وأخيرا أقرّت السلسلة ونغّغصت بالضرائب المرهقة

 

المستقبل :

على قاعدة الموازنة بين ما للناس ومال الدولة، والمواءمة قدر المستطاع تحت سيل المزايدات وضغط الشعبوية بين حقوق المواطنين وما تيسّر من قدرة الخزينة، نجحت الجهود المتضافرة حكومياً ونيابياً في إنهاء درب «السلسلة» الطويل بعد إقرار الهيئة العامة الزيادات المُدرجة في مشروعها بمختلف بنوده وإصلاحاته على أن يعود المجلس اليوم لمناقشة المسائل المتصلة بعملية التمويل والإيرادات المتوجب تأمينها لتغطية التقديمات والزيادات المقرة في سلسلة الرتب والرواتب الجديدة. على أنّ إقرار «السلسلة» عملياً أمس بما هو من إنجاز وطني طال انتظاره على مدى خمس سنوات لمنح كل ذي حق حقه من موظفي القطاع العام، سيكون سداد كلفتها مترابطاً بميزان مدفوعات الموازنة العامة التي أكدت مصادر نيابية متقاطعة لـ«المستقبل» أن إقرارها سيكون خلال أربعة إلى ثمانية أسابيع.

وفي أبرز الزيادات التي أقرت أمس، تكلفة الألف مليار ليرة الناتجة عن درجات المتقاعدين المئة ألف المشمولين في مضامين هذه الزيادة والتي سيُصار إلى تقسيطها على مدى ثلاث سنوات بواقع نسبته 45% في العامين 2017 و2018 و85% في العام 2019، ما يرفع إجمالي تكلفة السلسلة إلى حوالى 1350 مليار خلال أول سنتين لترتفع هذه التكلفة إلى أكثر من 2000 مليار في السنة الثالثة. (وقائع الجلستين الصباحية والمسائية ص 2 – 3). 

على صعيد منفصل، برز أمس على شريط الأحداث المتصلة بملف النازحين «الفيديو» المُشين الذي تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي يظهر فيه أحد النازحين السوريين أثناء تعرض شبان لبنانيين له بالضرب والشتم في سياق من الممارسات العنصرية والعدوانية بذريعة الدفاع عن الجيش اللبناني. وعلى الأثر كشف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لـ«المستقبل» أنه اتصل بمدعي عام التمييز القاضي سمير حمود خلال الساعات الأخيرة وطلب منه تحرك الأجهزة القضائية المعنية تجاه هذه القضية ووضع يدها على التسجيل المصوّر الذي يوثق عملية الاعتداء على أحد النازحين تمهيداً لتحديد المرتكبين وملاحقتهم جنائياً.

 

الديار :

بعد «مخاض» عسير استمر اربع سنوات، خرج «الدخان الابيض» من المجلس النيابي، اقرت سلسلة «الرتب والرواتب»، رفع الرئيس نبيه الجلسة الى الحادية عشرة من صباح اليوم بعدما اقرت جميع البنود الاصلاحية وتمت اعادة صياغة بعض موادها، فيما يستكمل النقاش اليوم بالبند الثاني المتعلق بتمويل السلسلة والتي ستبلغ تكلفتها بعد ثلاث سنوات 1772مليار ليرة...وهذا ما يفتح باب التساؤلات والمخاوف على مصراعيه، حول كيفية تأمين الايرادات لتغطية التكلفة؟ عدد كبير من النواب «عضوا على الجرح» ولم يتجرأوا على عرقلة «السلسلة» على «ابواب» الانتخابات النيابية، رغم ادراكهم ان «درب جلجلة» تأمين الاموال قد بدأ للتو، في ظل مخاوف جدية من الغرق اكثر في «مستنقع» الاستدانة والعجز.
وعلى هامش الجلسة النيابية حضر ملف جرود عرسال، والنقاش حول دور الجيش ازاء التطورات العسكرية المرتقبة، وبعيدا عن «المناكفات» الاستعراضية من قبل بعض النواب، فان موقف رئيس الحكومة سعد الحريري كان لافتا لجهة الاعلان عن وجود تغطية حكومية لقيام المؤسسة العسكرية بعملية «محدودة» في عرسال... هذا الموقف استوقف اوساط وزارية بارزة كشفت عن خلفيات هذا التحول العلني والواضح في موقف رئيس تيار المستقبل من ملف على درجة كبيرة من الحساسية على الصعيد الداخلي والخارجي.
وتعتبر موافقة الحريري على تغطية العملية العسكرية «المدروسة» للجيش استلحاق سياسي وحجز مكان في عملية واقعة لا محالة، وبحسب تلك الاوساط، فان قيادة الجيش انجزت قبل مدة دراسة شاملة عن الاوضاع في عرسال وجرودها، وتداعيات ما يحكى عن عملية عسكرية قريبة سينفذها الجيش السوري وحزب الله في الجرود، تم وضع سيناريوهات افتراضية عن كيفية تحرك المسلحين في تلك المناطق، وتبين انه لا مفر من تدخل الجيش في لحظة معينة في القتال الدائر مع وجود معطيات جدية تفيد بمحاولة دخول المسلحين الى مخيمات عرسال وحتى الى البلدة، وهذا ما حتم وضع خطط عملانية للتحرك السريع على الارض لتفادي حصول اخطاء ميدانية حصلت في السابق نتيجة حسابات سياسية «اربكت» تحركات الجيش «وكبلت» حركته... وبقية القصة معروفة.
 

