اجتازت عاصمة الجنوب صيدا ومعها لبنان بأكمله أمس قطوعاً كبيراً كاد أن يوصل البلاد إلى أزمة لا تحمد عقباها. فقد مرّ التحرّك الذي دعا إليه إمام مسجد "بلال بن رباح" الشيخ أحمد الأسير بسلام ومن دون تسجيل أي إشكال يذكر، قبل، خلال وبعد الاعتصام، وهو سيكون في الاعتصام الذي دعا إلى تنفيذه اليوم، أسير الضوابط التي حددها مجلس الأمن الفرعي في الجنوب بوضوح "غير مسموح له أن يخرج عن حدود اعتصام الأمس لا جغرافياً ولا أمنياً".
بموازاة ذلك، أطلق الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري موقفاً نارياً بوجه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، إذ أكّد أن "حزب الله يريد خطف البلد إلى حيث يريد هو، وهذا الأمر لا يمكن أن يمر بسهولة" متوجهاً بطريقة مباشرة إلى نصرالله قائلاً "نعرف أنك رامبو، لكن لا تحاول تخويفنا لأننا لم نعد نخاف، انكسرت الشوكة في مكان ما ولسنا خائفين. ما الذي ستفعله؟ هل ستقتلنا؟ هل ستأتي إلى بيت الوسط؟ نحن لم نعد نخاف".
وقال في مداخلة عبر شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" "نصرالله يتغنّى بجلساته مع الرئيس الشهيد، فإذا كان رفيق الحريري بالنسبة لهم وطنياً لهذه الدرجة، لماذا قتلوه؟ لماذا اغتالوه؟ هذا التملّق ما عاد يمرّ على أحد".
وفي شأن متصل، عاد الأمين العام السابق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي لتسجيل موقف "شرعي وديني" يؤكد من خلاله أن "الذين يسقطون في سوريا دفاعاً عن نظامها ليسوا شهداء"، مبدياً استغرابه كيف أن أحدهم "يطلّ عبر شاشة التلفاز ليقول إن هؤلاء القتلى استشهدوا أثناء قيامهم بواجبهم الجهادي".
وأكّد الطفيلي في حديث لـ"المستقبل" أنه لطالما نصح "قائد مقاومة الحزب عماد مغنية أن لا يأمن لظهره من النظام السوري" واعترف أن النظام الإيراني طلب منه مراراً "تحويل بوصلة الجهاد من فلسطين إلى اتجاهات لا علاقة لها بعمل المقاومة".
واعتبر أن "شباب المقاومة هم اليوم في حالة مأسوية، فهم من جهة ملزمون أن ينفّذوا الأوامر ويهبوا للقتال في سوريا، ومن جهة أخرى هم يقفون ملياً أمام دينهم وضمائرهم وأخلاقهم"، متوجهاً إلى الشباب الشيعي اللبناني "على كل شاب يؤخذ للقتال في سوريا أن يرفض مهما كانت النتائج، حتى لو قطع راتبه أو طرد من موقعه، فلا يجوز بأي حال مشاركة بشار الأسد ودعمه وتأييده والوقوف إلى جانبه في قتل الشعب السوري". (تفاصيل ص- 4)
صيدا
ومنذ صباح أمس، استفاق الصيداويون على تدابير أمنية استثنائية نفّذتها وحدات من الجيش اللبناني على طول الطريق المؤدية إلى عبرا وفي محيط مسجد "بلال بن رباح"، حيث سيّر دوريات في كل شوارع المدينة. ومع اقتراب موعد الاعتصام الذي دعا إليه الأسير ظهراً، تبلّغ الأخير عبر أحد معاونيه من الجهات الأمنية المختصة عدم السماح له بالتحرّك خارج نطاق المربّع الأمني لحرم المسجد، فيما منع الجيش وسائل الإعلام من تغطية التحرّك وبخاصة عمليات النقل المباشر.
وصارح الأسير مناصريه خلال خطبة الجمعة بأن الاعتصام سيكون ضمن المساحة التي يسمح بها الجيش، طالباً منهم عدم الصدام مع القوى الأمنية، مؤكداً أن "ما نشهده اليوم هو خير دليل على الاحتلال الإيراني المقنّع للبنان، وهو ما سعى نصرالله إلى تحقيقه منذ ثمانينات القرن الماضي".
وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة، توجه الأسير برفقة عدد من مناصريه إلى أماكن تواجد "الشقق السكنية التي يشكو منها"، لكن الانتشار الكثيف للقوى الأمنية حال دون ذلك. لكنه أعلن عن تحرّك مشابه لتحرك أمس سيقام للغاية نفسها اليوم السبت في المكان نفسه عند الرابعة والنصف من بعد الظهر.
