معركة وزير الخارجية لاسترداد حقوق المسيحيين أهدافها وغاياتها
 

أولاً: القوى الفاعلة والقوى الارتكاسية...
ينطلق وزير الخارجية جبران باسيل في معركته لاسترداد حقوق المسيحيين، والتي تتمحور هذه الأيام حول صياغة قانون انتخابي جديد من مقولة للفيلسوف "نيتشه"، وذلك دون علمٍ أو اطلاع على تراث هذا الفيلسوف الألماني، ويُشخّص نيتشه طبيعة الصراع داخل أي مجتمع بين القوى الفاعلة من جهة والقوى الارتكاسية من جهة أخرى، القوى الفاعلة تقوم بالفعل، والقوى الارتكاسية تقوم بردّ الفعل، أبرز مثال عن طبيعة هذا الصراع في عهود العبودية والقنانة، السيد كفاعل والعبد كارتكاسي، في عهد الاقطاع ،النبلاء والفلاحون. الفعل وردّ الفعل ليس علاقة تعاقب، بل في علاقة تعايش وصراع في الأصل بالذات، القوى الفاعلة تحاول دائما إثبات نفسها مع إثبات اختلافها، وتجعل من موضوع اختلافها عن القوى الارتكاسية موضوع استمتاع وإثبات ذات، أمّا القوى الارتكاسية فتقاوم، ولا تُذعن بالهيّن، وتجاهد لقلب العنصر التفاضلي (أي أنّ القوى الفاعلة ليست الأفضل)، ذلك أنّ الاختلاف بحسب نيتشه "يُولّد الكراهية"، لهذا تُفضّل أن تنقلب ضد الذات (اي القوى الفاعلة).

إقرأ أيضًا: الشيخ ياسر عودة على درب السيد محسن الأمين... سُباب وشتائم
ثانياً: انقلاب الموقف...
بدايةً، يعتبر باسيل (مع غيره طبعاً دون تصريح أو إعلان) أنّ المسيحيين في الأصل هم القوى الفاعلة في لبنان، هم الذين أنشأوا دولة لبنان الكبير، وصاغوا الميثاق الوطني الذي أمّن لهم الغلبة باعتبارهم القوى الفاعلة، أمّا المسلمين، فهم القوى الارتكاسية، وهذه ربما من نعم الله تعالى عليهم، بحسب جهابذة المارونية السياسية، والتي يُمثّلها اليوم باسيل أسوأ تمثيل.
لكن، ماذا حصل خلال الحرب الأهلية وعهود الوصاية السورية والخُمينية؟ تمكّنت القوى الارتكاسية من التّغلُب على القوى الفاعلة بعون ظروف ملائمة خارجية وداخلية، وشلّت قدرات القوى الفاعلة، وانقلب الأصل، أصبح المسلمون القوى الفاعلة والمسيحيون قوي ارتكاسية، هذا لا يعني في نظر المتضررين أنّّ القوى الفاعلة الجديدة، قد تحولت "فاعلة" بين ليلةٍ وضحاها، فلولا انتزاعها من القوى الأصلية (أي المسيحية) قسماً من مقدرتها، أو كل مقدرتها، لما تمكّنت من الحياة والبقاء.
يخال من يتابع تحليل نيتشه لطبيعة صراع القوى أنّ اللعنة تبقى ملازمة للقوى الارتكاسية الأصلية، فالعبد لن يصبح سيّداً، يحاول أن يتشبّه بسيده، في تاريخ الثورات والانتفاضات على الخلافة العباسية، كانت ثورة الزُّنج لتحرير العبيد، وعندما أقام قادةُ الزنج سلطاناً لهم لم يُحرّروا العبيد، لا بل اتّخذوا لهم عبيداً، كما أنّ السيد لا يتخلّى بسهولة عن امتيازاته السابقة، يُروى أن أمراء آل حرفوش البقاعيّين بعد أن فقدوا الإمارة والأرض والثروة، وضربهم الفقر والعوز، كان واحدهم يقول للفلاح: اذهب وائتني برغيفين من عند أمّك وتعال لتُقبّل يدي.

إقرأ أيضًا: الاجتياح الإسرائيلي في حزيران ١٩٨٢ ...وملوك الطوائف.
باسيل.. نيتشوي مُزيّف...
لم يكن نيتشه ليُؤمن بحتمية هذا الصراع وقدريته، كان يعتقد بضرورة قيام العقل الحر بنقض هذا الصراع بين هذه القوى التي تُبدّد قدراتها في هذا الصراع "الجهنّمي، ووقف دورة العنف المتبادلة بين القوى الفاعلة والارتكاسية، يهاجم نيتشه جميع الايديولوجيات المختلفة، الوضعية، والإنسية، والديالكتيك، (صراع القوى الفاعلة والارتكاسية يرتكز على الديالكتيك)، كما يهاجم هوس استرجاع المضامين البشرية في الديالكتيك. وباسيل إذ يحاول أن يقلب الأدوار، تارةً باسم حقوق المسيحيين، أو تصحيح التمثيل النيابي (كما فعلت الوصاية) إنّما يكشف عن نيتشوي مُزيّف، يرى أنّ احتدام الصراع يخدم المسيحيين، في حين هو لا يزيد الطين إلاّ بلّة، وأنّ الحيلة والحذق وبثّ السموم والتفرقة، وصولاً للفتنة، قد تؤدي إلى فناء القوى الفاعلة، ومعها القوى الارتكاسية،بل ربما لا يبقى سوى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.