 

 الرئيس «غاضب»


وفي هذا الاطار لم يتردد رئيس الجمهورية ميشال عون، في تقديم الغطاء السياسي المطلوب لقائد الجيش العماد جوزيف عون، للمضي قدما مع القيادة العسكرية، للتحرك على الارض بما يحمي القرى اللبنانية ويؤمن «ظهر» الجيش ولا يجعله مكشوفا امام هجمات المسلحين المحتملة، الرئيس «استشاط» غضبا قبل ايام، بعد بلوغ الحملة ضد الجيش حدودا غير مقبولة، واعتبر ان ثمة من يريد اعادة «عقارب الساعة الى الوراء»، مؤكدا انه من غير المسموح ان «يغبر» اي احد على «رينجر» اي عسكري وضابط في الجيش.. وابلغ من يعنيهم الامر ان المؤسسة العسكرية لا تحتاج اي غطاء سياسي كي تتحرك، وهو بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة قد اعطى «الضوء الاخضر» المطلوب للقيام بما هو ضروري على الحدود الشرقية.
 

 الموقف السعودي


طبعا الرئيس الحريري كان في اجواء هذه التطورات، لكن  ثمة  اسباباً عديدة دفعته الى هذا الموقف، لكن السبب الاهم، برأي تلك الاوساط، يرتبط بالخلاف السعودي -القطري الذي كان له التأثير المباشر على قرار رئيس الحكومة، فالرياض ترغب بشدة في «تأديب» الدوحة وتعمل على محاصرتها على مختلف الاصعدة، وكما يحصل ميدانيا في الغوطة الشرقية عبر تكليف «جيش الاسلام» مهمة تصفية « فيلق الرحمن» وعناصر «جبهة النصرة» التابعين للاستخبارات القطرية، رفعت المملكة «الخطوط الحمراء» التي كانت مرسومة سابقا بحكم التحالف الوثيق مع قطر في سوريا، ولم تعد مجموعة ابو مالك التلي تحظى باي غطاء سياسي سعودي، بعد ان كانت توظف في وجه حزب الله، ومن هنا يمكن فهم  قرار رئيس الحكومة برفع «الفيتو» عن اي عملية تساهم في اجتثاث تلك المجموعات، لان الامر بات يتماشى مع المصالح العليا السعودية.
وفي هذا الاطار، «يبيع» الحريري رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «موقفا»، لكن من «كيس» السعودية، وهو بموقفه هذا يؤمن الغطاء السني للجيش للتحرك في بيئة محسوبة على تيار المستقبل، ويصيب اكثر من «عصفور» بحجر واحد، من جهة يرضي الرغبات السعودية، ومن جهة اخرى يسلف الرئيس موقفا يأمل في ان يقطف ثماره في الانتخابات النيابية، وحكومة العهد الاولى بعد الانتخابات.
وبحسب تلك الاوساط، لا تتوقف «المكاسب» عند هذا الحد، فرئيس الحكومة الذي يوضب حقائبه استعداداً لزيارة واشنطن، يعرف جيدا ان الادارة الاميركية «مهووسة» بملف مواجهة الارهاب، والمساعدات للجيش اللبناني تقدم على هذا الاساس وتحت هذا العنوان، وهو يعتقد ان واشنطن لم تعد تستثمر في ملف الحدود اللبنانية، وما يهمها حصرا في هذه المرحلة التقليل من وهج «انتصار» حزب الله في المواجهة المرتقبة، واشراك الجيش يخدم برأيهم هذه «النظرية»، ولذلك لا يرى الحريري ضيرا في الدخول شريكا «مضاربا» في تقاسم الارباح عندما تحصل جردة لاحقة في الاسباب التي ادت الى نجاح العمليات العسكرية، وعندها ستكون «الماكينة» الاعلامية جاهزة للحديث عن «الغطاء» من قبل رئيس الحكومة والذي كان حاسما في تغيير تفكيك «الالغام» من طريق الجيش.
 

 حزب الله


وفي هذا السياق تؤكد اوساط بارزة في 8 آذار، ان خلفيات موقف رئيس الحكومة المستجد لا تعني كثيرا المقاومة من حيث الشكل، وسيجري التعامل مع المضمون كامر واقع، ومن الجيد ان يكون الحريري قد انتظر سبع سنوات كي يتوصل الى قناعة بان من يتواجد في عرسال ومحيطها «ارهابيون» لا «ثوار»، وان «يأتي متأخرا خير من ان لا يأتي ابدا»، وكل ما «يريح» الجيش «يريح» المقاومة، وما سيجري في الميدان سيوظف في المعركة الاستراتيجية الكبرى في سوريا والمنطقة، وليس بالامكان تجييره الى مكان آخر.
في هذا الوقت بلغ التوتر حدوده القصوى في الجرود مع ارتفاع وتيرة الغارات السورية على مواقع «جبهة النصرة»، وسجل في هذا الاطار اعلان «امير» جبهة النصرة ابو مالك التلي «النفير العام» في صفوف مقاتليه، ولوحظ انتشار كثيف للمسلحين اتخذوا مواقع قتالية متقدمة على تخوم الجرود.
 

