور وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لبنان، وفق معلومات متداولة، لأجل المباركة بما حصل في جرود عرسال، سيطلب عدم التنسيق مع الأميركيين في المعركة، ورفض توفير غطاء جوي أميركي لها.

وقد كان لافتاً كلام نصرالله أن الجيش اللبناني سيخوض المعركة ضد التنظيم من الجهة اللبنانية، فيما حزب الله والجيش السوري سيشاركان فيها من الجهة السورية. وهذه تتلاقى مع مطالبات الحزب المستمرّة بالتنسيق مع الجيش السوري. وفي وقت يصرّ الجيش على أنه يريد خوض المعركة بنفسه بدون التنسيق مع أي طرف، خصوصاً بعد السؤال عن سبب عدم مشاركته في معركة جرود عرسال. وهنا، ثمة إشارات يمكن التقاطها، بأن ما يريد حزب الله تحقيقه في هذه المعركة، هو النتائج نفسها التي حققها في معركة جرود عرسال ضد جبهة النصرة، أي أن يكون صاحب الفضل الأكبر في تحرير الجرود، ولولا مشاركته ومشاركة الجيش السوري لما تحقق هذا الإنتصار ضد تنظيم داعش.

يشدد حزب الله على أنه بتصرّف الجيش اللبناني، ويضع كل مقدراته في خدمته وما يريد تحقيقه من أهداف. وتعتبر مصادر مطّلعة أن المعركة تتوقف على قرار الجيش، وتنتظره. وفي التقديرات أن المعركة محسومة النتائج لمصلحة الجيش. وهي قد تحتاج إلى ما بين عشرة أيام وخمسة عشر يوماً. والأكيد هو أن القرار سيتخذ قريباً، لأن الجيش لن يسمح بأن يطول الإنتظار. أما في شأن موقف الحزب من مشاركة التحالف الدولي، فإن أي مشاركة للأميركيين في هذه المعركة، تعتبر إهانة، هذا من الناحية السياسية والمعنوية. أما من الناحية التقنية، فهذه تحتاج إلى تنسيق واسع مع الروس وغيرهم، لأن أي حركة للطيران الحربي تحتاج إلى التنسيق في غرفة عمليات تنظّم الطلعات الجوية لتنفيذ ضربات ضد أهداف عسكرية للتنظيم.