على مسافة 4 أيام من جلسة مجلس النواب المقررة الاثنين المقبل يختلط حابل التفاؤل بالاتفاق على القانون الانتخابي النسبي بنابل العودة إلى قانون الستين الذي ما يزال حيّاً يُرزَق.
 

الأنظار مشدودة الى الإفطار الرمضاني الرئاسي الذي سيقيمه اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جامعاً اليه فيه رئيسَ مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري والمرجعيات الدينية الاسلامية والمسيحية والوزراء والنواب والقيادات والفعاليات على اختلافها، وهذه الانظار ستركّز على ما يمكن ان يعقَد من لقاءات رئاسية وغيرها قبَيل الافطار وخلاله وبعده، في ظلّ «بركة» حضور المرجعيات الدينية، علّها تذلّل العقد، وتيسّرالاتفاق على قانون انتخاب جديد بات ثابتا انّه سيعتمد النسبية الكاملة ويقسّم لبنان الى 15 دائرة انتخابية. امّا في حال عدم الاتفاق فلن يكون هناك مفرّ من اجراء الانتخابات على اساس قانون الستين النافذ والذي كان ولا يزال يشكّل مطلباً معلناً هنا ومُضمراً هناك لدى كثيرين.

ويرى سياسيون مشاركون في الورشة الانتخابية انّ التفاؤل المشاع حول قانون النسبية هو تفاؤل مفتعَل وهادف، بل مقصود إفتعاله، لأن الراسخين في عالم البحث عن القانون الانتخابي العتيد يدركون جيداً عمقَ الخلافات القائمة في هذا المضمار، وهي خلافات مُستجرّة منذ التوصل الى اتفاق الطائف عموما، ومنذ انتخابات العام 2009 تحديداً، حيث ما يزال القانون الانتخابي العصري الذي وعدت الطبقة السياسية اللبنانيين به «على الوعد يا كمّون».

ففي بحر التشاؤم يرى هؤلاء «الراسخون» أنّ من المفيد إشاعة اجواء تفاؤل وضخّ جرعات من الأمل، علها تغيّر ما في النفوس وتدفع مَن بيدِهم الحل والربط الى جادة التوافق المطلوب لانتاج قانون انتخاب يعتمد «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منه نصّاً وروحاً، فيكون قانوناً يحقّق عدالة التمثيل وفعاليته لشتّى فئات الشعب اللبناني وأجياله في الندوة النيابية، بعيداً من الإقصاء او التهميش او الإلغاء.

والواقع أنّ التشاؤم ما زال يغلب على التفاؤل المشاع، لاستحالة الاتفاق حتى الآن على مسائل حساسة مطروحة ضمن «صفقة» القانون النسبي، فتقليص عدد النواب من 128 إلى 108، حسبما نصّ «اتفاق الطائف»، والذي يطالب به التيار الوطني الحر، بالاضافة الى ما يطالب به وحزبَ القوات اللبنانية من نقلِ مقاعد نيابية مسيحية من هذه المنطقة الى تلك، هما مطلبان غير مقبولين لدى الافرقاء الآخرين، فليس هناك في لبنان، وفي العادة، ايّ شيء يعود الى الوراء على حدّ قول سياسي مخضرم، إلّا نادراً، مثل العودة التي حصلت في مؤتمر الدوحة عام 2008 الى قانون 1960 الذي استدعِيَ من القرن الماضي بناءً على رغبة البعض.

وفي حال تمسّك «التيار» و«القوات» بهذين المطلبين سيكون مستحيلاً حصول اتفاق على القانون النسبي المطروح، ذلك انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه حلفاؤه «حزب الله» والآخرون يرفضون بشدّة نقلَ المقاعد لأنه يؤدي الى قوقعة طائفية في هذه المنطقة او تلك، بينما المطلوب توسيع دائرة التنوّع الطائفي والوطني في كلّ المناطق اللبنانية. بل انّ البعض يعتبر انّ نقلَ المقاعدِ هو بمثابة «تقسيم مقنّع» يربأ حتى المطالبون بهذا النقل الوصولَ اليه.

ويقول احد المراجع في هذا السياق معلّقاً على مطلب نقل المقعد الماروني من طرابلس الى البترون: «مدينة مثل طرابلس التاريخية والعريقة ذات الغالبية السكانية الاسلامية الساحقة أوَليس مفيداً وجميلاً لها وللبنان وللوحدة الوطنية ان تكون فيها مقاعد نيابية للمسيحيين الى جانب المقاعد الإسلامية».

