تلوح في الأفق مؤشّرات على اشتباك سياسي يُخشى وقوعه بين الرئاستين الأولى والثانية حول الاستحقاق النيابي تمديداً وقانوناً وانتخاباً كلّما اقترب موعد انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل وقبله موعد جلسة 15 أيار وانتهاء فترة الشهر التي جمَّد فيها رئيس الجمهورية جلسات المجلس استناداً إلى المادة 59 من الدستور.
 

فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أسقَط قانون الستّين من لاءاته، مؤكّداً أن لا تمديد لمجلس النواب ولا فراغ، ارتضى مداورةً في أن يكون هذا «الستين» مخرجاً لإنجاز الاستحقاق النيابي لتعذّرِ الاتفاق على قانون جديد، إذ إنّه لا يريد لهذا المجلس النيابي أن يمدّد لنفسه مرّةً جديدة لأيّ مدّة كانت، وإنّما يريد له أن تنتهي ولايتُه الممدّدة في 20 حزيران، ليصبح متاحاً وملِحّاً عندئذٍ أن تبادر الحكومة إلى إجراء الانتخابات سريعاً لملء الشغور النيابي بالاستناد إلى المادتين 24 و74 من الدستور.

في حين أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وتلافياً لأيّ فراغ يريد أن يجتمع المجلس ويمدّد لنفسِه لفترة محدّدة يُصار خلالها إلى إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، أي الستّين، في حال ظلّ الاتّفاق على قانون جديد متعذّراً.

ولذلك فإنّ بري يعمل لأن تكون الجلسة المقرّرة في 15 أيار المقبل حاسمةً في اتّجاه إقرار التمديد، حتى إذا حصل أيّ طارئ يكون أمام المسؤولين فترة الـ 35 يوماً المتبقّية من ولاية المجلس حتى 20 حزيران لاتّخاذ كلّ الإجراءات والخطوات اللازمة لمنعِ دخول البلاد في فراغ نيابي قد لا تُحمد عقباه، لأن ليس في الدستور ما يشير إلى إجراءات معنية يمكن اتّخاذها لتلافي الفراغ في حال انتهت الولاية النيابية من دون انتخاب مجلس نيابي جديد.

ولذلك يؤكّد مشاركون كبار في ورشة الاستحقاق النيابي أنّ أفرقاء مؤثّرين ينشطون من الآن وفي غير اتّجاه لمنعِ وقوع هذا «الاشتباك الرئاسي»، إذا جاز التعبير، وتأمين إمرار الاستحقاق النيابي من خلال مخرج لا يُحرِج أحداً، ولا يُحرج تحديداً أياً من الرئاسات ويُخرجها، لأنّ البلاد لا تتحمّل مزيداً من الأزمات والخضّات.

فالمواقف السائدة إزاء الاستحقاق النيابي لا تبعَث على التفاؤل حتى الآن بحصول اتفاق على قانون انتخابي جديد، بل إنّها تشي بصيرورة هذا الاستحقاق إلى الإنجاز على أساس قانون الانتخاب النافذ، أي قانون الستّين، لأنّ بعض الأفرقاء السياسيّين الأساسيين في السلطة وخارجها يريدون ذلك بدليل تغيُّرِ مواقفِهم من كلّ صيغة تُطرح لقانون الانتخاب العتيد بين ليلة وضحاها، فما إن يوافقون عليها اليوم، ثمّ «يخلون إلى شياطينهم» حتى يغيّروا مواقفَهم منها في اليوم التالي، والسِجلّ في هذا المضمار بات حافلاً منذ انتخابات عام 2009 وحتى الآن، إذ لم يُكتب لأيّ صيغة انتخابية طُرِحت النفاذ، وبات يَبلغ عددها أكثر من خمسين صيغة، والفشل لا سببَ له ولا تفسير سوى أنّ بعض الأفرقاء المؤثّرين ما زالوا يجدون في قانون الستين ضالّتهم، وهم كانوا قد أحيوه في مؤتمر الدوحة 2008، وخاضوا انتخابات 2009 على أساسه، وما زال نافذاً حتى الآن.

