توقّفَ التفاوض على قانون الانتخاب بين حزب الله وبين الوزير جبران باسيل، لوصول الصيَغ الانتخابية إلى طريق مسدود، وابتعاد «التيار الوطني الحر» عن النسبية الكاملة التي ينادي بها «الحزب»، بعدما كانت أبرزَ طروحاته حتى الآونة الأخيرة، فباتَ الوقوف على رأي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضرورياً لبتِّ مصير القانون والاستحقاق النيابي برُمَّته.
 

يؤكّد أحد الخبَراء العاملين على استيلاد القانون الانتخابي أن لا جديد طرَأ على هذا الصعيد، وذلك في انتظار ما سيؤول إليه المسار الجديد القاضي بنقلِ الملف الانتخابي من المجلس النيابي إلى الحكومة، فإذا لم يتحقّق تقدّم في هذا الصَدد، فإنّ البلد سيقارب بعد منتصف نيسان الجاري أزمةً سياسية هي الأسوأ، بحيث إنّها ستهدّد بحصول فراغ في السلطة التشريعية إذا لم يتمّ تدارُكها قبل انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل.

ومِن هنا منبع قلقِ رئيس مجلس النواب نبيه بري من احتمال الوصول إلى فراغ نيابي، إذ إنه لا يَطمئنّ لمواقف بعض الأفرقاء ولا يَركن لمواقف أطراف آخرين، ما يَدفعه إلى رفعِ الصوت بنحوٍ شِبه يومي محَذّراً ومنبِّهاً من خطورة الوصول إلى فراغ نيابي، علماً أنّ كثيرين يعتقدون أنّ مثلَ هذا الفراغ لن يحصل وأنّ المجلس النيابي هو «سيّد نفسِه» ويمكنه الاجتماع في الوقت المناسب ويقِرّ تمديد ولايتِه لتأمين استمرار العمل في المرفق العام، فكيف إذا كان هذا المرفق هو مصدر كلّ السلطات.

ويرى هذا الخبير أنّ باب الضوء الوحيد الذي يَبعث على التفاؤل بإمكان الاتّفاق على قانون للانتخاب، هو أنّ دائرة النسبية تتّسع شيئاً فشيئاً، فعضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر دعا أخيراً إلى تبنّي مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القاضي باعتماد النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة انتخابية، وذلك عملاً بمبدأ أنّ «الحكم استمرار». ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل دعا إلى اعتماد مشروع بكركي القائل باعتماد لبنان 15 دائرة انتخابية على أساس النسبية.

وحزب الله وحركة «أمل» كانا ولا يزالان يَطرحان اعتماد لبنان دائرة واحدة أو خمسة دوائر أو دوائر متوسّطة على أساس النسبية الكاملة، على الرغم من أنّ بري عاد إلى طرح مشروعِه المختلط القائم على انتخاب نصفِ أعضاء المجلس على الأساس النسبي والنصف الآخر على أساس النظام الأكثري، وذلك ردّاً على الصيغة الأخيرة التي طرَحها باسيل وطروحات أفرقاء آخرين بدأوا يرفضون النسبية الكاملة.

ولذلك يرى الخبير نفسُه أنّ «التيار الوطني الحر» بات عليه أن يبادر قبل منتصف الشهر الجاري في اتجاه النسبية، فينفرج الوضع وتسير الامور في اتجاه بلورة القانون الانتخابي. وكذلك «القوات اللبنانية» التي كانت ابلغت الى اللجنة الرباعية مرات عدة عبر النائب جورج عدوان انها تؤيد النسبية الكاملة وعلى اساس اعتماد لبنان 14 دائرة، اذ إن «القوات» كانت جزءاً من اتفاق بكركي على قانون الدوائر الخمس عشرة.

كلّ هذه المواقف تشير إلى أنّ فرَص اعتماد النظام النسبي تتّسع وفرَص المشروع الذي اقترَحه باسيل تتضاءَل، خصوصاً أنّ القوى السياسية على اختلافها بدأت تفصِح شيئاً فشيئاً عن رفضها لهذا المشروع.

