منذ الوعد الذي قطعته بريطانيا العظمى على نفسها عقب الحرب العالمية الأولى بإعطاء اليهود المشردين في كافة بقاع العالم وطن قومي لهم في فلسطين. في ما أطلق عليه بوعد بلفور نسبة إلى إسم وزير خارجيتها في ذلك الوقت وإلى اليوم أي منذ ما يقارب القرن من الزمن. والعرب ينتقلون من فشل إلى فشل ويتوارثون الهزيمة تلو الأخرى.
 

 وذلك على خلفية جملة من العوامل شكلت بداية  الأسباب الحقيقية لاندحار العرب وخاصة الفلسطينيين أمام العصابات الصهيونية الغاصبة الآتية من مختلف دول العالم  الشرقية منها والغربية وتلاقت على ارض فلسطين مرتكبة أبشع المجازر المروعة بحق سكانها، والتي كانت النواة لقيام دولة إسرائيل وانتزاع شرعيتها من المنظمات الدولية كمجلس الأمن الدولي وعصبة الأمم المتحدة وصولا إلى اعتراف المجتمع الدولي بإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. 
ولعل أبرز هذه العوامل وأهمها عدم مصداقية الحكام والزعماء العرب في ما ذهبوا إليه من وعود بإعلان الحرب على إسرائيل حتى تحرير أرض فلسطين من رجس الإحتلال، الأمر الذي كان سببا في بروز عامل آخر. وهو فقدان ثقة الشعوب العربية بأنظمتها التي استخدمت القضية الفلسطينية كسلعة للمتاجرة بها، وشعارا رفعته لاكتساب شرعيتها  ومبررا لقمع الحريات وضرب الأصوات المعارضة لسياساتها وزج أصحابها في المعتقلات والسجون. 
ولجأت هذه الأنظمة إلى التغيير في لائحة أولوياتها  فمارست الحرب على شعوبها أولا ومن ثم يأتي لاحقا الحرب ضد إسرائيل إذا ما سنحت الظروف لذلك وتوافرت المعطيات. 

إقرأ ايضا : الانهزام العربي أمام التقدم الروسي في سوريا


ويضاف إلى هذين العاملين عامل آخر لا يقل أهمية  وهو النزاعات والخلافات التي كانت تحكم العلاقة بين الدول العربية مما سبب خللا واضحا في ميزان القوى في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي لصالح العدو الصهيوني المدعوم أساسا من كبريات دول العالم بالأموال وأحدث أنواع السلاح المتطور والمواقف السياسية الداعمة والقرارات الدولية. 
إلا أن أسوأ عوامل هزائم العرب وخيباتهم على الإطلاق هي اللغة الخشبية التي اعتمدها الحكام العرب ولا يزالون في حربهم على إسرائيل والقائمة على أساليب التهديد والوعيد التي تزخر بها خطاباتهم من على المنابر او خلال تصاريحهم النارية  دون أن يكون لهذه التهديدات اي ترجمة على أرض الواقع باستثناء حق الرد في المكان والزمان المناسبين. 

إقرأ أيضا : محطات عربية مذلّة

وهذا هو السبب الواقعي الذي أدى إلى زعزعة ثقة الشعوب العربية بأنظمتها وبحكامها لدرجة فقدت هذه الثقة نهائيا دون أي إمكانية لترميمها وبالتالي أدت إلى فقدان ثقة العالم كله بالأنظمة العربية. 
وفي آخر حروف هذه اللغة الخشبية التي لم تستطع المؤسسات الرسمية العربية من تغييرها او على الأقل تطويرها واعتماد لغة أكثر واقعية وموضوعية ما اعتبرته صفعة لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي ونصر للقضية الفلسطينية. 
وجاء ذلك على شكل ترحيب الدول العربية ومعهم الفلسطينيين بالقرار الصادر عن مجلس الأمن الذي ندد وطالب بوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية في حين رفضته إسرائيل جملة وتفصيلا معلنة أنها لن تمتثل لهذا القرار. 
وكان مجلس الأمن أقر في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بغالبية 14 صوتا وامتناع واشنطن عن التصويت قرارا تحت الرقم 2334 يعتبر أن بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية غير مشروع وعقبة أمام السلام. 
فاعتبر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة القرار الدولي صفعة كبيرة للسياسة الإسرائيلية  فيما رأى امين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات في هذا القرار نصر للشعب الفلسطيني. 
من جهته الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط رحب بالقرار مؤكدا أنه يجسد تأييد ومساندة المجتمع الدولي للنضال التاريخي للشعب الفلسطيني وأشادت الحكومة الأردنية بالقرار ووصفته بالتاريخي. 
وكذلك أشادت حركة المقاومة الاسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي بالقرار. 
أما في إسرائيل فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان أن إسرائيل ترفض هذا القرار المعادي لها ولن تمتثل له. 
أما باقي الدول العربية فلا يبدو أن لديها المتسع من الوقت لرفع أقواس النصر ابتهاجا بهذا الإنجاز العربي العظيم الذي لا يعادله غير إنتصار النظام السوري على شعبه في حلب  وهي على كل حال أي الأنظمة العربية منهمكة بتدمير اوطانها وتمزيق مجتمعاتها.