المتحمّسون للمشروع التأهيلي، قدموه في الساعات الأخيرة وكأنه عبَر فوق كل المشاريع والأفكار والصيَغ الإنتخابية الأخرى، وصار أمراً واقعاً وملزماً للقوى السياسية كلّها، سواءٌ المؤيّدة له أو المعترضة عليه
 

فجأةً صار هذا «التأهيلي» عنوانَ الحركة السياسية، كان حتى ما قبل أيامٍ قليلة مركوناً على رفّ الخلافات العميقة حوله، ولكن بلا أية مقدّمات أنزله المتحمّسون عن الرفّ، ورفعوا أسهمه وسوّقوه وكأنه المفتاحُ الوحيد للقفل الانتخابي. أكثر من ذلك، بلغت حماسة بعضهم حدَّ تسويقه كمشروع مُنزَل على طريقة «كُنْ فيكون»!

السؤال البديهي: هل التأهيلي كذلك؟ وهل يتمتع بقوة الدفع وبالمقوّمات التي تجعل منه أهلاً لكي يُعتبر مفتاحاً وحيداً للقفل الانتخابي، وبالتالي يحوِّل وجهة السير الانتخابية في الاتجاه الذي يريده المتحمّسون؟أم أنه مجرّد «نوبة موقتة» أشبه بـ«كريزا إنتخابية» سرعان ما سينتهي مفعولُها وتذوب؟

الرئيس سعد الحريري قال إنه مع التأهيلي، مع أنه كان حتى أيام قليلة مضت ضده، ولاقى رئيسَ الجمهورية ميشال عون برفض التمديد لمجلس النواب.

وبموقفه هذا أسعد التيارَ الوطني الحر ورئيسَه جبران باسيل على وجه الخصوص، وكذلك القوات اللبنانية، خصوصاً أنه من جهة يماشيهما في مشروع متفاهمَين عليه، ومن جهة ثانية أنه بموقفه هذا يقطع الطريق أمام انعقاد جلسة مجلس النواب المحدَّدة في 15 أيار المقبل.

ولكن ماذا عن الآخرين؟ وهل إنّ الحكاية الانتخابية تنتهي بمجرد موافقة الحريري على «التأهيلي»، وهل هذه الموافقة تعني أنّ هذا المشروع هو الذي سيُعتمد حتماً كأساس للانتخابات النيابية المقبلة؟

من السذاجة الاعتقاد أنّ الحكاية تنتهي هنا، ذلك أنّ واقع الحال الداخلي يشي بحقيقة أنّ الطريق الانتخابي ما يزال طويلاً، والتحوّلُ في المواقف تارةً برفض صيَغ معيّنة وتارةً أخرى بتأييد الصيَغ المرفوضة يقدِّم شهادةً صريحة على الإرباك السياسي الذي يعتري الملف الانتخابي.

فإنّ هذا التحوّلَ لن يقصّر هذا الطريق، بل سيعقّده أكثر، خصوصاً وأنّ العوائق الجوهرية فيه أكثر من أن تُحصى، وتتجلّى في ما يلي:

- موقف الرئيس نبيه بري، الذي قال كلمته في هذا الموضوع: «التأهيلي» مخالف للدستور، ولا يمكن أن أقبل به على الاطلاق». ورمى كرة القانون مجدّداً في اتجاه المتحمّسين القدامى للتأهيلي أو المتحمّسين الجدد، وكل الآخرين عبر تسليمهم صيغة انتخابية أعدّها قائمةً على النسبية، مقرونةً بمشروع إنشاء مجلس الشيوخ. فهذا في رأي بري هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، وليس عبر صيَغ كالتأهيلي الذي لا يلبّي مصلحة البلد، وبالتالي أنا طويت صفحته وأكثر من ذلك، لا أرى أنه موجود أو أنّ له مكاناً».

- محاولة بعض المتحمّسين فرض التأهيلي على سائر الأطراف، عبر الدفع في اتجاه التصويت عليه في مجلس الوزراء. والسؤال هنا كيف سيعبر التأهيلي أو أيّ مشروع في مجلس الوزراء من دون توافق، أو بالتصويت، فمَن يضمن في هذه الحالة النتائج والعواقب، خصوصاً أنّ هذا الأمر دونه مخاطر كبرى أقلها إشعار قوى معيّنة بالقهر أو العزل أو الإقصاء. وهي مخاطر يستشعر بها بري فيقول جازماً «لن يمرّ أيّ قانون انتخابي من دون توافق حوله من قبل الجميع، ولن يكون هناك تصويت في مجلس الوزراء أيّاً كان القانون».

