هل أصبحت العروبة ذريعة للقضاء على طموحات الشعوب العربية بالعيش الكريم؟
 

أولاً: مفاهيم عدّة للعروبة

يُعيب البعض على الذين تنادوا مؤخراً في لبنان لرفع أعلام العروبة فوق أعلام الطوائف بالقول أنّها عروبة غبّ الطلب، وكان السيد فضل شلق قد بلور مفهوماً جديداً للعروبة (أيام جريدة السفير)، فهو يحلم بعروبة بلا أنظمة، الأنظمة هي الاستبداد والتعسف والقهر والفقر والفساد والمديونية، أمّا الشعوب فهي الحرية والديموقراطية وحقّ العمل والكرامة البشرية، والعروبة لا تُزجّ في الصراع السياسي برأيه، ولا تُعرّفُ بالآخر ولا بالعداء للآخر.

إقرأ أيضا : أصابت إمرأة وأخطأ عمر، وأصابت إمرأة وأخطأ سماحة المفتي


 حسناً، إلاّ أنّ هذا التعريف الهلامي للعروبة، لا يعني اليوم أنّها في حرزٍ حريز، أو في أمانٍ كافٍ من أعداء العروبة في الداخل والخارج. فقد تعرّضت الحركة القومية العربية لهجوم مضاد إبان الحقبة الناصرية والبعثية امتدت حتى أواسط السبعينيات، وقاد الإخوان المسلمون جانبها الداخلي، أمّا الجانب الخارجي فقادته الدول الغربية، وحربتها الامامية كانت إسرائيل، ولعلّ هزيمة العرب عام ١٩٦٧  وتداعياتها كانت المفصل الحاسم في كسر الحركة القومية العربية ولجم اندفاعتها، وإجبارها على التراجع والتقوقع.

إقرأ أيضا : الشرق الأوسط الجديد الأميركي بمواجهة الشرق الأوسط الإسلامي الإيراني

 

ثانياً: بؤس العروبة مع بؤس القيّمين

أمّا اليوم ، فالناصرية تلاشت، وخفتت أصوات التابعين في الأمصار، والبعث انتهى نهاية مأساوية في العراق وسوريا ولبنان والأردن، والقائد معمر القذافي الذي كان يتباهى بلقب "أمين القومية العربية" بعد غياب عبد الناصر، انتهى هو الآخر نهاية مأساوية، أمّا الإسلامويون الذين يملأون الرحب من غزّة إلى مصر، إلى الجزيرة العربية والخليج وسوريا والعراق وليبيا وتونس، فلا يعرفون ،أو يعترفون، للعروبة مفهوماً أو معنىً ، ولا هدفاً ولا ولاء ، وهم غارقون في غياهب الشريعة والسُّنّة ، وتطبيقاتها المنحرفة والمقطوعة عن سياقها، والأمة العربية، إذا كان قد تبقّى ما ينطبق عليه هذا المفهوم، فهي مُمزّقة ومبعثرة، وتتقاذفها الحروب الأهلية،والتدخلات الخارجية، والتمزّقات المذهبية، وخلاصُها لا يتلخّص بقسمة ثنائية: أنظمة استبدادية وشعوب مقهورة، بل هي ما زالت كما كانت إبان الحقبة الناصرية تتعرض لنزيف داخلي يقوده التطرف الإسلامي وحركاته المشبوهة،وما بقي من ديكتاتوريات عسكرية، وهجوم خارجي مستمر من الغرب وربيبته إسرائيل، مُضافاً إليها اليوم مطامح الغزو الروسي المستجدّ، والغزو الإيراني المتواصل منذ أكثر من ثلاثة عقود، والذي ربما يحفظ سؤدد الفرس، إلاّ أنّه يُضيّع حتماً مجد العرب.