عادت قرى وادي بردى ومضايا والزبداني، إلى الواجهة. لماذا الآن؟ وما علاقة ما حصل في حلب أخيراً بالوضع في هذه المنطقة من ريف دمشق؟ الإجابات عن هذين السؤالين متعددة ومتشعبة. خلال عمليات اجلاء المدنيين والمقاتلين من أحياء حلب الشرقية، عرقلت إيران وحلفاؤها في سوريا الإتفاق جزئياً، وأوقفت عمليات الاجلاء لساعات. وهذا ما كان إشارة سلبية من طهران على الإتفاق التركي- الروسي. طالبت طهران لاستكمال العملية بأن يتم إخراج جرحى من مدينتي كفريا والفوعا في إدلب. وبما أن إتفاق وقف النار في هاتين المنطقتين مرتبط بوقف النار في مضايا والزبداني، فلا بد من الربط بين ما جرى في حلب وما يجري في ريف دمشق.

في السياق العام، وبدون الدخول في أي تفاصيل أو مشاورات في مرحلة ما بعد التوافق التركي الروسي، فإن الظاهر من خلال تصعيد الحملة العسكرية على تلك المنطقة، هو السعي المستمر من النظام السوري للسيطرة عليها، بالطريقة نفسها التي جرى فيها التعاطي مع حلب: تشديد الحصار، تكثيف العمليات العسكرية، لدفع السكان إلى المغادرة. وهذا ما يسعى إليه حزب الله، استكمالاً لخطته المعلنة في سوريا وهي السيطرة على المناطق القريبة من الحدود اللبنانية لحماية مناطق نفوذه. وهذا ما تعتبره المعارضة استكمالاً لمشروعه التهجيري على أساس مذهبي.

أما في ما هو أعمق من ذلك، فثمة من يعتبر أن توجه روسيا لتكريس الحل السياسي في سوريا بعد حلب، يتعارض مع التوجه الإيراني الذي يفضل الاستمرار بالمعارك العسكرية لحسم مصير عدد من المناطق، وأهمها تلك المحيطة بدمشق. بالتالي، ثمة من يعتبر أن التصعيد الإيراني في وادي بردى عبر حزب الله يهدف إلى توسيع رقعة مناطق النفوذ في محيط العاصمة، للإستثمار في ذلك مستقبلاً، لأن السيطرة على تلك المنطقة، تعني سيطرة حزب الله على مساحات شاسعة من الريف الدمشقي. وهذا ما بدأه الحزب منذ الانتهاء من إفراغ مدينة التل، وهي تضم منطقة وادي بردى 11 قرية تمتد من البسيمة والحسينية وتنتهي بجرود رنكوس. وبذلك يتم وصل هذه المناطق مع القلمون وجروده.

قبيل التصعيد العسكري في تلك المنطقة، تقدّمت روسيا والنظام السوري بمبادرة لتسوية أوضاع هذه المناطق، وفقاً لما يسميه النظام "مصالحات". ووفق ما يقول أحد القادة الميدانيين من المنطقة لـ"المدن" فإن النظام أرسل عبر بعض وجهاء المنطقة المتعاونين معه، رسائل لبدء التحضير للمصالحة. وقد طرح أن يخرج المسلحون من هناك، على أن يبقى السكان ويدخل الجيش السوري. ما يرفضه الاهالي حتى اللحظة. وهذا يتعارض مع طرح إيران وحزب الله بوجوب اجلاء المقاتلين والمدنيين. ويعتبر القائد الميداني أن خروج الأهالي من ديارهم ليس حلاً ولا مصالحة، بل هو استكمال لمشروع التهجير.

في موازاة ذلك، شهدت المنطقة تصعيداً عسكرياً من جانب حزب الله، ودخل على الخط النظام السوري، إذ تعرضت البلدات لقصف عنيف تبعته محاولات من الجيش السوري للتقدم في اتجاه قرى الوادي من محاور عدة، أبرزها البسيمة، الفيجة والحسينية. وفيما يطرح بعض السكان بتفجير إمدادت المياه التي تغذي العاصمة دمشق، من نبع عين الفيجة، يجيب المقاتلون بأن هذه المسألة غير ممكنة حالياً، وهي تدخل في إطار حماية المدنيين في قرى الوادي.

يصرّ حزب الله على السيطرة على تلك المنطقة، وبذلك يكون قد قطع كل طرق الإمداد للمعارضة إلى القرى والجرود المتاخمة للجرود القلمونية، وتحديداً جرود رنكوس، وتلفيتا. وفي حال استطاع ذلك، يكون قد ضيّق الخناق على المعارضين في تلك المناطق، ولن يعود أمامهم سوى الرضوخ لمطالبه.

ولكن، هناك من لديه وجهة نظر أخرى عما يجري هناك، خصوصاً أن حزب الله لا يريد الدخول في معركة حاسمة في تلك المنطقة، أولاً لعدم تكبد مزيد من الخسائر، وثانياً لأنه ربطها بمصير كفريا والفوعة. بالتالي، هو يريد تشديد الحصار واستمرار عمليات القصف لدفع السكان على المغادرة، لكن إتفاق الزبداني مضايا مقابل كفريا والفوعة، جاء بضغط من النظام وقبل التدخل الروسي. لذلك، هناك من يسأل عن سبب تسعير النظام حملته العسكرية على تلك المنطقة، والبدء بعمليات الاقتحام، معتبراً أن ذلك قد يكون ضغطاً لإلغاء الإتفاق واسقاطه، خصوصاً أن روسيا من أكثر المعارضين له.

مما لا شك فيه، أن حزب الله هو الطرف الأقوى حالياً في تلك المنطقة، ولا يمكن حصول أي أمر فيها بدون موافقته. بالتالي، إن النظام لن يكون قادراً على فرض الحل أو التسوية التي يريدها، إذا ما عارضها حزب الله وإيران. لذلك، فإن أي حلّ لتلك المنطقة لن يتمّ بدون تدخّل روسي. وهذا إذا ما حصل، ويعني إستنساخ تجربة حلب، وعقد إتفاق ثلاثي، قد يسهم في إضعاف النفوذ الإيراني في تلك المنطقة.