يروي سياسي بارز ومتابع مجريات الحوار بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، الذي سبق التسوية الرئاسية، أن ثمة شيئاً غير مفهوم يحصل في مسألة قانون الانتخاب، قائلاً: "حسبما علمنا، أن الحريري اتفق مع عون على صيغة لقانون الانتخاب، وهي تراوح بين ابقاء الستين لدورة أخيرة على أن يتم اقرار قانون جديد في سنوات العهد تجري على أساسه الانتخابات في الدورة التي تليها، أو تأجيل الانتخابات لمدة سنة، ريثما يتم التوافق على قانون جديد يرضي الجميع،".
هذه الأمور تعتبرها شخصيات مستقبلية انقلاباً من عون على ما تم الاتفاق عليه. وترى في إصراره وتصعيده بهدف وضع قانون جديد والتلويح بالفراغ، بالعودة إلى التصويب على اتفاق الطائف.
ويقول قيادي مستقبلي لـ"المدن": "تعاهدنا مع عون على الحفاظ على المناصفة وحسن التمثيل وحماية الطائف والالتزام به دستوراً. وهذا الاتفاق لا يلحظ اجراء الانتخابات وفق النسبية. ولذلك لا بد من البقاء تحت سقفه لمراعاة حقوق الجميع وعدم الغاء أحد، كما أن الدستور يعني تأمين استمرارية الحكم. بالتالي، فإن عدم التوصل إلى إقرار قانون جديد، لا يعني أنه من حق رئيس الجمهورية التلويح بالفراغ والتهديد بعدم التوقيع على مرسوم اجراء الانتخابات وفق القانون الحالي أي قانون الستين. فمجرد التهديد بذلك يعني تهديد للطائف.
حتى الآن، لاتزال الصيغ الانتخابية المطروحة في حكم الساقطة، القانون المختلط الذي اقترحه الوزير جبران باسيل، والصيغ الأخرى وآخرها التي تلحظ انتخاب ٧٥ نائباً على الأساس الاكثري مقابل ٥٣ نائباً على الأساس النسبي. لم يعد تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي الرافضين الوحيدين لهذه الصيغ، إنما ينضم إليهم كل من حزب الكتائب، تيار المردة، حركة امل، ضمنياً وقوى مستقلة أخرى. بالتالي، فإن هؤلاء سيشكلون جبهة واسعة للعمل على التصدي لهذه الصيغ التي يعتبرونها الغائية.
في مقابل ذلك، يهدد عون بالفراغ وبحلّ المجلس النيابي. وهذا الموقف قد يحرج الرئيس نبيه بري، الذي قد يضطر إلى التنازل بشكل أو بآخر. لذلك، هو يؤكد أنه مازال هناك مجال للتوافق على قانون، ويأمل التوصل إلى تسوية، لأن عدم التوصل إليها يعني وحوب توقع الأسوأ.
وهناك من يعتبر أن عون، خلال تجربته السياسية منذ الثمانينيات، أرسى مبدأ ثابتاً استمرّ معه إلى اليوم، وهو أنه لا يخشى الفراغ، بمعنىه يهدد الجميع بالفراغ وليس هو من يتم تهديده. وهذا ما حصل من ترؤسه الحكومة العسكرية في العام ١٩٨٨ ورفض الخروج من القصر والاعتراف بحكومة الرئيس سليم الحص، كما رفض الاعتراف بانتخاب رينيه معوض.
وهذا ما استكمله عون بعيد عودته من المنفى، فالجميع يذكر عرقلة تشكيل الحكومة التي قيل حينها إن ثمة قوى سياسية ترفض مشاركة جبران باسيل فيها، وقال كلمته الشهيرة: "ستين عمرها ما تتشكل حكومة لا يكون جبران فيها وزيراً". حينها عطّل تشكيل الحكومة ستة أشهر. كذلك الأمر بالنسبة إلى حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، التي عرقلها للحصول على عدد من الحقائب كالاتصالات والطاقة، والنهج نفسه استمر في حكومة نجيب ميقاتي وتمام سلام. بالتالي، فإن عون رجل لا يخشى الفراغ وهو يلجأ إلى التهديد به.
ما هي نتيجة الفراغ؟ هل يُحل مجلس النواب؟ ومن الذي يدعو إلى اجراء الانتخابات فيما بعد؟ هناك احتمالان: إما أن يتم تشكيل مجلس تأسيسي، وهذا بحد ذاته ضرب للطائف، أو ما يقوله البعض عن استمرار رئيس المجلس وهيئة مكتبه في تصريف الأعمال. وهنا، تكمن اشكالية أخرى عن مدى شرعية الرئيس والهيئة.

وفي موزاة هذه الصيغ والطروحات، ثمة من يذهب أبعد من ذلك، ويسعى إلى مواجهة الخصم بسلاحه. بالتالي، إذا كان هناك من يهدد بالإطاحة بالطائف، فإن الطرف المقابل سيعيد طرح مسألة التمثيل الصحيح. وبذلك، سينطق بلسان عون وباسيل، وبما أن الطائف لا يلحظ أي أمر بخصوص اجراء الانتخابات وفق القانون النسبي والإصرار على النسبية، هو خروج على الطائف، فإن هؤلاء سيلوحون بالعدول عن مبدأ المناصفة، وعليه فإذا كانت نسبة المسيحيين نحو ٣٥%، يجب تمثيلهم في المجلس بهذه النسبة، لا أن يحصلوا على 50%، واسقاط مبدأ المناصفة. وهذا ينسحب على عدد النواب الموارنة أيضاً بحيث يصبح تمثيلهم بـ٢٧ نائباً عوضاً عن ٣٤. وهذه الطروحات التصعيدية ستكون على قاعدة "عليّ وعلى اعدائي".