- إنّ قُدِّر لهذا التأهيلي أن يصلَ الى مجلس النواب تمّ التصويت عليه، فمَن يضمن إجراء الانتخابات على أساسه، ومتى؟ ثم هل سيكون في منأى عن الطعن فيه أمام المجلس الدستوري من قبل المعترضين عليه، لمخالفته الدستور وعدم مساواته بين اللبنانيين. بحيث إنه في مرحلة التأهيل يتيح الانتخاب لبعضهم ويمنعه عن البعض الآخر وكأن لا صوت لهم. وماذا لو أخذ المجلس الدستوري بالطعن وأبطل القانون التأهيلي. فما العمل حينذاك، وكيف ستجرى الانتخابات بعد ذلك، وعلى أساس أيّ قانون؟

- الجبهة الاعتراضية العريضة على المشروع التأهيلي، التي تمتد من بري الى «حزب الله» الى سليمان فرنجية، الى طلال أرسلان، الى سامي الجميل، الى نجيب ميقاتي، الى فريد مكاري صاحب مقولة إنّ «التأهيلي يُعيدنا الى أيام التمييز العنصري»، وآخرين كثر، وصولاً الى وليد جنبلاط. فكيف سيتمّ تجاوزُ هذه الجبهة، لا بل هل في الإمكان تجاوزها؟

في «زمن التأهيلي» قال الرئيس الحريري من القصر الجمهوري إنه سيدعو الى جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل تحت العنوان الانتخابي. والسؤال من أين سيبدأ البحث.

وفي «زمن التأهيلي» لن يكون مفاجِئاً إن ارتفع صوت وليد جنبلاط أكثر من أيّ وقتٍ مضى. وخصوصاً أنّ ثمّة قوى مصرّة على المزايدة وسلوك المنحى الإستعلائي والفوقي واللاتوافق الانتخابي.

قبل يومين وجّه جنبلاط تغريدات لاذعة الى تيار المستقبل والتيار الوطني الحر. وفي مناسبة إعادة إحياء التأهيلي فإنّ أوساطاً قريبة منه تؤكد على الآتي:

- كنا ضد التأهيلي وما زلنا ضده وسنبقى كذلك ولن نغيّر كما يفعل البعض، كونه مشروعاً يؤدي الى تفتيت البلد. وقد سبق لنا أن حذّرنا من ذلك وهذه الحقيقة أو النتيجة الخطيرة تتبدى في الموجة الاعتراضية الكبيرة التي تواجهه من قبل شريحة سياسية واسعة ومتنوّعة.

- نسمع همساً عن تحضيرات للتصويت على المشروع الانتخابي (التأهيلي أو غيره) في مجلس الوزراء. فللتذكير فقط أنهم كلهم من دون استثناء قالوا إنّ قانون الانتخاب يحتاج الى توافقٍ بين مكوِّنات البلاد، ولا يستطيع أحد أن يفرض شرطاً أو مشروعاً على غيره.

فما الذي تغيّر الآن، قبل اسبوع كانت هناك مكوِّنات لها وزنها، والآن لم يعد لها وزن، كيف ذلك، وما الذي تغيّر في البلد من أسبوع الى اليوم. ثمّ إنّ قانون الانتخاب هو موضوع سياسي كبير جداً يحتاج الى توافق كلّي، فجاةً يتم التعاطي معه وكأنه بندٌ عادي على جدول أعمال مجلس الوزراء مثل قبول هبة أو تعيين موظف أو قرار بشق طريق أو ما شابه ذلك من بنود ويُطرَح للتصويت عليه هكذا بكل خفة دون الأخذ في الاعتبار كلّ مكوّنات البلد، ودون النظر الى عواقب وتداعيات وارتدادات هذه الخطوة الخطيرة.

- زنار النار يحيط بنا، ويقترب منا، وما يجرى في المنطقة خطير علينا، والاستهدافات أكبر علينا، ويأتيك مَن يتصرّف بحالة انعدام وزن بالكامل وبخفة.

والكل عالقون في زواريب لفوق آذانهم، وبحسابات صغيرة، وبين دواليب الشاحنات وتحت أكوام النفايات وملبّكون لا يعرفون كيف يعالجون أيّاً منها، ثمّ يأتيك مَن يطرح قانون انتخاب من طرفٍ واحد، ويقول فلنفرضه على الآخرين... فقليل من التواضع يا إخوان».