حرب شنتها إسرائيل يوم 5 يونيو/حزيران 1967 على ثلاث من دول جوارها العربي، دامت ستة أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة. وكان من نتائجها خسائر بشرية ومادية كبيرة، واحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العربية، وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي.
أسباب الحرب
هناك جملة أسباب أدت إلى نشوب حرب 1967 التي قادت إلى ما سمي "النكسة"، وبعض هذه الأسباب مباشر وبعضها غير مباشر.
أ- الأسباب غير المباشرة: تتمثل في اعتبار إسرائيل أن الأحداث التي تلت حملة سيناء عام 1956 (العدوان الثلاثي) تشكل تهديدا لأمنها، ومن أبرز هذه الأحداث جهود التسلح التي تبذلها مصر بقيادة جمال عبد الناصر، ونشاط سوريا ضد المستعمرات الإسرائيلية على الجبهة السورية وأمام الجبهة الأردنية.
ومن هذه الأحداث أيضا قرار القمة العربية 1964 في القاهرة بتحويل مياه نهر الأردن في كل من سوريا ولبنان وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1965.
ب- الأسباب المباشرة: تقف في طليعتها قرارات وأحداث مهمة وقعت منذ منتصف مايو/أيار 1967، من بينها: مطالبة مصر بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وبدؤها حشد جيشها في سيناء، وإغلاقها يوم 22 مايو/أيار "مضايق تيران" بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان رسمي للحرب عليها.
وإثر ذلك بدأ تخطيط إسرائيل لشن الحرب على دول الجوار العربي مع مطلع يونيو/حزيران عام 1967 في ظل تواطؤ خفي ظاهره عدوان ضد سوريا، حيث أبلغ وفد سوفياتي مصر أن إسرائيل حشدت 11 لواء على الحدود السورية، وإعلان مصر تدخلها لمساندة سوريا وما تلاه من أحداث.
الميزان العسكري
تتفق المصادر في العديد من المعطيات الإحصائية المتعلقة بميزان القوى العسكري قبل حرب يونيو/حزيران 1967، وإن كانت تختلف في بعض الجزئيات. وتجمع بلا استثناء على أن عدد وعدة الجيوش العربية في الجبهات الثلاث كانت أكثر من عدد وعدة الجيش الإسرائيلي.
وتذهب تلك المصادر إلى أن الاختلاف الأساسي بين الجيوش في حرب 1967 يكمن في كفاءة الجيش الإسرائيلي -الذي يعتمد على السلاح الغربي (أميركا وبريطانيا وفرنسا)- في استخدام الأسلحة والمعدات والمقدرة التنظيمية والقيادية وتوظيفها، عكس الجيوش العربية الثلاثة التي تعتمد - ما عدا الجيش الأردني- على السلاح السوفياتي.
اندلاع الحرب
قامت إسرائيل في الساعة 8 و45 دقيقة صباح الاثنين 5 يونيو/حزيران -ولمدة ثلاث ساعات- بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل.
وتوزعت الغارات على ثلاث موجات نفذت الأولى 174 طائرة والثانية 161 والثالثة 157 بإجمالي 492 غارة، ودُمّر فيها 25 مطاراً حربياً وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض.
وطبقا للبيانات الإسرائيلية فإنه تم تدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية منها:
30 طائرة تي يو-16.
27 طائرة اليوشن قاذفة.
12 طائرة سوخوي-في.
90 طائرة مقاتلة ونقل وهليكوبتر.
وردا على الضربة الجوية الإسرائيلية؛ قامت القوات الجوية الأردنية بقصف مطار قرب كفار سركن. أما الطيران السوري فقد قصف مصافي البترول في حيفا وقاعدة مجيدو الجوية الإسرائيلية، بينما قصفت القوات العراقية جوا بلدة نتانيا على ساحل البحر المتوسط.
لم تكتف إسرائيل بقصف السلاح الجوي المصري بل قصفت عدة مطارات أردنية منها المفرق وعمان، ودمرت 22 طائرة مقاتلة و5 طائرات نقل وطائرتيْ هليكوبتر.
كما قصفت المطارات السورية ومنها الدمير ودمشق، ودمرت 32 طائرة مقاتلة من نوع ميغ، و2 اليوشن 28 قاذفة. وهاجمت القاعدة الجوية هـ3 في العراق.
وذكرت المصادر الإسرائيلية أن 416 طائرة مقاتلة عربية دُمرت، بينما خسرت إسرائيل 26 طائرة مقاتلة.
الجبهات ويومياتها
اعتمدت إسرائيل في حرب يونيو/حزيران 1967 على الطيران وعلى جيشها البري في كافة الجبهات العربية المحيطة بها، والتي توزعت على الجبهات التالية:
1- الجبهة المصرية:
وقد كانت الجبهة المركزية بالنسبة لإسرائيل، وجرت أحداثها العسكرية والدبلوماسية خلال أيام الحرب الستة كالآتي:
- اليوم الأول: انطلقت في أعقاب الضربة الجوية الإسرائيلية مباشرة -وفي الساعة 9.15- تشكيلات القوات البرية الإسرائيلية لتخترق الحد الأمامي للجبهة المصرية في سيناء بثلاث مجموعات عمليات.
