لا يشذّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل عن أقرانه رؤساء الاحزاب والكتل النيابية في لبنان. الفارق ان باسيل “دخل القصر مبارح العصر”، فيما الآخرون إما أبناء بيوتات سياسية وزعامات وإقطاعيات متوارثة، وإما تجذَّروا في المواقع والمصالح منذ زمن بعيد وحلّوا محل إقطاعيات زائلة، فأقاموا أحلافاً في ما بينهم وارتضوا الواقع وتكيَّفوا معه. باسيل ليس ابن سياسي، ولم يولد في بيت زعيم، ولم يكن إقطاعياً. دخل الى الحلبة من خارج التركيبة التي كانت قائمة، متأخراً بعض الشيء، لكن الظروف المحيطة مكّنته، حتى الآن، من تعويض ما فاته. يطمح الى المزيد، وهذا حق لكل شخص مهما اختلفت درجات مسؤوليته. الا انه يمارس “سياسته” بفجاجة باتت ترهق حتى الأقربين.

عندما فرض باسيل على وزرائه توقيع استقالاتهم قبل صدور مرسوم تشكيل الحكومة، دفعاً لهم الى التحدي والعمل، أو استقواءً عليهم وإمساكاً بقرارهم، (لا فرق في النتيجة) لم يقم بسابقة في التاريخ اللبناني إلا في الشكل. فقد قرر رئيس حزب الكتائب سامي الجميل في حكومة الرئيس تمام سلام تقديم استقالات وزراء الحزب من دون استشارتهم. وثار على هذا القرار وزيران من ثلاثة. وفي امكان اي وزير في تكتل “لبنان القوي” ان يعلن لاحقاً انه تراجع عن الاستقالة بعد تقديمها نيابة عنه.

ولم يستشر أيٌّ من رؤساء الاحزاب مجلسه السياسي، وما اليه من تسميات، في مرشحي الحزب الى الحكومة الجديدة او في الترشيحات النيابية او في خلع وزير او نائب. وحده “حزب الله” يتكتم على طريقة اتخاذ القرار في صفوفه، كما في كل اعماله. الرئيس نبيه بري حمل اسماءه الى قصر بعبدا في اللحظة الاخيرة. اسماء ربما لم يكن اصحابها قد تبلَّغوا، اذ كانت بورصة الاسماء ناشطة في محيطه الى اللحظة الاخيرة. ولا يزال تاريخ 27 آذار 2003 حاضراً في الذاكرة، عندما أصدرت هيئة الرئاسة في حركة “أمل” قرار طرد كل من الوزيرين محمد عبد الحميد بيضون وعلي عجاج عبدالله والنائب محمود أبو حمدان الذي قال آنذاك: “ببساطة ما حصل أن واحداً بسلطته منعك من الاستمرار، والقرار لم يُتخذ وفقاً لقوانين الحركة ودستورها”.

والرئيس سعد الحريري شغل المحيطين به بعدما وعد كثيرون أنفسهم بجنّة الوزارة، وفوجئوا بالتسميات. ولم يكن المكتب السياسي لـ”تيار المستقبل” قد ناقش الاسماء والصيغ ولا حتى السياسات والتوجهات.

وبالتأكيد فان قرار نقل الزعامة من رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى نجله تيمور، ومن رئيس “المردة” سليمان فرنجيه الى نجله طوني، لم يكن نتيجة مشاورات عميقة داخل الحزبين. ولم يكن إقفال حزب الكتلة الوطنية قبل اعادة احيائه نتاج استفتاء شعبي. ويوم استأثرت ستريدا جعجع بحزب “القوات اللبنانية” خلال سجن “الحكيم” لم تشارك قيادات انفصلت الى “حركة تصحيحية” لم يُكتب لها العمر الطويل.

مراجعة شريط الاحداث اللبنانية المتعاقبة تؤكد ان الحياة السياسية، والحزبية تحديداً، مشوبة بكمّ من الاخطاء المميتة، وان التغنّي بالديموقراطية داخل الاحزاب كذبة ما بعدها كذبة. البلد مقبوض عليه من أقل من عشرة أشخاص يشبهون بعضهم بعضاً الى حدّ كبير.