ما بعد زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية في 21 الجاري، لن يكون كما قبلها، وذلك في ضوء ما ستشهده من قمم رفيعة المستوى وعلى جانب كبير من الاهمية، وعلى نتائجها سيتحدد مستقبل الاوضاع في المنطقة، ولبنان من ضمنها.
 

ولعلّ ما يستوقف المراقبين هو انّ ترامب هو اوّل رئيس اميركي يقرر بعد تسلمه تقاليد السلطة ان تكون أولى زياراته الخارجية لبلد عربي، اذ انّ الرؤساء الاميركيين السابقين لم يعمدوا يوماً الى خطوة من هذا النوع، بل كانوا غالباً يزورون عواصم غربية وغيرها، ويجعلون اسرائيل اوّل محطة لهم في جولاتهم على دول المنطقة العربية منها وغير العربية.

ويقول البعض انّ خطوة ترامب هذه مبنية على اتفاقات وتفاهمات كبيرة وفي العمق حصلت في الاتصالات واللقاءات التي انعقدت بينه وبين القيادة السعودية بعد تسلّمه سلطاته في البيت الابيض وكان آخرها محادثاته الأخيرة في البيت الابيض بينه وبين ولي ولي العهد ووزير الدفاع الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وستظهر نتائجها من خلال ما ستفضي اليه القمم التي سيعقدها خلال زيارته للممكلة.

بل انّ بعض السياسيين يؤكدون انّ ترامب قرّر بخطوته هذه إحداث نقلة نوعية في العلاقات الاميركية ـ السعودية مستفيداً ممّا مرّت به هذه العلاقات أيام الرئيس السابق باراك اوباما حيث سادها فتور كبير كاد يصل الى حد القطيعة، وذلك بسبب عقد اوباما الاتفاق النووي مع ايران ضمن مجموعة الـ 5 + 1 من دون الأخذ بالموقف السعودي وهواجسه إزاء البرنامج النووي الايراني، فضلاً عن اصدار الكونغرس الاميركي ايام اوباما قانون «جيستا» لمحاكمة الدولة السعودية بسبب أحداث 11 ايلول التي شارك فيها سعوديون ينتمون الى تنظيم «القاعدة». كذلك ساءت العلاقات السعودية ـ الاميركية ايام اوباما بسبب تردده في التدخل العسكري في سوريا لمصلحة المعارضة السورية التي تدعمها الرياض.

ويبدو انّ ترامب استفاد ممّا تسمّيه إدارته «أخطاء» الادارة السابقة، وقرّر فتح صفحة جديدة في العلاقات الاميركية ـ السعودية، عبر دعم الدور السعودي السياسي والعسكري على مستوى المنطقة، وكذلك على مستوى موقع الرياض في العالمين العربي والاسلامي، فاختار العاصمة السعودية لعقد

قمم مع قادة

العالمين العربي والاسلامي ستكون لنتائجها انعكاسات على مجمل الاوضاع في هذين العالمين اللذين يعانيان في هذه المرحلة الحساسة أزمات وفتناً وحروباً تهدد بتفككهما.

ولذلك، يبدي السعوديون اهتماما كبيرا بزيارة ترامب لبلادهم لما تنطوي عليه هذه الزيارة من رسائل واشارات الى مستقبل موقع المملكة ودورها على الصعيدين العربي والاسلامي، حيث انه يريد من خلال القمم الكبيرة التي سيعقدها في الرياض ان يشدّد على موقع السعودية كعاصمة للعالمين العربي والاسلامي في مواجهة دول وعواصم كبرى أخرى في المنطقة تسعى لأن تكون لها الكلمة المؤثرة في هذين العالمين وعلى الصعيد الدولي.

ولا يخفي السعوديون انّ قمم ترامب السعودية والخليجية والعربية والاسلامية في الرياض ستتصدرها الازمات السائدة في المنطقة وسبل ايجاد حلول لها، وكذلك ستتناول سبل وضع حد للنفوذ الايراني في المنطقة وما ينبغي ان يكون عليه الموقف من الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تأخذ عليها الرياض ودول الخليج تدخّلها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية خصوصاً والعربية عموماً.

فترامب ستكون له قمم على جانب كبير من الاهمية أولاً مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وثانياً مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وثالثاً مع الملوك والرؤساء العرب وكذلك مع ملوك ورؤساء دول منظمة التعاون الاسلامي، ويقول متابعون إنّ هذه القمم يُراد منها تشكيل تحالف عربي ـ إسلامي لهدف تقليص النفوذ الايراني المتعاظم في المنطقة والتمهيد للشروع في إيجاد حلول للأزمات الاقليمية المتفجرة، إذ انّ الرياض وحليفاتها من الدول العربية والاسرمية والغربية تعتبر انّ التدخّل الايراني في هذه الازمات من سوريا الى العراق والبحرين واليمن فضلاً عن لبنان وفلسطين هو الذي يزيد هذه الازمات تعقيداً ويعوق إيجاد المعالجات اللازمة لها.

ولعل اللافت في هذا المجال انّ زيارة ترامب للسعودية تأتي في ذروة التصعيد السياسي السائد هذه الايام بين الرياض وطهران. ويؤكد المتابعون لهذه الزيارة انّ البحث في اعتماد خيارات عسكرية ضد طهران لن يغيب عن القمم التي سيعقدها، خصوصاً في ضوء ما أُبرم ويبرم من صفقات أسلحة بين المملكة والولايات المتحدة الاميركية وكذلك بين الأخيرة وبقية دول الخليج العربي، وكذلك الصفقة التي أُبرمت بين الرياض وانقرة، وتبلغ قيمة هذه الصفقات مئات المليارات من الدولارات.

ولكنّ هؤلاء المتابعين يؤكدون انّ التعاطي مع ايران بعد قمم الرياض سيكون في المرحلة الاولى ديبلوماسياً وسياسياً بغية التوصّل الى اتفاق معها على حدود نفوذها ومصالحها في المنطقة وعلى وقف تدخّلها في شؤون الدول العربية الخليجية والمشرقية وغيرها.

بل انّ قمم الرياض الاميركية ـ السعودية ـ العربية ـ الاسلامية ستتوخى بالدرجة الاولى الضغط على ايران عربياً واسلامياً لوقف تدخلها في أزمات المنطقة، حتى اذا لم تتراجع وتتوصّل الى اتفاق مع دول هذا التحالف يمكن عندئذ اللجوء الى خيارات عسكرية ضدها في الساحات التي تتدخل فيها.

والبعض يتحدث في هذا المجال ان يكون من بين الخيارات استهداف ما يسمّيه البعض «الأذرع الإيرانية» في المنطقة، وهذه الأذرع، في رأي واشنطن والرياض وحلفائهما، هي «حزب الله» اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي، وحركة «أنصار الله» الحوثية في اليمن.

وفي ايّ حال فإنّ المنطقة ستكون على موعد مع مشهد جديد نهاية الشهر الجاري بعد تبلور نتائج قمم الرياض، وربما يكون بعض الافرقاء السياسيين في لبنان قد قرّر التمهّل في حسم موقفه النهائي من قانون الانتخاب في انتظار تلك النتائج وما ستكون لها من انعكاسات على لبنان والمنطقة عموماً.