يراهن كثيرون على انفراط عقد الاتفاق ما بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" مع اقتراب موسم الانتخابات النيابية انطلاقاً من رغبة كل طرف في "تكبير" كتلته النيابية من منطلقات مختلفة لدى كليهما.

يحتاج "التيار الحر" الى كتلة نيابية وازنة لتحقيق انطلاقة جيدة للعهد، وتوفير الدعم لرئيس الجمهورية ميشال عون، ما يوفر له الحكم الى اليوم الاخير في ولايته الرئاسية بخلاف ما يحصل مع معظم الرؤساء في سنتهم الاخيرة، سواء الذين لا يتحصنون بكتلة نيابية فيصبحون اسرى الكتل الكبيرة، او الذين يملكون كتلة صغيرة لا تقدر على توفير الدعم الى الرمق الاخير للعهد. ولا يستبعد "التيار" امكان ترشيحه رئيسا جديدا بعد انتهاء ولاية عون، ويطمح الى ذلك "الوريث الشرعي" لعون الوزير جبران باسيل الذي يجهد للتحصن بكتلة كبيرة من المسيحيين مطعّمة بنواب من طوائف ومذاهب اخرى.
ولعل الطموح الرئاسي هو محط الخلاف المتوقع، اذ ان المشكلة تتمحور على خلافة عون، ما بين باسيل، ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع الذي سلك اولى الخطوات بالترشح في العام 2014، وأتم دينه بالاتفاق الثنائي المسيحي مع "التيار الوطني" ليلغي اعواما من الحروب والبغض والكراهية. وتفيد ارقام استطلاعات الرأي انه أحرز تقدما واسعا بعد الاتفاق المذكور، خصوصا في اوساط الشباب المسيحي الرافض للانقسام وتداعياته. ولم يكن ينقص جعجع الا الكتلة النيابية الوازنة التي سعى اليها منذ العام 2009، ولم يساعده في ذلك الحلفاء قبل الخصوم. لكنه اليوم يجد ضالته في المصالحة المسيحية التي اتفقت، في ما اتفقت عليه، على اقصاء المرشح القوي النائب سليمان فرنجيه، والذي قد يخرج من المعركة الرئاسية اذا حوصر انتخابيا في زغرتا، وقلصت كتلته النيابية، وعلى محاولة الغاء آخرين من المعادلة. يضع جعجع كل طاقاته حاليا من اجل الحصول على كتلة نيابية كبيرة، يتنافس عليها، كما على الرئاسة المقبلة، مع باسيل، ما يجعل التباعد في ما بينهما امراً ممكناً وإن لم يخرج الى العلن خلافاً يلحق الضرر بالطرفين معاً، ويعيدهما الى قفص الاتهام، ويجعلهما عرضة للاستفراد مجدداً. وما تأكيد الطرفين لمتانة الاتفاق الا الظاهر منه، ولا ينفي نقاط التباعد والاختلاف، التي يسعى كلاهما الى حصرها ضمن اطر مضبوطة.
لكن الحسابات الانتخابية، وتقاسم المقاعد المسيحية، ليست لعبة مسيحية فقط، اذ ان الشركاء في الوطن، يمكنهم التأثير في عدد كبير من المقاعد، بل تسمية من يشغلها من دون استشارة من يحسبون انفسهم وكلاء عليها. وهذه حال مقاعد في طرابلس وبعلبك - الهرمل، وربما زحلة والبقاع الغربي، وبعض الجنوب. وهذا امر واقع لا يمكن تخطيه وفق التقسيمات القائمة أقله، اذ يعمل الآخرون في المقابل على زيادة حصصهم، وعلى تنويع الانتماء المذهبي لكتلهم، ولهم حساباتهم الرئاسية ايضاً.