وفي ساعة متأخرة من المساء استطاعت -بهجومها على المحاور الثلاثة الشمالي والأوسط والجنوبي- تدمير فرقتيْ مشاة النسق الأول السابعة والثانية، اللتين كان يرتكز عليهما النظام الدفاعي المصري.
- اليوم الثاني: صباح يوم 6 يونيو/حزيران سقطت العريش وانفتح المحور الشمالي أمام القوات الإسرائيلية المدرعة.
وكانت مهمة الطيران الإسرائيلي طوال اليوم هي تثبيت الوحدات المدرعة في الممرات الجبلية، وفي مساء اليوم نفسه أذاعت إسرائيل أن عناصر قواتها وصلت إلى قناة السويس مما أصاب جنود الجيش المصري بالذعر، فيما أطلق عليه الغرب "الحرب الخاطفة".
وفي مساء هذا اليوم أيضا تمكن الإسرائيليون من الاستيلاء على مدينتيْ غزة وخان يونس في قطاع غزة الذي كان يخضع آنذاك للسيادة المصرية.
وكان نائب القائد الأعلى للقوات المصرية عبد الحكيم عامر قد أصدر في الساعة الخامسة من بعد الظهر أمرا بالانسحاب العام لجميع قوات سيناء إلى غرب قناة السويس، على أن ينفذ على مراحل وخلال الأيام التالية، وهو القرار الذي أثر سلبا على أداء الجيش المصري وعلى مسار الحرب بالنسبة له.
أما على الصعيد الدبلوماسي الدولي فقد صدر ذلك اليوم قرار مجلس الأمن رقم 233 بوقف إطلاق النار، وهو ما كان يعني حينها إقرارا دوليا باحتلال إسرائيل أراضي مصرية وحرمان مصر من حقها في استعادتها.
- اليوم الثالث: كان على القوات المصرية صباحا وفي وسط سيناء مواجهة ثلاث مجموعات عمليات، وظهرت في هذا اليوم -الذي تركزت فيه العمليات على الجبهة المصرية مع وقف إطلاق النار على الجبهة الأردنية- بوادر الانهيار التام للقوات المصرية مع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس.
- اليوم الرابع: مع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس بدأت في هذا اليوم الاستعدادات للدفاع عن القاهرة من مدخليْ السويس والإسماعيلية.
وجرى حديث بين السوفيات والرئيس عبد الناصر عن وقف القتال على الجبهة المصرية، في الوقت الذي شكلت فيه الوحدات المصرية المدرعة الباقية سدا دفاعيا وسط سيناء، ولكن مع قبول مصر وقف إطلاق النار كانت قد انهارت الدفاعات المصرية الباقية شرق القناة، وبدأ الارتداد العام والانسحاب من سيناء.
- اليوم الخامس: قامت القوات الإسرائيلية في هدوء باحتلال سيناء كلها حتى شرم الشيخ، باستثناء الخط من رأس العش شمالا وحتى شرق بور فؤاد الذي ظل تحت سيطرة القوات المصرية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي الدولي صدر في هذا اليوم قرار مجلس الأمن رقم 235 لتأكيد وقف إطلاق النار، بينما أعلن عبد الناصر في أعقاب هذه الخسارة تنحيه عن السلطة.
- اليوم السادس: إثر تنحي الرئيس عبد الناصر؛ استقال عبد الحكيم عامر ووزير الحربية شمس بدران، وخرجت مظاهرات شعبية ترفض قبول تنحي الرئيس وطالبت بعودته، فوافق عبد الناصر على ذلك وعاد إلى الحكم.
2- الجبهة الأردنية:
- اليوم الأول: قصفت القوات الأردنية الساعة 11 صباحا بالمدفعية مدن تل أبيب والقدس وعبرت جنوب القدس، وقام الطيران الأردني بقصف مطارات إسرائيلية.
تحول القصف الجوي الإسرائيلي -بعد أن قضى على القوات الجوية المصرية- إلى مطارات الجبهة الأردنية فقام بتدمير طائراتها وأصبحت المملكة بدون قوات جوية، بينما قامت القوات الإسرائيلية بعد الظهر بهجوم على الضفة الغربية فعزلت القدس عن الضفة ووصلت إلى جنين.
- اليوم الثاني: شهدت الجبهة قتالا في كافة أنحاء الضفة الغربية فسقطت نابلس، وأخذت القوات الإسرائيلية تتحرك في اتجاه نهر الأردن مع الدخول في قتال حول القدس الشرقية.
- اليوم الثالث: احتلت القوات الإسرائيلية القدس الشرقية، ووصلت في العاشرة صباحا إلى حائط البراق ثم سيطرت تماما على المدينة مساء.
يذكر أن لواء من القوات العراقية شارك في الحرب من خلال الجبهة الأردنية، لكن مشاركة العراق وُصفت بأنها كانت غير فاعلة لأن تسارع الأحداث قد سبق دخولها الفعال في الحرب.
