لم يكن الإشكال الذي حصل بين هولندا وتركيا الأول من نوعه ولن يكون الأخير.
 


فهو يأتي ضمن سلسلة من الأحداث المتراكمة التي ساهمت في رسم الصورة النمطية للعلاقات الأوروبية التركية منذ قيام الإمبراطورية العثمانية وسقوطها لاحقا حتى صعود نجم تركيا " أتاتورك " وصولا لتركيا " أردوغان " حاليا.
وثمة نقاش يدور في الأوساط الأوروبية والتركية عن أسباب هذا التوتر الدائم في العلاقات ما بين تركيا وأوروبا، ولا شك أن للماضي وتأثيراته والدور الذي لعبته السلطنة العثمانية داخل أوروبا في فترة من الفترات  أثر كبير على المستوى النفسي بالدرجة الأولى لشكل هذه العلاقة.

إقرأ أيضا : أردوغان: هولندا ستدفع ثمن إطلاقها الكلاب على الأتراك
وأبرز برهان لهذا الهاجس والخوف هو ما صرح به زعيم اليمين الهولندي إتجاه تركيا " أردوغان " والتي عبر فيها عن هواجس الأوروبيين الحقيقية.

 

 

ماذا تريد أوروبا؟

يأتي في طليعة هذه الهواجس الاوروبية الخوف من " الإسلام " ونموه في القارة العجوز.
فمع تسلم رجب طيب أردوغان مقاليد الحكم في تركيا رفع لواء الدفاع عن الإسلام داخل وخارج البلاد وإتخذ إجراءات هددت من عرش  العلمانية في تركيا ما إستفز النسيج الإجتماعي والسياسي والعسكري في بلاده.
لكن هذا الإستفزاز سيجد له صدى في أروقة أوروبا الرافضة لإنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي.
والمسألة ليست مسألة شروط عضوية للإتحاد تتمتع أو لا تتمتع بها تركيا فلو كانت المسألة فقط هكذا لكانت تركيا عضو في الإتحاد حاليا ذلك أنها تتمتع بكافة الشروط المؤهلة لها للإنضمام، فهي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمالي الأطلسي NATO  ومن ضمن أول 20 إقتصاد على اللائحة العالمية " المجموعة 20 "  G20 ، إضافة إلى تمتعها بنظام ديمقراطي رغم بعض الشوائب التي حصلت خصوصا بعد الإنقلاب الفاشل في الصيف الماضي.

إقرأ أيضا : رئيس وزراء هولندا: نتمتع بحرية التعبير ولكن لا يمكننا قبول التهديدات
وعليه، يبقى هاجس الأوروبيين هو من الكتلة البشرية لتركيا في حال إنضمت إلى أوروبا في ظل مشروع إسلامي يتبناه أردوغان بكل وضوح وهذه الكتلة البشرية ستحدد في حال تم قبول تركيا بالإتحاد عدد أعضاء الجمهورية لاحقا في البرلمان الأوروبي وبضوء هكذا متغيرات ستصبح تركيا ثاني أكبر دولة في الإتحاد بعد ألمانيا مع خروج المملكة المتحدة منه.
فيخشى الأوروبيون أن تتأثر طبيعة مجتمعاتهم وبناهم الفكرية والثقافية بالإسلام في حال إنضمت تركيا " أردوغان " إلى أوروبا ما سينعكس على مفاهيم " العلمانية " و " المواطنة " و " الحرية " و " الديمقراطية " وهذه مفاهيم تفتخر بها أوروبا وتباهي بها العالم.

هولندا وألمانيا تصعدان بوجه أردوغان:

ضمن هذا السياق والفهم لطبيعة الأحداث، يمكن الإستنتاج بأن الإجراءات التي قامت بها كل من هولندا وألمانيا ضد تركيا من خلال منع تنظيم مهرجانات مؤيدة لإستفتاء الحكومة التركية لإجراء تعديلات دستورية لصالح النظام الرئاسي أو منع وزراء أتراك من دخول بلدان أوروبية كما حصل في هولندا وما إستتبعه من إتهامات لأردوغان ضد هولندا والمانيا وأوروبا بأنهم نازيون وفاشيون وضد الإسلام وإتهام أوروبي لأردوغان بأنه ديكتاتور ويسعى لنظام الحكم الواحد، يمكن إستنتاج أن هذه الجولة من الصراع هي للتعبير بأن أوروبا وتركيا لم تستطيعا التخلص بعد من آثار الماضي والتاريخ.

إقرأ أيضا : حكومة هولندا ترفض الاعتذار لسلطات تركيا: لن نرد بالمثل بشأن العقوبات
وإن كانت المظلومية التي يعاني منها المسلمون يعبر عنها اليوم بشخص رجب طيب أردوغان فإن الهواجس الاوروبية تتمظهر إلى العلن عبر إكتساح اليمين المتطرف لحكومات أوروبا وقبلها أميركا.
هذه المعضلة في زمن صراع الهويات والقوميات والحدود الضائعة والإرهاب المتفلت تنذر بموجات تطرف ستحدد مسار العلاقات التركية- الاوروبية.
ويبدو أن القرار في أوروبا هو مواجهة أردوغان حتى النهاية أما الأخير فلن يسكت.