ليس من الإنصاف في شيء ولا من الحكمة التقليل من حجم البطولات التي ابداها مجاهدو المقاومة الإسلامية في الجرود الوعرة خلال معاركهم ضد مسلحي جبهة النصرة وباقي الجماعات الإرهابية الذين اتخذوا من مغاور وكهوف منطقة القلمون السورية المتصلة بالسلسلة الشرقية لجبال لبنان في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا اوكارا لهم ينطلقون منها لنشر الرعب في القرى المجاورة بالخطف والقتل والتفجير دون تمييز بين لبناني وسوري او مسلم ومسيحي او سني وشيعي. والاعتداء على الآمنين وفرض الخوات عليهم. 
فمنطقة المعارك واسعة نسبيًا وهي مليئة بالوديان والتلال والمرتفعات والتحصينات الطبيعيه التي تقع تحت سيطرة جبهة النصرة، وأي حرب ضدها تتطلب تكتيكات عملانية وخبرة واسعة لا تتوفر إلا لدى قوات النخبة والقوات الخاصة في جيوش الدول المتطورة. 

إقرأ أيضًا: محاربة الإرهاب قد يولد داعش 2
ومن الواضح أن المقاومة الإسلامية استخدمت خلال هذه المعارك مجموعة تكتيكات مكنتها من تحقيق انتصار سريع في الأيام الأولى، منها عنصر المباغتة للجماعات الإرهابية قبل التمهيد الناري وذلك بتسلل عناصر من المقاومة المشاركة في المعارك ليلا والوصول إلى تخوم مواقع النصرة ما أدى إلى سقوط خطوط الدفاع الأولى، وكذلك دقة التنسيق الميداني لغرفة العمليات في الربط بين سلاح المدفعية وقادة المجموعات على الأرض، يضاف إلى ذلك التكتيك الأهم وهو إيهام جماعات النصرة بأن الهجوم سيبدأ من نقطة معينة فيما بدأه مجاهدو المقاومة من منطقة أخرى، على ان الأهم من كل ذلك هو ان العامل الأمني كان الأكثر تأثيرا في سير هذه المعارك، بحيث أن غرفة عمليات المقاومة كانت تمتلك معلومات دقيقة عن مراكز تواجد الجماعات الإرهابية ومخازن الأسلحة، وكلها عوامل ساعدت مقاتلي حزب الله على الإمساك بزمام المبادرة في المعركة والسيطرة الميدانية ما مكنها من تسجيل إنتصار سريع فاق التوقعات. 

إقرأ أيضًا: ملف النازحين السوريين وضرورة النظر إليه بعين إنسانية مسؤولة
ومن الطبيعي أمام هذا المشهد أن ينبري الكثير من الانتهازيين والوصوليين وأصحاب الأقلام المأجورة من الصحافيين لاستغلال الموقف واستخدام فرشاة كبيرة لمسح الأحذية (عفوا لتمسيح الجوخ) والتمادي في المزايدة تمجيدًا لبطولات المجاهدين تزلفًا ورياءًا وتسييسًا لتضحيات المقاومة خدمة لمصالحهم الخاصة، وتوزيع التهم يمنة ويسرة بالتعصب أو العمالة والخيانة لكل من يخالفهم الرأي في القضايا الوطنية، مع أن تاريخ هؤلاء المتزلفين يشهد بسخافتهم وخفتهم وسفالتهم بتجاوزهم حدود الأدب والأخلاق بإستخدام ألفاظ نابية وسوقية وتهديد كل من تسول له نفسه مخالفتهم الرأي يتحسس رقبته، علمًا أن هناك إجماع وطني ضد الإرهاب وأن اللبنانيين على إختلاف تلاوينهم وانتماءاتهم يقفون صفًا واحدًا خلف المؤسسة العسكرية وكافة الأجهزة الأمنية وخصوصًا الجيش ضد هذه الجماعات الإرهابية، ولا خلاف في ذلك لأن الإرهاب يستهدف الجميع، لكن دائما هناك من يحاول تلميع صورته وإبراز نفسه برمي الناس بالبهتان وتضليل الرأي العام والمخالفة على قاعدة خالف تعرف. 

إقرأ أيضًا: خذوا البلد واتركوا لنا الجيش!
وبالتالي فإن الموضوعية تقتضي التسليم بأن هذه المعارك التي يخوضها حزب الله في منطقة القلمون وجرود عرسال تأتي في سياق حرب دولية وإقليمية تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد الإرهاب، ولا يمكن فصلها عما يجري في الموصل والرقة، ما يعني أن حزب الله ألتزم بما املته السياسة الأميركية في المنطقة، ولكن ذلك لا يقودنا إلى التقليل من شجاعة واقدام مجاهدي المقاومة، وهذا لعمري كلام لانصافهم وليس لاستغلال تضحياتهم ودماء شهدائهم، أما كيف سيوظف حزب الله هذا النصر على جبهة النصرة داخليًا؟ 
قد يكون من المبكر الإجابة على السؤال لكن التجربة مع الحزب تقتضي الإشارة إلى أن النصر الذي أهداه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى اللبنانيين في العام 2000 فإنه أفضى إلى اجتياح الحزب للعاصمة بيروت والجبل في السابع من آيار 2008.