وعلى الصعيد الدبلوماسي الدولي صدر قرار مجلس الأمن رقم 234 لتأكيد وقف إطلاق النار الساعة 8 مساء من ذلك اليوم، وأعلن الملك حسين قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل بصفة رسمية، فتم وقف إطلاق النار على الجبهة الأردنية.
3- الجبهة السورية:
- اليوم الأول: وقع قصف جوي ومدفعي متبادل بين الجانبين وحصلت محاولة اختراق من جانب سوريا أحبطها الجيش الإسرائيلي.
- الأيام الثاني والثالث والرابع: استمرار الاشتباكات من دون أي جديد على الأرض.
- اليوم الخامس: بدأ في هذا اليوم هجوم القوات الإسرائيلية على سوريا فاخترقت الدفاعات السورية شمال هضبة الجولان.
- اليوم السادس: واصلت القوات الإسرائيلية اختراقها للدفاعات السورية على طول الجبهة في الجولان فوصلت إلى القنيطرة، وأعلنت سوريا قبولها وقف إطلاق النار الساعة السادسة والنصف مساء من ذلك اليوم.
أهم النتائج
توقفت الحرب مساء يوم 10 يونيو/حزيران، وصدر قرار من مجلس الأمن 236 الساعة الرابعة والنصف من يوم 11 يونيو/حزيران ينص على إدانة أي تحرك للقوات بعد 10 يونيو/حزيران.
وبانتهاء الحرب حققت إسرائيل نصرا كبيرا كانت له نتائج مهمة عسكريا وسياسيا واقتصاديا. وخسر العرب في هذه الحرب المزيد من الأراضي لصالح إسرائيل، أما الخسائر البشرية والعسكرية للحرب فغالب بياناتها قد تضاربت لكونها معلومات سرية.
ويمكن عرض الخسائر الميدانية لهذه الحرب كما يلي:
أ- الخسائر البشرية العسكرية:
بلغ عدد القتلى العرب  25-15 ألفا  وعدد الجرحى  45-40 ألفا 
وبلغ عدد القتلي الاسرائائيليين  بين 650 _800   وعدد الجرحى  200 _ 2500 

عدد الاسراى العرب بلغ  5000-4000   وعدد الاسرى من الجانب الاسرائيلي 20-15
عتاد حربي
ولم تتوقف الخسائر البشرية عند هذا الحد وإنما أجبرت تلك الهزيمة التي مُني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة أضيفت إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم بعد أحداث النكبة عام 1948.
كما أجبرت الحرب قرابة مائة ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا. وألحقت هزيمة نفسية بالجيوش العربية بعد أن فقدت الكثير من ثقتها في قدراتها العسكرية وكفاءتها القتالية، في حين ارتفعت معنويات الجيش الإسرائيلي وراجت مقولته القائلة إنه "الجيش الذي لا يقهر".
ب- خسائر الأراضي:
شملت النتائج أيضا احتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا، وحتى ما استرجع منها (سيناء) كانت استعادته منقوصة السيادة. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها كانت إسرائيل تحتل المناطق التالية:
المساحة / كلم2
المناطق المحتلة
61948
شبه جزيرة سيناء
1158
هضبة الجولان
5878
الضفة الغربية
بما فيها القدس الشرقية
363
قطاع غزة
69347
الإجمالي
وكما يتضح من الجدول، فقد استولت إسرائيل أثناء الحرب على مساحة شاسعة من البلاد العربية (69347 كلم2)، وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948 وأقامت عليه دولتها (20700 كلم2) فإنه يتضح أن هزيمة يونيو/حزيران أضافت لإسرائيل ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف ضعف مساحتها التي كانت عليها يوم 4 يونيو/حزيران 1967.
وقد مكنتها هذه المساحات الجغرافية الشاسعة من تحسين وضعها الإستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، ومكنتها لأول مرة منذ نشأتها من الاستناد في خططها الدفاعية إلى موانع جغرافية طبيعية مثل مرتفعات الجولان ونهر الأردن وقناة السويس.
والحال نفسه تكرر على الجبهة الأردنية، فقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (5878 كلم2) عام 1967، وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كلم طول البحر الميت).
أما على الجبهة السورية فقد استولت إسرائيل على 1158 كلم2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم2. وحققت باستيلائها على تلك الهضبة مزيدا من المكاسب الإستراتيجية التي كانت تحلم بها، وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس فريدة من الناحية العسكرية.
كل هذه النتائج العسكرية والإستراتيجية التي أسفرت عنها هزيمة يونيو/حزيران 1967 من غير المؤكد -على الأقل في المستقبل المنظور- أن تتوقف تفاعلاتها، لأن اختلال موازين القوى الناجم عن تلك الحرب لا يزال متحكما في الكثير من معادلات الصراع العربي الإسرائيلي.
وعلى الرغم من الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب 1973، فإن التداعيات السلبية الهائلة التي خلفتها هزيمة 1967 لا تزال تتفاعل في الواقع العربي حتى الآن.