 «السلسلة»


في غضون ذلك يستكمل المجلس النيابي اليوم اقرار ما تبقى من بنود ضريبية في «سلسلة» الرتب والرواتب، التي اعلن وزير المالية علي حسن خليل انه اضيف الى المادة 20 نص يقول بان اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال اقرارها خلال شهر، واذا لم تقر الموازنة يصبح قانون السلسلة ناجزا من تاريخ نشر القانون حتى لو لم تقر الموازنة. وهذا يعني انها ستكون نافذة خلال شهر بغض النظر عن اقرار الموازنة من عدمه، ومن ابرز ما اقر بالامس اعطاء الاساتذة ست درجات، وانصاف المتقاعدين مع تقسيط حقوقهم على ثلاث سنوات، وبعد نقاش ساخن حول وقف التوظيف لمدة سنتين وضعت المادتين المتعلقتين بهذا الشان جانبا، وكلف وزير المال صياغتهما، وقد اخذ المجلس النيابي باقتراح الرئيس بري الحفاظ على دوام العمل 35 ساعة على ان يستمر حتى 3.30بدلا من الساعة الثانية، ويصبح السبت والاحد يومي عطلة. في هذا الوقت تم توزيع جدول اعمال  جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد الخميس في القصر الجمهوري، ويتضمن 36 بندا من بينها التعيينات الدبلوماسية.

 

 

الجمهورية :

مرَّ قطوع سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب بإقرار هذا المشروع البالغ الأهمّية وظيفياً وإدارياً، والشديد الحساسية على صعيد المالية العامة ووضعِ خزينة الدولة. من الناحية العملية صارَت السلسلة قانوناً، ووجهُ الشبه كبير بينه وبين القانون الانتخابي الجديد الذي أقِرّ ولم تُفهَم تفاصيله حتى الآن حتى مِن قبَل النواب الذين أقرّوه، إذ إنّ السلسلة أُقِرّت، لكنّ الصيغة النهائية التي خرَجت فيها ما زالت مبهَمة وتتطلب الشرح والتوضيح الفوري، بعدما ضاعت الصورة الحقيقية في النقاشات المستفيضة والتجاذبات والكيدية والصراخ الذي حَكم النقاش النيابي والوزاري في الهيئة العامة للمجلس.

إذاً، أقِرّت السلسلة وستُصبح قانوناً نافذاً ومعمولاً به بعد نشرِه في الجريدة الرسمية، لكنّ السؤال؛ هل حقّقَ إقرار السلسلة المُراد منها، وأعطى الحقّ لمن يَعتبر نفسَه مستفيدا منها؟ حتى النوّاب المشاركون في جلسة الأمس، خرجوا من الجلسة «مِثل الأطرش بالزفّة» ويقِرّ بعضُهم بعدم استيعاب ما جرى، وبالتالي لا يستطيعون شرح ماذا فعلوا، وماذا حصل؟ وماذا أقرّوا؟

وعلامَ وافقوا في جلسة تحوَّلت في بعض مفاصلها بازاراً سياسياً - انتخابياً وسجالاتٍ على البديهيات وتشاتماً كيدياً من قلوب سياسية مليانة، وأخطرُ ما فيها استحضار الجيش مجدّداً وتصويب السهامِ عليه لغايات عليها ألفُ علامة استفهام، وأقلُّ ما يُقال فيها أنّها مشبوهة؟!

في المبدأ الموظّف يريد سلسلة تنصِفه وتعطيه حقَّه الطبيعي، ولا يريد سلسلةً تلتفّ على رقبته وتَخنقه في حياته ولقمةِ عيشه. في الشكل تبدو الصورة ورديةً بأنّ مجلس النواب أقرّ حقّاً مزمناً ومستحقاً للموظفين في الإدارة العامة، ولكن ماذا عن الجوهر؟ وكيف تأمَّنت ملياراتها؟ ومن أين؟ هل من «خزينة سحرية» أم من مغارة «علي بابا» وما فيها من غالٍ ونفيس وجواهر وياقوت وغير ذلك من أحجار كريمة؟

أم مِن ضرائب ورسوم جديدة كيفما جرى اللفّ والدوران حولها أو تجميلُ صورتها والتخفيف من وطأتها وعبئها، لا تصيب في النهاية سوى الضحية الدائمة لها وهي جيوب الناس.

ومع ذلك يأتي مِن أهل السلطة مَن يقول أنْ لا ضرائب على الناس، فيما هذا الكلام أقربُ إلى مزحة ثقيلة وسمجة، تعكس حقيقةً مرّة بأنّ الكلّ يضحك على الناس بشعارات الحِرص والعناوين الأكبر من إصلاحية!

عندما طرِحت السلسلة قبل أشهر وأحيلَت إلى اللجان المشتركة، وسعِد بها من يعتبرون أنفسَهم مستفيدين منها، على رغم اقترانها بجدول ضريبي جديد على الناس في شتّى المجالات، وعلى رغم تلقّفِها السريع من الحيتان والغيلان، الذين تحرّكوا بلا حسيب أو رقيب إلى احتواء أرقامها بتقديم نموذج سلبي مسبَق عمّا قد يكون، برفع أسعار السِلع، والمواد الغذائية والتموينية على اختلافها - والتسعيرة الجديدة التي وضعوها ما زالت سارية حتى الآن- وبالتالي ضاعت إيجابيات السلسلة قبل إقرارها، فكيف هو الحال مع إقرارها ونفاذها الآن؟

هذا هو السؤال الطبيعي بعد إقرار السلسلة، وكذلك عن آثارها الإيجابية والسلبية ومن يستفيد من عطاءاتها ومَن لا يستفيد، وما الثمن الذي سيَدفعه المواطن بعد هذه الخطوة؟

والسؤال الأكثر من ملِحّ هو ما هي آثارها على خزينة الدولة وما مدى ملاءمتِها وانسجامها مع شعار «السلامة المالية» الذي يجري التباري على رفعِه منذ أيام؟ وأيّ جدوى من سلسلة إنْ لم تكن صلبة ومحصّنة، ولا تترتّب عنها أيّ أعباء على مالية عامة مرهَقة أصلاً؟

مِن خلال مواقف وآراء خبراء الاقتصاد، من الواضح أنّ المخاطر الاقتصادية سترتفع، وسيكون مصير المالية العامة للدولة على المحكّ.

