أنجز حزب الله ما يريده. جرود عرسال أصبحت خالية من المسلّحين. لم يترك أسراه في الأسر، إستعادهم، وأرسل مقابلهم آلاف اللاجئين إلى إدلب. مشّط الجرود، زرع بعض النقاط فيها والأخرى سيسلّمها للجيش اللبناني الذي بعيد إنطلاق القافلة التي تقل المسلحين والمدنيين مساء الأربعاء، بدأ التقدّم في اتجاه الجرود من ناحية وادي حميد لتوسيع مناطق سيطرته. عين حزب الله على القاع، والمعركة التي سيخوضها الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش، بعد مرور أسرى الحزب ليل الخميس فيها، حيث يعدّ لهم استقبالاً شعبياً.

صحيح أن البعض شكك بالانتصار العسكري للحزب في الجرود، لأن خروج المسلّحين حصل بعد تسوية وصفقة، لكن إنتصاره أكبر، ليس بالإستدلال عليه فحسب، من الشرعية السياسية والإعلامية التي حظي بها، بل باستكمال ذلك، شعبياً، لما تمثّل القاع من رمزية، هي المنطقة ذات الأغلبية القواتية، والتي تعرّضت سابقاً لسلسلة تفجيرات إنتحارية، تهلّل لعودة أسرى الحزب، وتحيّيه لتحرير جرود عرسال والتمهيد لتحرير الجيش جرود رأس بعلبك.

عبرت القوافل مساء الأربعاء المنطقة الجردية اللبنانية، في اتجاه سوريا، وصلت إلى فليطة، ومنها إلى الأوتستراد الدولي في اتجاه حمص، لتصل ظهر الخميس إلى حماه، حيث التسلّم والتسليم، قسّمت القافلة إلى مجموعات، ومع دخول كل مجموعة إلى المناطق المحررة كان يطلق سراح أسير من أسرى الحزب. أحد الإنتصارات التي حققها حزب الله كذلك، هو أنه تزامناً مع دخول القوافل إلى سوريا، كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تعتبر أن ليس لها علاقة بما يحصل. لكن الحزب فعل ما يشاء، ولم ينتصر على الدولة اللبنانية التي قال رئيس وزرائها إنه يعترض على ما يقوم به الحزب، لكنه لاحقاً أعلن أنه الحزب قام بشيء ما لتحرير الجرود التس استكملت بمسار تفاوضي.

كرّس حزب الله نفسه أكبر من حزب لبناني مقاوم، غيّر خرائط في سوريا، ويعمل على تغيير موازين في اليمن، وهو الآن، يعمل على تحديد المسارات العسكرية في لبنان، ويرسم المناطق الآمنة في سوريا، بدون الحاجة إلى قرارات دولية أو مؤتمرات. ما يقوم به الحزب يستند إلى موازين القوى المختلّة لمصلحته، ولاضطرار كل القوى التي تخاصمه إلى التطبيع معه.

الأهم من ذلك، أن الحزب هو الذي كان قد أطلق شرارة المعركة الجردية، وإذا ما أنجز بنفسه مرحلة منها، فهو الذي وضع الجيش في مكان لينجز المرحلة الثانية ضد تنظيم داعش. وهذا ما سيسمح للجيش باستعادة اعتباره ومعنوياته، ويحفظ ماء وجه الحكومة والمؤسسات الرسمية، للادعاء فيما بعد أن الإنجاز حققه الجيش في مواجهة الإرهاب.

بحسب المعلومات المتوافرة، فإن المعركة ضد تنظيم داعش ستبدأ خلال أيام، بعد إنجاز الصفقة مع جبهة النصرة، ثمة من يشير إلى أن المعركة قد تبدأ أواخر الأسبوع، فيما البعض الآخر يعتبر أنها تحتاج إلى أيام أكثر بقليل. لكن لا شك في أن المعركة ستحصل، لأجل الضغط على التنظيم ودفعه إلى الإنسحاب. وفي هذا السياق استمر الجيش الخميس بإرسال تعزيزات إلى منطقتي رأس بعلبك والقاع تحضيراً للمعركة.

واللافت أكثر من ذلك، بروز معلومات عن وجود عناصر من القوات الخاصة الأميركية، التي ستشرف على العمليات التي سيقوم بها الجيش ضد تنظيم داعش. وتشير المعلومات إلى أن نحو 70 عنصراً من القوات الأميركية موجودون في البقاع لمتابعة العملية عن كثب، ولتقييم أداء الجيش. كما أنهم سيكونون شركاء استشاريين في المعركة. وتؤكد المصادر أن هؤلاء موجودون في لبنان منذ أشهر، وتحديداً بعد تكثيف زيارات مسؤولين عسكريين أميركيين إلى لبنان وتحديداً إلى تلك المنطقة. وهم كانوا سابقاً ينسّقون مع الجيش لإطلاق هذه المعركة، ويعملون على تنظيم دورات تدريبية لبعض الفرق في الجيش، في مطار القليعات.

هذا الكلام يفرض طرح سؤال إذا ما كانت طائرات التحالف الدولي قد تشارك في هذه المعركة، عبر قصف أهداف ومواقع للتنظيم في تلك المنطقة. وهنا تجيب المصادر بأن كل شيء ممكن في هذه المعركة، خصوصاً أن لبنان عضو في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

حتى الآن يبقى هذا الكلام عادياً، لكن لا يمكن فصله عن وجود حزب الله ودوره. فالبعض يعتبر أن إصرار الحزب على استباق أي قرار عسكري للجيش بشأن الجرود، جاء بهدف الإشارة إلى أنه شريك في محاربة الإرهاب، وبأنه في الصفوف الأمامية لهذه المعركة. وهذه رسالة حرص الحزب على إيصالها إلى الغربيين من خلال الجولة الإعلامية التي نظمها إلى الجرود. بالتالي، هو يريد أن يقول للأميركيين إن من يحارب الإرهاب لا يمكن وصفه بأنه إرهاب أو أن يتم التعاطي معه على هذا الأساس.

ويعتبر البعض أن المعركة ستحتم التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، ومع حزب الله، حين تقتضي الحاجة. بالتالي، فإن هذا المشهد سيعيد إلى الاذهان مشاهد من التجربة العراقية ضد تنظيم داعش، حين كانت طائرات التحالف الدولي تشن غارات على التنظيم، والحشد الشعبي يخوض المعارك ضده في الميدان. هذا الكلام، يعني أن كل ما يحكى في الإعلام عن تصعيد ضد النظام السوري وإيران، ليس إلا كلاماً، فيما إيران وسوريا، وحوب الله، شركاء حقيقيون للأميركيين في معاركهم.