هل كانت زيارة الرئيس دونالد ترامب الى السعودية والزخم الذي أعطته للمملكة الدافعَ وراء قرار مقاطعة قطر بهذا الشكل؟ وهل شكّلت الأخبار المنشورة على موقع الحكومة القطرية حول تشديد أمير قطر على دور إيران و«حزب الله» في المنطقة النقطة التي طفحت الكيل؟ مع العلم أنّ دولة قطر أكدت أنّ ما نُشر على موقعها الإلكتروني هو نتيجة قرصنة كما أنّ أجهزة في الولايات المتحدة اتهمت روسيا علناً بهذه القرصنة.
 

لا شك في أنّ هناك انزعاجاً سعودياً واضحاً من مواقف قطر الخارجة عن الإطار العام الذي ترسمه المملكة لمواقف مجلس التعاون الخليجي، إذ تريد أن يكون المجلس وسائر أعضائه منضوين تحت لوائها، خصوصاً في أمور جوهرية مثل الخلاف الناشب مع إيران وتمويل منظمات معادية للمملكة، وهذه ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها السعودية دولة قطر لخروجها عن الصف إذ سبق في العام 2014 أن سحبت كلٌّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفيرها من الدوحة ولكن المشكلة سُوِّيت بعد فترة إلّا أنها لم تعالَج بصورة نهائية.

على الرغم من المواقف المتناقضة التي أطلقها ترامب حول هذه العاصفة الديبلوماسية المفاجئة إذ سبق له أن أشاد بالعلاقات الأميركية-القطرية «الجيدة والقديمة» بعد لقائه الأمير تميم في الرياض أثناء القمة العربية الاسلامية الأميركية، ولكنّه ما لبث أن أطلق تغريدات عبر «تويتر» ومواقف في خطابات لاحقة تناقض ذلك وتمدح الملك سلمان لمساعيه الرامية الى منع تمويل الإرهاب مؤيّداً بوضوح الموقف السعودي في هذه الأزمة، إلّا أنّ الولايات المتحدة ليس من مصلحتها إطلاقاً في الظرف الراهن ترك الأزمة تتفاقم، بل ستجد نفسها مضطرةً للقيام بمساع مباشرة أو غير مباشرة لحلحلة الأمور كما أنّ قطر، من جهتها، لن تستطيع تحمّل طويلاً القطيعة الديبلوماسية والحصار البري والبحري والجوي المفروض عليها.

أميركياً، على الولايات المتحدة أن تأخذ في الإعتبار أنّ التحالف الذي سعى ترامب إلى إقامته لمحاربة الإرهاب ولوقف التمدّد الإيراني بدأ يتصدّع وعليها القيام بكلّ المساعي الممكنة لرأب الصدع لكي لا يتحوّل الإنتصار الذي تباهى به ترامب بعد عودته من السعودية الى فشل أميركي وانتصار لإيران.

والولايات المتحدة واعية أيضاً لوجود إحدى أكبر قواعدها العسكرية الجوّية في قطر وفيها ما لا يقل عن عشرة آلاف جندي أميركي، وهي تستعملها لشنّ قسم كبير من الغارات الجوية ضد مَن تسمّيهم الإرهابيّين في العراق وسوريا، كما عليها التنبّه الى حتمية ارتفاع أسعار النفط في ظل هكذا أزمات، وكيف يمكنها تجاهل هذين الأمرين بعدما وضع ترامب قضية محاربة الإرهاب في طليعة أولوياته الخارجية وإنعاش الإقتصاد الوطني في طليعة أولوياته الداخلية.

أما قطرياً، فإنّ هذه الدولة لا تستطيع تحمّل نتائج الحصار المفروض عليها إذ إنها تستورد نحو نصف موادها الغذائية عبر الحدود البرية مع السعودية التي تمّ إغلاقها، كما أنّ وقف الرحلات الجوّية مع الدول المقاطعة لقطر من شأنه أن يفاقم الأزمة المالية التي تعاني منها شركة الطيران الوطنية التي سجّلت خسارة 38 في المئة في عام واحد بالإضافة الى الصعوبات في التنقل والسفر والإقامة للمواطنين القطريين.

كذلك فإنّ قطر ستستضيف في العام 2022 مباريات كأس العالم لكرة القدم وهي حالياً في مرحلة بناء الملاعب وسائر مكوّنات البنية التحتية لهذا الحدث التاريخي، فهي بحاجة الى استيراد المواد الأوّلية والعمال والمهندسين، والحصار سيؤخر بلا شك كلّ هذه العمليات التي تعلّق عليها قطر أهمية قصوى.

ويبدو أنّ ترامب قد شعر بأهمية وخطورة الوضع وأن لا مفرّ للولايات المتحدة من السعي الى حلّ هذه الأزمة الطارئة، فباشر مساعيه عبر اتصال هاتفي أجراه مع أمير قطر بتاريخ 7 الجاري حضّ فيه الأمير تميم على معالجة الأزمة ملمّحاً الى امكانية عقد لقاء معه في البيت الأبيض لهذه الغاية.

وهو يبدو ميالاً الى تأييد الموقف السعودي سعياً للمحافظة على التحالف العربي الاسلامي الذي ما زال يفخر بإقامته، وذلك بعلى رغم الإستثمارات القطرية الضخمة في الولايات المتحدة وفي العاصمة واشنطن بالذات، علماً أنّ قطر قد وعدت بُعيد انتخاب ترامب باستثمار عشرة مليارات دولار أميركي في مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية التي هي جزء مهمّ من مخطط ترامب الإقتصادي كما سبق لها وأعلنت عزمها على الإستثمار بمشاريع اقتصادية مختلفة بمبلغ 35 مليار دولار.

وستسعى الولايات المتحدة جاهدة الى إقناع قطر بالقبول بمجاراة سياسة مجلس التعاون الخليجي والتخفيف من دعمها لمجموعات مثل الإخوان المسلمين و«داعش» و«طالبان» وغيرها إذا كانت تريد فعلاً تأمين استمراريتها كدولة تتمتّع بأعلى نسبة للدخل الفردي في العالم ويهمّها الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة.

أما إذا قبلت قطر بعروض المساعدة المقدَّمة لها من إيران وتركيا والبقاء على سياستها الحالية، فإنّ ذلك من شأنه أن يُدخل المنطقة في المجهول ويفتح أبواب صراعات جديدة يصعب توقّع نتائجها، إذ إنّ واشنطن عازمة على محاربة الإرهاب والتطرف ووضع حدٍّ للنفوذ الإيراني بأيّ ثمن، وهي ترى في التحالف الذي أرسى ترامب قواعده في السعودية وسيلة فعّالة لتحقيق ذلك، ولن تسمح لأحد بعرقلة هذا المخطط.