شربل
وكان وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل ترأس اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي أشار خلاله إلى أنه "دعا لعقد الجلسة بناء على طلب مجلس الدفاع الأعلى لمعالجة موضوع حساس ومهم جداً لانتشار ظاهرة الخطف مقابل فدية مالية، على أن تبدأ الأجهزة الأمنية بتنفيذ الخطة الموضوعة خلال مهلة تحددها خصوصاً وأن الخاطفين معروفون بالأسماء وأماكن إقامتهم ولا يحظون بأي تغطية سياسية أو طائفية".
وأضاف "هناك 39 عملية خطف حصلت باستثناء خطف الأستونيين، وإن الأجهزة الأمنية أوقفت 54 متورطاً بالخطف وساقتهم إلى سجن رومية المركزي ولا يزال هناك 87 فاراً ستتم ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم".
وأوضح أن "الشيخ أحمد الأسير وسواه تبلّغ أن الإخلال بالأمن ممنوع وأن الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها في منع الظهور المسلح وتجاه أي محاولة لخرق التدابير المتخذة، خصوصاً أن هذا الموضوع أوجد حساسية طائفية وسياسية واجتماعية ضمن منطقة صيدا".
سليمان
أما في الشأن الانتخابي، فلفتت مصادر قصر بعبدا لـ"المستقبل" إلى أنه من المتوقع أن يوقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل التاسع من آذار الحالي وفقاً للأصول الدستورية.
وأشارت إلى أن "هذا التوقيع لا يعني أن الرئيس سليمان يقبل بإجراء الانتخابات وفقاً لقانون الستين، بل إن الدستور يحتّم على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات طالما أن هناك قانوناً انتخابياً موجوداً، سواء كان قانون الستين أو غيره، كما من واجبات مجلس الوزراء تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، وبالتالي فالدعوة للانتخابات وتشكيل الهيئة أمر محتوم بعيداً عن شكل القانون، علماً أن النقاش في البلاد لا يزال جارياً للتوصل إلى قانون انتخابي يلقى قبول الجميع".
"هيئة التنسيق"
في غضون ذلك، واصلت هيئة التنسيق النقابية تحركاتها في كافة المناطق اللبنانية، ونفذت أمس اعتصاماً أمام وزارة العمل في الشياح تخللته مسيرة باتجاه مستديرة غاليري سمعان. وتتجه الهيئة في مطلع الأسبوع الثالث لإضرابها الى مزيد من التصعيد والتأكيد على عدم الخروج من الشارع إلا إذا أحيلت السلسلة على مجلس النواب معلنة "أن التصعيد الأكبر سيكون يوم الاثنين على صعيد لبنان ككل"، على أن تنفذ اليوم اعتصاماً عند الثامنة صباحاً أمام مبنى النافعة في الدكوانة.
وكان نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض حيا خلال اعتصام أمس لجان الأهل في الشمال لموقفهم "للضغط على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حتى يبقى خيرة المعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين في وطنهم" وتوجه الى الحكومة ورئيسها ووزير المال محمد الصفدي بالقول "راهنتم على تعبنا، نحن لم نتعب ولن نكل، فلا "طلعة" من الشارع إلا عندما نرى السلسلة محالة الى مجلس النواب"، وقال: "خلال أسبوع ما لم تجتمع الحكومة وتحيل السلسلة فهي مسؤولة مجتمعة تجاه الشعب اللبناني. نريد حكاماً يبقون عند كلامهم وحكومة صادقة مع ناسها تفي بوعودها".
أضاف "هذا المشهد الرائع الذي شهدناه خلال 15 يوماً ليس له مثيل في تاريخ لبنان فلا يعقل أن تبقى الحكومة صماء و30 وزيراً يتعاطون بلا مسؤولية، نريد وزيراً يستقيل إذا لم تحل السلسلة.
وناقشت الهيئة في اجتماع عقدته في مقر رابطة التعليم الأساسي- الأونيسكو خطتها التصعيدية للأسبوع القادم، وحيّت الوقفة النقابيّة المشرّفة والهمّة العالية عند الأساتذة والمعلّمين والموظفين والمتقاعدين والمتعاقدين والأجراء الذين وقفوا دفاعاً عن مصالحهم في وجه غيلان السياسة والاقتصاد، وأقرّت الهيئة تنفيذ اعتصامات في جميع المناطق اللبنانية.