والخشية الكبرى هي مِن أنّ القدرة الشرائية للمواطن ستتراجع الى مستويات مُقلِقة، بحيث ما «أعطته الدولة» بيدٍ ستأخذ أضعافَه باليد الأخرى.

والأدهى من كلّ ذلك ذلك، أنّ قسماً كبيراً من المواطنين سيؤخَذ منه دون أن يُعطى. وقد يكون التوصيف الذي أعطاه الخبير الاقتصادي لويس حبيقة هو الأدقّ، إذ قال لـ«الجمهورية»: «إنّ الدولة تُعاقب جميعَ المواطنين، ومِنهم مَن لن تَطاله السلسلة والذي سيتحمّل ضرائبَ إضافية على رغم أنّه لم يحصل على أيّ زيادة في الأجور».

واعتبَر أنّ المقاربة التي تعتمدها الدولة في ملفّ السلسلة خاطئة، «فإعطاء المواطنين السلسلة من ناحية وفرضُ الضرائب عليهم من ناحية أخرى، هو عملية استخفافٍ بعقول المواطنين، الأجدى عدم إقرار السلسلة».

وأوضَح أنه يمكن تمويل السلسلة من دون فرضِ ضرائب إضافية عبر تخفيض الإنفاق العام، «إلّا أنّ هذا الأمر يرفضه السياسيون لأنّه يَمسّ بمنافعهم الشخصية».

وفي تحذير من المخاطر على الاقتصاد والمالية العامة قال الخبير الاقتصادي مروان اسكندر لـ«الجمهورية» إنّ الدولة لا تبحث في معالجة الأمور الجوهرية التي تساهم في رفعِ القدرة الشرائية للمواطنين، ولا تُمعِن التفكيرَ في أسباب تدهورِ الوضع الاقتصادي، «بل إنّ الطبقة الحاكمة تَعتبر أنّ باستطاعتها الاستدانة بقدر ما تشاء».

ولفتَ إلى أنّ القدرة الشرائية للمواطنين لن ترتفع طالما إنّ المواطن يدفع كلفةً مضاعفة للكهرباء، والمياه، والطبابة، والتعليم... (تفاصيل ص13)

أسعار السلع ترتفع

وعلى جاري العادة في لبنان في حالات كهذه، فإنّ المرجّح، لا بل الأكيد، أن يؤدّي إقرار السلسلة والضرائب المتّصلة بها إلى تراجعِ مؤشّر الثقة في لبنان، حيث كِلفة السلسلة التي قد تزيد على المليار دولار سنوياً، قد تؤدّي إلى ارتفاع نسبة التضخّم في الأشهر المقبلة، خصوصاً أنّ مخاطر التضخّم المستورَد قد زادت في الأسابيع الأخيرة في ظلّ ارتفاع اليورو الذي سيَظهر جليّاً على أسعار الاستهلاك محلّياً.

ومع ارتفاع اليورو بنسبة 10٪ في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي مقابل الدولار الاميركي الذي ترتبط به الليرة اللبنانية، تَجدر الإشارة إلى أنّ 33.2٪ من واردات لبنان، أي ما يعادل 2.1 مليار دولار، كان مصدرها منطقة اليورو في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2017. ممّا يعني أنّ أسعار السِلع ستبدأ بالارتفاع وستنحدر القدرة الشرائية للمواطن.

وكان المجلس النيابي قد عَقد جلسةً أمس على جولتين نهارية ومسائية، أقرَّ فيها مشروع السلسلة مع إدخال بعض التعديلات عليها، على أن تُستكمل الجلسة اليوم لدرس البند الثاني المتعلق بتمويلها.

تشكيلات ديبلوماسية

من جهة ثانية، وُجّهت الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء قبل ظهر الخميس في قصر بعبدا وعلى جدول الأعمال 36 بنداً.

وفي الوقت الذي غابت التعيينات التلفـزيـونيـة حـضَـرت التعييـنات الديبلوماسية في البند الأخير كما أعدّتها وزارة الخارجية، وكذلك اقتراح لوزير الزراعة بتعيين البديل من مدير عام التعاونيات كلوديا أبي زيد ورئيس اللجنة الإدارية لمكتب تنفيذ المشروع الأخضر وعضو فيه.

 

 

اللواء :