ويضيف: «يستحيل ان اقبلَ بنقل مقاعد نيابية مسيحية او غير مسيحية من هذه المنطقة الى تلك، بل على العكس، علينا ان نزيد عدد المقاعد لكلّ الطوائف في كلّ المناطق حتى لا نُصاب بما اصيبَت به المنطقة من فرزٍ طائفي ومذهبي وتهجير وتشريد شملَ كلّ الطوائف والاديان والإتنيات وغيرها».

امّا موضوع تقليص عدد النواب من 128 إلى 108 حسب ما نصّ اتفاق الطائف، فيراه البعض مستحيلاً، لانه بغضّ النظر عن بعض الظروف السياسية التي ادّت الى زيادة عشرين نائباً ليصبح 128 نائبا منذ العام 1992 وحتى الآن، فإنّ هذه الزيادة راعت تحقيقَ العدالة ضمن المناصفة في تمثيل بعض الطوائف ومنهم الطائفة العلوية وغيرها من الطوائف الصغرى، فللعلويّين نائبان الآن في المجلس فيما حجمُهم السكّاني يوازي حجم كلّ من طائفتي الروم الكاثوليك والدروز اللتين لكلّ منها ثمانية نواب، فضلاً عن وزراء في الحكومات. ولذلك لا عودة الى العدد 108 حتى لا تدخلَ البلاد في أزمة تمثيل الأقليات التي عالجَها اتفاق الطائف نيابياً ووزارياً جزئياً وليس كلّياً.

وعلى انّ قانون النسبية إذا لم يتعثّر بهذين الامرين وتجاوزَهما، فلا احد يَضمن عدم تعثّرِه في مسائل اخرى، لعلّ ابرزَها طريقة احتساب الاصوات نسبياً في الانتخابات ضمن الدوائر، وتحديد الفائزين سواء كانوا في لوائح كاملة أو غير مكتملة او مرشحين منفردين. وكيف يمكن اعتماد «الصوت التفضيلي» أيكون في القضاء ام في الدائرة ككل؟ وهل يكون مذهبياً ام طائفياً ام وطنياً؟ وكيف يمكن احتسابه؟

كلّ هذه مسائل ما تزال غامضة ولم تُحسَم بعد على رغم التفاؤل المعلن والمشاع من هنا وهناك حول اقتراب موعد الاتفاق على القانون العتيد.

ولكنّ مصير جلسة الاثنين المقبل النيابية سيكون مرهوناً بما يمكن ان يشهده الإفطار الرئاسي اليوم عموماً، والموقف الذي سيعلنه رئيس الجمهورية سيكون المؤشّر الى مصير الاستحقاق النيابي برمَّته، أيَذهب الى الإنجاز وفق قانون جديد؟ ام الى الانجاز وفق القانون النافذ؟

بعض المتشائمين يسبتعدون صدورَ مرسوم الدورة الاستثنائية شاملاً موعدَ الجلسة النيابية المحدد الاثنين المقبل، بحيث يضطرّ رئيس مجلس النواب الى تحديد موعد جديد. ويقول البعض: «مثلما يقال انّ «المجلس النيابي سيّد نفسه»، يبدو انّ هناك من يقول انّ «العهد سيّد نفسه» وهو من يحدّد موعد فتح الدورة الاستثنائية لهذا المجلس.

ويقول بعض السياسيين انّ الوزير جبران باسيل وفريقه يمارسون لعبة التصعيد في الموقف ورفعَ سقفِ المطالب والشروط للحصول على اكبر مقدار من المكاسب من خلال قانون الانتخاب، وانّهم سيدخلون في التسوية خلال ربع الساعة الاخيرة او لحظة ادراكهم انّهم حقّقوا ما يرضي طموحاتهم، ولذلك لن يروقهم، على ما يبدو ان يقطفَ نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان ثمارَ مسعاه وينالَ وهجَ انتاجِ القانون النسبي، وإنما يريدون هم قطفَ الثمار، وربّما يقدّمون تنازلات معيّنة لهذه الغاية في اللحظة الاخيرة، ولكن حتى الآن لا مؤشّرات على تنازلات من هذا النوع لديهم، بل يبدو انّهم مستمرون في رفع سقفِ شروطهم، وهي شروط ما تزال غيرَ مقبولة لدى الآخرين.

ولذا يقول هؤلاء السياسيون إنّ الاستحقاق النيابي كان ولا يزال محكوماً بثلاثة احتمالات: الأول إنجازه بقانون نسبي يفرض تمديداً لمجلس النواب حتى ربيع 2018 ويكون في ذلك نصرٌ للعهد وإنجاز يسجَّل له. والثاني إنجازه بموجب قانون الستين النافذ، وهو ما قد يشكّل نكسةً للعهد. والاحتمال الثالث، وهو احتمال ضعيف، الاتّفاق على عناوين عامة لقانون انتخاب يُعمل على إنتاجه عملياً خلال مدة قد يكون أقصاها سنة.