ولقد وصَل التفاوض على مشروع باسيل، خصوصاً بينه وبين «حزب الله»، إلى طريق مسدود، فالرَجل قدَّم آخِر صيغةٍ لديه وتمسَّك بها، لكنّ الحزب وحلفاءَه رفضوها، ففوجئ بهذا الرفض ولم يغيّر باسيل أو يبدّل، لاقتناعٍ تكوَّن لديه مفادُه أنّ اعتماد النسبية يضرّ تيّاره انتخابياً، ولا مصلحة له فيها.

فقد طرَح باسيل صيغةً لقانون انتخابي مختلط بين النظامين الأكثري والنسبي، تقتضي بانتخاب 69 نائباً على أساس النظام النسبي و59 نائباً على أساس النظام الأكثري، بحيث تعتمد المحافظة دائرةً انتخابية واحدة وأن يكون انتخاب النواب المسيحيين على أساس طائفي، وانتخاب النواب المسلمين على أساس مذهبي، وأن يعتمد «الصوت التفضيلي» في القضاء لا في المحافظة.

وإذ فوجئ باسيل بعدمِ قبول حزب الله وحلفائه هذه الصيغة، فوجئ الحزب في المقابل بتراجُع باسيل عن القبول بالنسبية التي كان قابلاً بها، ووضَع بعضَ الصيغ الانتخابية على هديِها، مبرّراً هذا التراجع بدراسةٍ أجراها حول اعتماد النسبية الكاملة وأظهرَت أنّها لا تمكّن التيار من الفوز بالمقاعد النيابية التي يَطمح إليها، أو إنّها لا تُمكّن المسيحيين من انتخاب الغالبية الساحقة من النواب المسيحيين في كنفِهم.

ويقول بعض الذين اعترضوا على مشروع باسيل، إنّ طرحَه هذا يأخذه أكثر فأكثر في الموقف إلى جانب «القوات اللبنانية» التي تعارض النسبية وتعتبرها في غير مصلحة المسيحيين وتؤدّي إلى ما تسمّيه «الديموقراطية العددية».

وفي الوقت نفسه فإنّ تيار «المستقبل» الذي يُمرّر من حين إلى آخر أنّه يَقبل أو على استعداد للقبول بالنسبية، قد يبتعد عنها بمجرّد عدمِ حصول توافق عليها بين حزب الله و«التيار الوطني الحر»، ليعود إلى موقفه الأصلي وهو التمسّك بمشروع القانون المختلط الذي كان قد صاغه و«القوات اللبنانية» والحزب التقدّمي الاشتراكي، وهو مشروع يُمكّنهم من الفوز بالأكثرية النيابية.

علماً أنّ «الاشتراكي» يظهر غالباً وفي ضوء الطروحات الانتخابية المتداولة كمن يقف على تلّة ينتظر كيف ستميل دفّة القانون الانتخابي ليميلَ معها، فهو مع النسبية إذا قبل بها الحريري، وبالعكس، وهمُّه الأساسي كان ويبقى أن يكون الشوف وعاليه دائرةً انتخابية واحدة في أيّ قانون انتخاب يُتّفَق عليه.

ولأنّ التفاوض وصَل إلى طريق مسدود، بتقديم باسيل آخر ما لديه، وبات غيرَ قابلٍ باعتماد النسبية كلّياً، قرّر الحزب في هذه الحال اللقاءَ مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، (ربّما انعَقد هذا اللقاء اليوم)، وذلك للوقوف على رأيه في القانون الانتخابي، خصوصاً أنه أعلن مراراً وتكراراً تأييدَه اعتماد النسبية الكاملة، بما يؤمّن التمثيلَ النيابي الشامل ويَمنع ذوبانَ الأقلّيات في الأكثريات، خلافاً لطروحات باسيل التي تحيد عنها وتطرح علامات استفهام لدى البعض حول أبعادها والخلفيات.

لذلك، يسأل سياسيّون هل أن تمسّك باسيل في رفضه المستجد للنسبية يترك لرئيس الجمهورية الكلمة الفصل في قانون الإنتخاب، وهل أنّ عون سيبلغ هذه الكلمة لوفد «حزب الله» عندما سيلتقيه اليوم على الأرجح؟