يتساءل كثيرون، في كندا وفي لبنان، عن أسباب عدم قيام رحلات طيران مباشرة بين هذين البلدين، سواءٌ من قبل شركة طيران الشرق الأوسط أو من قبل شركة الطيران الكندية، والأعذار الأمنية التي يسمعونها غير مُقنعة، خصوصاً عندما يرون أنّ شركات طيران كندية وأميركية تؤمّن رحلاتٍ مباشرة بين كندا ودول شرق أوسطية أوضاعها الأمنية ليست أفضل على الإطلاق من الأوضاع الأمنية السائدة حالياً في لبنان.
 

معروف أنّ لبنان يتميّز بنسبة مقبولة جداً من الاستقرار الأمني قياساً بما يجرى في دول تُسيّر رحلات مباشرة مع كندا والولايات المتحدة مثل مصر حيث وضع إرهابيون عبوة ناسفة عام 2015 على طائرة روسية فأسقطتها، وتركيا حيث دخل إرهابيون مطار اسطنبول بسلاحهم وقتلوا 45 شخصاً وجرحوا 230 آخرين العام الماضي، وباكستان حيث يحصل العديد من الأحداث الإرهابية بينما لم يشهد مطار بيروت الدولي أيّ حادث أمني منذ سنوات عديدة.

في ظل وجود نحو مئة وخمسين ألف لبناني في مدينة مونتريال وحدها إضافة الى عشرات آلاف الآخرين المنتشرين في المدن الكندية الأخرى، فإنّ شركة الخطوط الجوّية الكندية من أكثر المتحمّسين والمطالبين بإقامة رحلات مباشرة بين بيروت ومونتريال، خصوصاً أنّ اللبنانيين في كندا حديثو الإغتراب نسبياً في معظمهم وما زالوا على علاقات مع لبنان ويسافرون بكثرة إليه ما يشكل قاعدة قويّة من الزبائن، هذا بالإضافة الى الجهود الحثيثة التي بذلها مع السلطات الكندية المختصة، السفراء والديبلوماسيون اللبنانيون الذين تعاقبوا على العمل في أوتاوا في هذا المجال.

هذا وقد سبق للسلطات الكندية المختصّة، نتيجةً للمداخلات والمساعي الكثيرة، أن وافقت عام 2003 على قيام شركة الخطوط الكندية بتشغيل خط مباشر بين مونتريال وبيروت بالإتفاق مع شركة طيران الشرق الأوسط وقد تمّ بالفعل في حينه بيع عدد كبير من بطاقات السفر، ولكن عشيّة موعد إقلاع الرحلة الأولى في اتجاه بيروت، تبلّغ المسافرون إلغاء الرحلة وما زال الموضوع عالقاً حتى يومنا هذا.

فما الذي يحول إذاً دون تسيير رحلات جوّية مباشرة بين لبنان وكندا؟

تعود أسباب عدم قيام رحلات مباشرة بين مطار بيروت وأيّ مطار آخر في أميركا الشمالية الى ما حصل في العام 1985 عندما خطف مسلّحون طائرة «تي دبليو آي» الأميركية بُعيد إقلاعها من مطار أثينا وتوجّهوا بها الى مطار بيروت الدولي مطالبين بالإفراج عن 700 من المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وقد بقيت الطائرة محتَجزة على أرض المطار ثلاثة أيام كما تمّ قتل أحد ركابها واحتجاز آخرين لمدة أسبوعين. على أثر هذه العملية، أوقفت السلطات الأميركية الرحلات المباشرة التي كانت تسيّرها آنذاك شركة طيران الشرق الأوسط بين بيروت ونيويورك.

في تلك الأثناء أيضاً، حصلت عدة عمليات خطف لمواطنين أميركيين في لبنان على أيدي «حزب الله» ما حمل السلطات الأميركية على منع مواطنيها من السفر الى لبنان وقد بقي هذا الحظر مطبقاً حتى سنة 1997.