بعد 19 عاماً على إقرار سلسلة الرتب والرواتب في عهد حكومة الرئيس رفيق الحريري بموجب القانون 707، أقر مجلس النواب سلسلة جديدة للرتب والرواتب في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري مع إدخال تعديلات على دوام الموظفين وبنود إصلاحية أخرى، على ان تستأنف الجلسات التشريعية عند العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم بحثاً عن الموارد المالية لتغطية النفقات الإضافية، نظراً إلى ان نفقات من دون تحصيل أموال عبر الضرائب، وفي مقدمها الضرائب على المصارف والشركات المالية والعقارية، والاملاك البحرية، على ان لا تمول السلسلة من «جيوب الطبقات الفقيرة» وفقاً لما كشفه وزير المال علي حسن خليل بعد إقرار السلسلة.
وبحسب مصادر في حزب الله انه لن يقبل بإقرار ضرائب تطال الطبقات ذات الدخل الحدود.
وبقدر ما فتح إقرار السلسلة الباب على تسريع إقرار الموازنة العامة، نظراً للتلازم بين الموازنة والسلسلة لا سيما وأن جزءاً من التمويل يدفع من المادة 20 من الموازنة. بدأت الحسابات المالية انطلاقاً من المبالغ التي ستتراكم في السنوات المقبلة، في ضوء تزايد اعداد المتقاعدين، حيث سيبلغ في السنوات الخمس المقبلة عدد المتقاعدين المستفيدين الـ100 ألف موظف مدني وعسكري، بحيث تشكّل الرواتب للموظفين والمتقاعدين ثلثي الموازنة العامة، يتوزع الباقي بين تغطية عجز الكهرباء وخدمة الدين العام، مما جعل وزير المال يعلن صراحة الاتجاه إلى وضع نظام جديد للتقاعد.
ومهما يكن من أمر التقديرات للاجراءات الضريبية بدءاً من رفع 1٪ على القيمة المضافة إلى رفع الضرائب على فوائد وعائدات الحسابات المصرفية لغاية 7٪ وتحديد رسم على عقود البيع العقارية الممسوحة بنسبة 2٪ يحتسب على أساس ثمن البيع، إضافة إلى رسوم ضريبة أخرى واردة في مشروع تمويل سلسلة الرتب والرواتب، فإن صدمة إقرار السلسلة ستخيّم على جلسة التمويل اليوم في ظل امتعاض الهيئات الاقتصادية ومخاوف الحركات النقابية من رسوم تكون بأخذ باليد اليمنى من اعطي من زيادات باليد اليسرى.
السلسلة
وهكذا راحت «سكرة» إقرار السلسلة مثلما كان مرسوماً لها، عبر التفاهم السياسي الذي عمل على اخراجها بسقف لم يتجاوز الـ1336 مليار ليرة، أي بزيادة 100 مليار فقط، بما فيها الزيادات التي ستعطى للمتقاعدين بعد تجزئتها على ثلاث سنوات، ويفترض ان تجيء اليوم فكرة البحث في الإيرادات، أي البحث في مصادر التمويل، وهي النقطة الأكثر إثارة للتوتر في الشارع، الذي شهد مساء مجموعة تحركات احتجاجية للمنظمات الشبابية والطلابية ومجموعات الحراك المدني رفضاً للضرائب التي يشملها مشروع السلسلة، وتقع في 19 بنداً وابرزها: رفع الضريبة على القيمة المضافة بمعدل 1 في المائة لتصبح 11 في المائة. وفرض رسوم على المغادرين براً وجواً، ومعالجة الاشغال غير القانوني للاملاك العامة البحرية (البند 13)، بالإضافة إلى تعديلات على قانون ضريبة الدخل لاخضاع أرباح شركات الأموال لضريبة نسبية قدرها 17 في المائة، و7 في المائة على فوائد وعائدات وايرادات الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف وفوائد وعائدات الودائع وسائر إلتزامات المصارف بأي عملة كانت، وحسابات الائتمان وإدارة الأموال وشهادات الايداع وسندات الخزينة.
ويفترض ان يناقش هذا الجزء من مشروع السلسلة بعد حزف البنود التي كانت أقرّت في جلسة 16 آذار من العام الماضي، والتي رفعت قبل إقرار المشروع كاملاً، بفعل تسريب بيان عن ضرائب ورسوم تبين انها لم تكن موجودة في حينه.
وهكذا تكون الحكومة، ومعها قطاعات واسعة من الموظفين والاساتذة والمتقاعدين قد ارتاحت من ضغوط المطالب الشعبية، بعد خمس سنوات من الأخذ والرد والتجاذبات والتحركات في الشارع، الا ان الوضع المالي سيبقى تحت دائرة الرصد قبل معرفة تداعيات السلسلة على الوضع المعيشي، وما إذا كان سيحدث غلاء في الأسعار ونمط العيش، ولا سيما على صعيد أقساط المدارس الخاصة، وأسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية.
وإذا جاء إقرار السلسلة تكريساً لاتفاق الكتل الكبرى على الصيغة النهائية، ولا سيما في ما يتعلق بقضيتي المتقاعدين ودرجات التعليم الثانوي، فإن إدارة الرئيس نبيه برّي للجلسة، ساهمت في دفع النقاش في اتجاه إقرار السلسلة رغم التجاذبات التي ظهرت، والممانعة التي ابداها الرئيس الحريري لضرورة ربطها بالاصلاحات، وتأمين الموارد المالية لها، بالإضافة إلى المحاولات التي جرت لربط السلسلة بالموازنة، وهي المحاولة التي اقفل عليها الباب وزير المال علي حسن خليل باضافة نص إلى المادة 20 تقول «بأن اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال اقرارها خلال شهر، وإذا لم تقر الموازنة قانون السلسلة ناجزاً من تاريخ نشر القانون حتى لو لم تقر الموازنة».
ووسط نقاش مستفيض لم يخل من الحدية في بعض جوانبه، تمّ إقرار مواد السلسلة الـ38 مادة مادة، بما في ذلك إعطاء المتقاعدين حقوقهم بعد تجزئتها على ثلاث سنوات، بمعدل 25 في المائة فوراً، ونفس المعدل في العام المقبل، والباقي من نسبة 85 في المائة في العام 2019، وكذلك إعطاء الأساتذة الثانويين ثلاث درجات إضافية لتصبح ست درجات (بحسب وعد الرئيس برّي لهم)، وبعد ان تمت مساواتهم بمعلمي القطاع الخاص بعد نقاش مستفيض.
وبلغت قيمة السلسلة الاجمالية 1300 مليار ليرة أي بزيادة عن السقف الموضوع في الموازنة مائة مليار للسنتين القادمتين، على ان تصبح في العام 2019 مع احتساب الزيادة للمتقاعدين ما يزيد عن الـ1700 مليار.
ولم تخل المناقشات من السجالات التي كان اعنفها ما حصل بين الوزير خليل والنائب إبراهيم كنعان حيث استخدمت بعض العبارات النابية التي طلب الرئيس برّي شطبها من المحضر بعد ان تدخل بشكل قوي على خط فض هذا الاشتباك على خلفية كلام نسبه الوزير خليل للنائب كنعان يتعلق بالوفر في الموازنة فاق المئة مليار ليرة، وهو ما وصفه وزير المال «بالمزحة» والذي لم يرق لكنعان، وقد دخل على خط التوفيق بين الجانبين نواب في «حزب الله» والنائب جورج عدوان الذين نجحوا باتمام المصالحة قبل الجلسة المسائية بمباركة من رئيس المجلس.
