عندما تصطدم الأحزاب الوطنية والإسلامية بإستحقاقات صعبة تعود إلى جمهورها
 

أولاً: جماهير الحركة الوطنية

في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بدأ الوهنُ يدبُّ في أوصال الحركة الوطنية اللبنانية بفصائلها كافة، وكان العامل الفلسطيني قد أمعن في إضعافها لحساباته الخاصة، أدرك بعض قادتها مدى القصور الذي أصاب بُنيتها وتنظيماتها، واتّساع الهُوّة بين القيادات والكوادر وجماهير الحركة، ممّا اضطّر بعض الغيارى من القيادات الشيوعية على رفع الصوت عالياً بضرورة تصحيح المسارات، وتصويب الأهداف، والتأكيد على بثّ الروح النضالية في صفوف المناضلين، وساد في تلك الحقبة شعار ضرورة "استنهاض تيار الحركة الوطنية اللبنانية" من كبوتها.

إقرأ أيضا : على هامش تظاهرة الشيوعي بالنبطية

ثانياً: معضلات الثنائية الشيعية

أ- حركة أمل:

لا تعاني حركة أمل من اضطراب فكري وايديولوجي ونضالي بين صفوفها، فقد استكان قادتها في مواقع الدولة التي ينهشها الفساد، وأدمنوا التّنعم بمباهج المال والسلطة، فباتوا من الرأس حتى القاعدة، لا يلزمهم غزوٌ ولا نضال ، ولا رعاية محرومين ولا من يحزنون، ولعلّ أفضل ما يُلخّص موقع الحركة هذه الأيام في المعترك السياسي اللبناني: "مكانك تُحمدي أو تستريحي".

إقرأ أيضا : التطرف الشيعي

ب- حزب الله:

حزب الله حزب تنظيمي ذو بنية عسكرية صلبة، تطغى مهامها على باقي المهام التنظيمية والتعليمية والخدماتية والانمائية ، ومع ذلك فهو حزب عقائدي يلتزم بعقائد أهل بيت النبي، ويرتبط هذا المعتقد بولي الأمر والفقه في إيران. لذا يبقى في مسيرته " النضالية" مضطراً لمراجعة السلوكيات القيمية والأخلاقية والدينية المرتبطة بمذهب آل البيت، ذلك أنّ الحزب يستمد فائض القوة الذي يتمتّع به (فضلاً عن المدد الإيراني طبعاً) من الجماهير الحاضنة، وهو مضطر يومياً وعلى مدار الساعة لتبرير نهجه وسياساته ومعاركه على كافة الصعد، نظراً للكلفة الباهظة التي تُرتّبها حروبه المتتابعة، وأبرز مثالٍ على ذلك التدخل العسكري في سوريا، فقد بدا خجولا ومتردداً في بدايته، وأطلق الحزب تبريرات عدّة كان من أبرزها حماية مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق، وتطور الأمر إلى حماية الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سوريا، ليستقر أخيرا على ضرورة محاربة جماعات التكفير والإرهاب، في حين كان الهدف المضمر تنفيذ التوجهات الإيرانية للحفاظ على نظام بشار الأسد، وما زالت حرب تموز ٢٠٠٦ ماثلة للاذهان، ففي سبيل الردع اللازم في حرب غير متكافئة، يدفع المدنيون (البيئة الحاضنة) خسائر باهظة في الأنفس والمساكن والمزروعات والطرق ومرافق الإنتاج، ويتطلب كل ذلك التضامن غير المشروط مع الجزء المُصاب من الأهالي،والواقفين على حدود دقيقة ومشتبهة بين الولاية المذهبية الانفصالية (إيران) وبين المواطنية السياسية والمشتركة مع الدولة اللبنانية.

إقرأ أيضا : مذابح إسلامية بحقّ البشر والحجر

ثالثاً: بداية الإعلان عن "استنهاض" تيار المقاومة

يسعى حزب الله عند كل منعطف جديد (احتمال الإنسحاب من سوريا، إدارة أميركية جديدة، الاشتباك مع العدو الإسرائيلي) للإعلان عن "ورشات" تنظيمية داخلية لتجاوز الصعاب ومعالجة الثغرات ورصّ الصفوف، وطمأنة البيئة الحاضنة على سلامة المقاومة وجهوزيتها  واستعدادها لدحر العدو الصهيوني، الذي عجزت عنه الأمة العربية قاطبة ومن ورائها الأمة الإسلامية جمعاء، ولا يتمّ ذلك ويتحقق إلاّ باستنهاض "المستضعفين" الذين أضحوا أقوياء بفضل "المقاومة"، وما عليهم سوى الإذعان وحضانة تنظيمهم المذهبي في الضرّاء خاصة، وإن عادت عليهم نزعاته بالويلات.

إقرأ أيضا : عروبة غبّ الطلب وعروبة هُلامية

ومع ذلك فالتاريخ يُعلّمنا أنّ من يكبو قلّما ينهض، من النكسة الناصرية، إلى نكبات البعث، إلى الحركة الوطنية اللبنانية، إلى ١٤ آذار ،وربما إلى خلافة أبي بكر البغدادي، ومن تُكتب له الحياة لا بدّ أن يشهد إرهاصات نشوء الدولة الوطنية الديمقراطية، التي عليها أن تضطلع أولاً بإزالة آثار الدمار الفظيع والثقيل الذي خلّفتهُ سياسة "الأجهزة المُستولية" على مقدّرات الوطن والمواطنين، وخلاف ذلك، لا أمل البتّة بثنائية شيعية أو ثنائية مارونية، أو أُحادية سُنّية، أو رئيس قوي من هنا، أو رئيس ضعيف من هناك.