على أنّ آخر الصيَغ التي انهارت، أو هي قيد الانهيار، كانت صيغة القانون التأهيلي التي قيل إنّ اللقاءَين الرباعيَين في منزل الوزير جبران باسيل ومن ثمّ في مكتبه في وزارة الخارجية قد أنتجاها، وهي تقضي بأن تُجرى الانتخابات على مرحلتين؛ الأولى على أساس القضاء وتكون تأهيلية وطائفية مسيحية وإسلامية وليس مذهبية، فيتأهل الأول والثاني من الفائزين عن كلّ مقعد نيابي لهذه الطائفة أو تلك للانتخابات في مرحلتها الثانية على أساس النظام النسبي باعتماد لبنان 10 دوائر انتخابية كبرى.

وقد لحَظت هذه الصيغة اعتماد الصوت التفضيلي على أساس المحافظة وأُقرنت بناءً على اقتراح باسيل أن يتمّ الاتفاق على إنشاء مجلس للشيوخ تُسنَد رئاسته إلى المسيحيين، بما يُطمئنهم، وتعهَّد باسيل بأنّه في حال الاتفاق على هذا المجلس خلال فترة الستة أشهر التي تمدَّد فيها ولاية مجلس النواب تمهيداً لإجراء الانتخابات يتمّ إلغاء التأهيل على أساس القضاء والذهاب إلى انتخابات على أساس النظام النسبي كلّياً في الدوائر العشرة الكبرى التي تُحدّدها هذه الصيغة.

ولكن في الوقت الذي أبدى «حزب الله» تأييدَه هذه الصيغة شرط أن لا يعترض عليها أيّ مكوّن سياسي وازن في البلد، سَقطت لاعتراضِ تيار «المستقبل» عليها مطالباً بأن يكون التأهيل للمرشّحين الثلاثة الأوائل، ثمّ اعترَضت عليها حركة «أمل»، وقبلها اعترضَت «القوات اللبنانية» التي تعهَّد باسيل لنظرائه في اللجنة الرباعية بإقناعها بها. كذلك فإنّ الحزب التقدمي الاشتراكي اعترَض على هذا المشروع التأهيلي، وطرَح قبل أيام مشروعَه الذي يناصف في اعتماد النظامين الأكثري والنسبي.

لكن يبدو أنّ إنشاءَ مجلس الشيوخ الذي اقترَحه باسيل كان سبباً إضافياً من أسباب انهيار المشروع التأهيلي أو تعثّرِه، على رغم اقتراح البعض أن تكون رئاسته مداورةً بين المسيحيين والمسلمين. فرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط وقيادات الطائفة الدرزية عموماً يريدون أن يكون رئيس هذا المجلس درزياً، وذلك بالاستناد إلى المناقشات التي جرت خلال مؤتمر النواب في السعودية عام 1989 الذي أنتج «اتفاق الطائف». لكنّ المسيحيين يريدون أن يكون رئيس هذا المجلس مسيحياً، تطبيقاً للمناصفة المعمول بها بين المسيحيين والمسلمين.

ولذلك، وبعد إعلان الرئيس سعد الحريري أمس عدم مشاركته في جلسة التمديد في 15 أيار المقبل، وأنه لا يريد التمديد ولا يريد الفراغ، هو موقف كان قد أبلغَه إلى بري قبل أيام من خلال الوزير على حسن خليل، فإنّ ذلك يدلّ إلى أنّ الأزمة بدأت تشتدّ، إمّا لتنفرج قبل 15 أيار أو لتنفجر بعده.

فالانفراج ينبغي أن يكون الاتفاق على قانون انتخابي أو على مخرج للاستحقاق النيابي، أمّا الانفجار فسيكون دخولَ البلاد في فراغ نيابي قد يضع البلاد أمام احتمالات شتّى قد لا تُحمد عقباها.