وكان للرئيس فؤاد السنيورة مداخلات في كل شاردة وواردة وفي كل تفصيل وهو أكّد ان جوهر الاستقرار النقدي يكون في تأمين التوازن بين المصاريف والايرادات، مشدداً على انه ليس في الابتسامات تحل المشكلات.
ونفى الرئيس برّي صفة الشعبوية على إصرار البعض على إقرار السلسلة «الموجودة منذ خمس سنوات ولم يكن آنذاك يوجد انتخابات».
وإذا كان الشق المتعلق بتجزئة الزيادة للمتقاعدين قد أخذ الحيز الأكبر من النقاش والانشطار في المواقف النيابية حيال هذا الموضوع، فإن الشق المتعلق بالاصلاحات نال حيزاً من النقاش أيضاً لا سيما ما يتعلق منه بوقف التوظيف ودوام العمل الرسمي الذي انتهى النقاش فيه باقتراح من الرئيس برّي إلى تحديد دوام العمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف بعد الظهر يتخلله ساعة غداء من الاثنين حتى الخميس، وكذلك يوم الجمعة أيضاً على ان يتخلله ساعتان تعطى للمسلمين ويكون يومي السبت والاحد عطلة رسمية، كما أخذ البند المتعلق بتقييم أداء الموظفين نقاشاً واسعاً انتهى إلى إسقاط بعض التعديلات عليه، وبذلك يكون قد بقي موضوع الإيرادات التي ستبحث اليوم لكي يعلن عن إقرار السلسلة بصورة رسمية ومتكاملة، وقد أكدت مصادر وزارية ان هذا الشق ربما لا يأخذ وقتاً في النقاش حيث ان هناك تفاهماً بأن لا يطال ذوي الدخل المحدود من الضرائب والرسوم التي ستحصل لتأمين هذه الواردات.
ومن المقرّر ان تدرس الهيئة العامة للمجلس اليوم بالإضافة إلى الشق المتعلق بايرادات السلسلة 29 مشروع واقتراح قانون بقيت على جدول الأعمال من بينها اقتراح القانون الرامي إلى افادة المتعاقدين في الإدارات العامة من نظام التقاعد وتقديمات تعاونية موظفي الدولة، حيث ينتظر ان يأخذ هذا الاقتراح نقاشاً واسعاً من غير المعروف ما إذا كان سينتهي إلى اقراره، في إطار توظيف ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة.
مجلس الوزراء
الى ذلك، وزع أمس جدول أعمال مجلس الوزراء الذي يعقد جلسة له غدا الخميس في قصر بعبدا. ويضم الجدول 36 بندا أبرزها البند الرقم 36 وهو التعيينات الديبلوماسية. ولوحظ أن الجدول خال من بند التعيينات المتعلقة بتلفزيون لبنان وآلية التعيينات من دون معرفة ما إذا كان هناك من ملحق سيوزع لاحقا عن الموضوع.
أما أبرز البنود فهي طلب وزارة الأشغال العامة والنقل تلزيم أشغال تأهيل طريق الطفيل عن طريق استدراج عروض في إدارة المناقصات وطلب تأمين اعتمادات بقيمة 26 مليار و500 مليون لمعالجة الأضرار الحاصلة في كاسر الموج في المدرج الغربي البحري لمطار رفيق الحريري الدولي بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وتعويض الاستشاري، فضلا عن بند باعتماد بقيمة 7 مليارات 250 مليون لتلزيم أشغال تأهيل طريق قب الياس كفريا بواسطة استدراج عروض.
ويتضمن الجدول بندا عن نقل اعتماد للصندوق المركزي للمهجرين لتغطية نفقات مستحقة لمتعهدين واستشاريين قاموا بتنفيذ مشاريع بنى تحتية لصالح الصندوق من 13/6/2011 لغاية 10/12/2013 وعرض وزارة الزراعة الوضع الوظيفي للمدير العام للتعاونيات غلوريا أبو زيد وتعيين مدير عام التعاونيات ومرسوم يرمي إلى تعيين رئيس اللجنة الإدارية لمكتب تنفيذ المشروع الأخضر والعضو فيها وطلب وزارة الخارجية تمديد ولاية «اليونيفيل» في الجنوب لمدة سنة تنتهي في 31/8/2018.
معركة الجرود
وخارج موضوع السلسلة وما انتهت إليه الجلسة النيابية، وما دار فيها صباحاً ضمن فقرة الأوراق الواردة، كان أبرز ما لفت انتباه المراقبين، الضوء الأخضر الذي كشف عنه الرئيس الحريري بالنسبة لمعركة جرود عرسال، والتي يتوقع أن تبدأ قبل نهاية الأسبوع، اذ أكّد ان «الجيش اللبناني يقوم بكل ما يلزم لحماية اللبنانيين والنازحين، كما ان الحكومة مسؤولة عن سيادة اراضيها».
وأعلن الرئيس الحريري أن الجيش سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال والحكومة تعطيه الحرية لمعالجة هذا الأمر، لافتاً إلى أن الجيش يقوم بتحقيق حول وفاة السوريين في عرسال من خلال 3 أطباء شرعيين مدنيين وسنطلع الرأي العام على التقرير فور صدوره.
وشدّد الرئيس الحريري في رده على مداخلات النواب خلال انعقاد الجلسة التشريعية على أن الجيش هو المسؤول عن كل الحدود ولا وجود لأي غرفة مشتركة بين الجيشين اللبناني والسوري ومجموعات أخرى.
.. وأزمة النازحين
في هذا الوقت، دخل الرئيس ميشال عون على خط أزمة النازحين السوريين، محاولاً امتصاص الاحتقان الذي انفجرت وقائعه، بين بعض اللبنانيين وبعض السوريين، بعد عملية «قض المضاجع» التي قام بها الجيش في مخيمات عرسال، وما رافقها من سجال حاد على مواقع التواصل الاجتماعي اتخذ طابع التحدي والنزول إلى الشارع، مع تصرفات وممارسات في بعض المناطق ضد السوريين، ما دفع الرئيس عون إلى توجيه مجموعة نصائح وتنبيهات من «الانجرار إلى لعبة بث الحقد، لأن نتيجتها لن تكون ايجابية على لبنان ولا على السوريين»، معتبراً ان حل أزمة النازحين والحد من اعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين.
وأشار إلى أن ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام من تحريض متبادل أخذ طابعاً غير مقبول، لا سيما وأن ما ينشر ويتم تداوله لا يعكس حقيقة لبنان كبلد للتعايش والتسامح، ولا طباع اللبنانيين واخلاقهم، فاذا كان هناك من بين النازحين السوريين من اساء، فهذا لا يعني أن جميع النازحين السوريين مسيئون، وبالتالي يفترض التمييز بين هذين الأمرين.
وقال: لبنان نجح في ضبط الوضع في الداخل على رغم الأحداث الخطيرة التي حصلت في المنطقة، فهل المطلوب اليوم ادخاله في أتون الحرب والمشاكل الداخلية في وقت تكاد الحروب من حولنا تنتهي؟
وتأتي تطورات الوضع في جرود عرسال عشية التقرير الذي سترفعه المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ إلى مجلس الأمن الدولي حول القرار 1701 غداً الخميس، وهي غادرت بيروت لهذا الغرض، وسيكون الوضع في جرود عرسال بكل تفاصيله امام مجلس الأمن.