كانت هذه الأجواء السلبية تجاه لبنان ما زالت سائدة حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية فيه عندما بدأت شركة الطيران الكندية مساعيها لفتح خطّ جوّي مباشر بين بيروت ومدينة مونتريال، وكانت هذه المساعي تقابَل دائماً بضغط أميركي لمنع قيام رحلات مباشرة بين المطار اللبناني وأيّ مطار آخر في أميركا الشمالية، لاعتبار السلطات الأميركية أنّ الدولة اللبنانية ليست لها سيطرة تامة على مطار بيروت، وبالتالي فهي تخشى وصول مسلّحين ومتفجّرات الى الأراضي الأميركية عبر هذا المطار.

تجدر الإشارة هنا الى وجود لجنة أمنيّة مشترَكة أميركية - كندية تركّز خصوصاً على مسألة محاربة الإرهاب، وتجتمع هذه اللجنة بصورة دورية وكلّما دعت الحاجة لتقويم الأوضاع الأمنية والمخاطر التي يمكن أن يشكّلها الإرهاب على أيٍّ من الدولتين، والتنسيق بين الفريقين الأمنيَّين داخل اللجنة قائم باستمرار.

أثناء مهمتي كسفير للبنان في كندا، قابلت المسؤولين الحكوميّين على مختلف المستويات في وزارة الخارجية وفي وزارة النقل وفي دوائر عديدة تُعنى بهذه المسألة لإقناعهم باستتبات الأمن في لبنان وبسلامة الوضع في مطار رفيق الحريري الدولي، وكنت أجد الكثير من التجاوب لدى المسؤولين السياسيين، كما أنّ وزير الهجرة في تلك الفترة السيد جايسون كيني الذي كانت تربطني به صداقة شخصيّة والذي زار لبنان مرات عدة كان مقتنعاً بضرورة قيام الخط الجوّي المباشر وكان يسعى الى تحقيق ذلك، إلّا أنّ السلطات الأمنية الكندية كانت تتأثر بمواقف الجانب الأميركي الذي ما زال الى الآن يعتبر أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تستطيع منع «حزب الله» من تنفيذ أيّ عملية تهريب لأسلحة أو لأشخاص عبر المطار، وكون «حزب الله» معتبَراً منظمةً إرهابية من قبل السلطات الأميركية، فالولايات المتحدة لن تقبل إطلاقاً بقيام رحلات جوّية مباشرة بين مطار بيروت وأيّ مطار آخر في أميركا الشمالية.

من هنا يظهر بوضوح أنّ مفتاح الحل لهذه المسألة في أيدي الأميركيين، والسلطات الأمنية الأميركية لها الكلمة الفصل لدرجة أنّ وزير النقل الأميركي في إدارة الرئيس باراك أوباما السيد راي لحود، وهو من أصل لبناني، لم يتمكّن من اتّخاذ قرار برفع الحظر عن مطار بيروت، وقد أصبحت المسألة الآن أكثرَ تعقيداً في عهد الرئيس دونالد ترامب المعروف بمواقفه السلبية تجاه المسلمين عموماً، لدرجة أنّه أصدر قراراً يُحظّر قدوم مواطنين من ست دول إسلامية الى الولايات المتحدة، ومواقفه السلبية من «حزب الله» معروفة وقد عبّر عنها بوضوح أثناء زيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن منذ أيام.

منذ أشهر قليلة، شاءت شركة الطيران الكندية إعادة محاولتها فتح الخط المباشر مع مطار بيروت إلّا أنها وجدت أنّ الموقف الأميركي ما زال على حاله وربما زاد تصلّباً، ويبدو أنها أرجأت الموضوع الى وقت لاحق.

لذلك وفي ضوء هذه المعطيات، يصعب توقّع أيّ تطور إيجابي قد يؤدّي الى تسيير رحلات مباشرة بين لبنان وكندا في المستقبل المنظور.