 

الاخبار :

سجّل المجلس النيابي أمس إنجازاً كبيراً بإقراره سلسلة الرتب والرواتب، بعد نقاش دام سنوات طويلة، حُرم فيها جزءٌ كبير من اللبنانيين حقوقاً بديهية، مع أن الكباش لم ينتهِ بعد، ومن المتوقّع أن يستعر اليوم خلال نقاش الضرائب التي تستهدف المصارف والشركات المالية والعقارية، في ظل وجود فريق سياسي يرتبط بها ارتباطاً مباشراً ويخضع لضغوطها وابتزازها أحياناً ويعمل لمصالحها المتعارضة مع مصالح ناخبيه وجمهوره.

ما أقرّ أمس إنجاز يُسجّل لفريق حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، في مقابل الرئيس سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. ويمكن تشبيه ما حصل أمس، بما حصل أيام النّقاش حول قانون الانتخاب من انصياع لمبدأ النسبية، مع ضيق الهامش أمام الفريق المعارض وخشيته من الظهور بمظهر من يحرم الناس حقّهم الطبيعي بالسلسلة. كذلك يمكن القول إن الإنجاز الأساسي تحقق بعد محاولات ربط مصير السلسلة بمصير الموازنة، قبل أن تستقر التسوية على ما أعلنه الوزير علي حسن خليل عن إضافة نص إلى المادة العشرين من قانون السلسلة، يقول إن «اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال إقرارها خلال شهر، وإلا تصبح ناجزة حكماً حتى لو لم تقرّ الموازنة». وبدا لافتاً أيضاً، أن هذا المخرج لم يغب عنه النائب القواتي جورج عدوان، تماماً كما كان حاضراً في مخرج الاتفاق على قانون الانتخاب.


 

 

 

أهمية ما جرى أنه يتخطى كونه إنصاف موظفين وعسكريين من جهة الراتب. فتطبيق السلسلة سيعني ضخ مئات ملايين الدولارات في السوق سنوياً، بدل تحويلها إلى الادخار (راجع صفحة 7). كذلك فإنه تضمّن إصدار مادة قانونية تمنح الموظفين يومي إجازة أسبوعياً (السبت والأحد)، في مقابل إضافة ساعة ونصف ساعة إلى دوام باقي أيام العمل، باستثناء يوم الجمعة الذي مُنح فيه الموظفون ساعتين للصلاة (الدوام من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة والنصف بعد الظهر). القرار الأخير صدر بصورة عشوائية، ولم يستند إلى دراسات جدية، فضلاً عن عدم أخذه في الاعتبار أن عدداً لا بأس به من موظفي القطاع العام كان مضطراً إلى الارتباط بأعمال أخرى بعد الظهر لتأمين معيشته. كذلك فإنه يحرم موظفين كثراً بدل ساعات العمل الإضافي (عدا عن تأثيره بحركة النقل في بيروت الكبرى والطرق الدولية بين العاصمة والأطراف). كذلك فإن هذه المادة رفعت عدد ساعات العمل الفعلية من 32 ساعة أسبوعياً إلى 35 ساعة ونصف الساعة.
الاختبار التالي تظهر نتيجته اليوم. فإما أن يتمكّن مجلس النواب من إقرار الضرائب على المصارف والشركات ذات الأرباح الهائلة، وإما أن يكتفي بتمويل السلسلة من الضرائب التي تؤثر في ذوي الدخل المحدود أكثر من غيرهم، ومن الاستدانة (وتالياً من الضرائب التي تصيب ذوي الدخل المحدود).
جلسة مجلس النواب أمس كانت تنذر بصدام كبير حول السلسلة، بسبب وجود أكثر من رأي بشأن كيفية بتّ الملف. لكن عدم تحمّل أي طرف وزر تطييرها، أدى في نهاية المطاف إلى إقرارها في الجلسة الصباحية. تيار المستقبل، رغم تأكيد رئيسه أن السلسلة حق للمطالبين بها، خرج على لسان النائب غازي يوسف ليعتبرها أشد خطراً على لبنان من نتائج عدوان تموز 2006، مغلّفاً موقفه بالكلام على ضرورة تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات. وكذلك فعل الرئيس فؤاد السنيورة الذي تحدّث عن حقوق «فئات أخرى»، أي الهيئات الاقتصادية. بدوره، أكّد الحزب التقدمي الاشتراكي «التزام سقف الـ1200 مليار»، معلناً على لسان الوزير أكرم شهيب أن أي زيادة ستُقابل «بتحفظ». وفيما شددت مداخلات نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير» على ضرورة إقرار السلسلة، عكست مداخلات التيار الوطني الحر أهمية إنجاز الموازنة بموازاة إقرار السلسلة. إذ أكد النائب إبراهيم كنعان «أننا بتنا على أيام من إقرار موازنة ستؤمن وفراً بقيمة 1000 مليار يعوضنا عن إجراءات ضريبية مرصودة سابقاً للتمويل». وبعدما استفاض النواب في نقاشاتهم على مدى نحو خمس ساعات، أقرت الهيئة العامة في الجلسة الصباحية عشرين مادة.


 

أخذت المادة الثامنة عشرة المتعلقة بالمتقاعدين قبل التصديق عليها وقتاً استغرق قرابة ساعة ونصف ساعة، بعدما خلقت سجالاً حاداً بين خليل وكنعان، بسبب وصف الأول الوفر الذي خلصت إليه لجنة المال بموضوع الموازنة والذي بلغ 1000 مليار، بـ«المزحة». وقال: «نحن لدينا في حدود المئة ألف متقاعد تطورت رتبهم، فإذا أقرت الزيادة وفق قانون 98، يصبح دفع رواتب المتقاعدين 2500 مليار ليرة. أي بزيادة 770 مليار ليرة». ورأى أن الحديث عن الوفر «مزحة، وما جرى من مساهمات قد تم صرفه». ورفض كنعان التقليل من شأن ما أُنجز، واحتدم النقاش بينهما إلى حدّ دفع الرئيس بري إلى طلب شطب كل السجال بين وزير المال وكنعان. ومن باب السخرية، تدخل النائب أحمد فتفت، وقال: «معليش هيدا الإبراء المستحيل». فغضب كنعان وردّ بالقول: «بعدو مستحيل»! ثم تابع خليل حديثه شارحاً الصيغة التي يمكن أن توصل إلى حلّ للمتقاعدين وحتى النظر بنظام التقاعد، فأشار إلى أنه كان «هناك إجماع على أن النظام التقاعدي غير سليم». وأوضح الصيغة التي اتفق عليها، وخلاصتها أن تُقسَّط السلسلة للمتقاعدين على ثلاث دفعات. ووفقاً لهذا النص، الذي حاز موافقة الحريري وباقي الأطراف، تصبح تكلفة المتقاعدين للعام الأول 336 ملياراً، وبزيادة 136 ملياراً على السلسلة يصبح مجموعها 1300 مليار. أما في عام 2019، فتصبح 1768 ملياراً، أي بزيادة 436 مليار ليرة. فيما عاد كنعان وأكد أن كلامه على وفر الألف مليار في الموازنة «كان من باب الدعوة وليس من باب الاستنتاج الحاسم».
أما مساءً، فناقش مجلس النواب الإصلاحات في الإدارة العامة، تحديداً «وقف التوظيف في الدولة لمدة سنتين إلى حين إجراء مسح شامل للحاجات الإدارية». وقد وافق النواب على اقتراح رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل تكليف شركة استشارية دراسة الحاجات في كل وزارة وإدارة قبل التوظيف. كذلك أقرّ بند وقف التوظيف لسنتين (عارضه نواب حزب الله) شرط إجراء دراسة لواقع الإدارة العامة والموظفين والمعلّمين. وقد طالب وزير العدل سليم جريصاتي بعدم السير بالعطلة القضائية كما هي مقترحة (خفضها إلى شهر واحد سنوياً)، وقدم اقتراحاً بديلاً يقضي بالمناوبة بين القضاة لتجنب الفراغ القضائي. كذلك أقرّ مجلس النواب حق الموظفة المتزوجة بالعمل نصف دوام، بنصف راتب، لسنتين متتاليتين، لأسباب خاصة، يعود للوزير المختص الموافقة عليها بعد استشارة مجلس الخدمة المدنية.