يسير النقاش في قانون الانتخاب مسابِقاً الزمن. فمهلة 18 كانون الثاني لتشكيل هيئة الإشراف على إجراء الانتخابات النيابية يُفترض أن يتمّ قبلها الاتفاق على القانون وإلّا سيكون مصير الانتخابات مجهولاً.
 

يمكن تصوّر بدء الكلام الجدّي حول القانون منذ الآن، خصوصاً أنّ المطروح حالياً مشروعا قانون جدّيان هما قانون الرئيس نبيه بري وقانون الثلاثي «المستقبل» ـ «الاشتراكي»ـ «القوات اللبنانية»، فيما المشاريع الاخرى لا يبدو أنّ لها نصيباً في المناقشة، وهي تتكدّس في أدراج المجلس النيابي، ولن تُطرَح للتصويت، في اعتبار أنّ الاتفاق على القانون بين القوى السياسية سيحصل خارج المجلس النيابي.

وإذا كان «القانون الثلاثي» بات عملياً خارج النقاش لرفض بري وحزب الله و»التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب تبنّيه، فإنّ مشروع بري الذي يطرح إجراء الانتخابات على اساس تقسيم المقاعد مناصَفة بين النظامين الأكثري والنسبي، هو الذي سيناقش تحت عنوان تقريب المسافات بين المشروعين، إن في توزيع المقاعد وتصنيفها نسبياً أو أكثرياً، أو في توزيع الدوائر، وهذا نقاش دقيق يرسم منذ الآن تقريباً صورة التوازنات في المجلس النيابي، مع بعض الاستثناءات التي لا يمكن ضبطها.

ويبدو الى الآن، وعلى رغم بعض التسريبات، خصوصاً من جهة بري المستاء من موقف «التيار الوطني» المتراجع عن تعهّده بالقانون، أنّ موقف الثنائي المسيحي، لا يعارض قانون بري، وأنه قابل للتفاوض حول تعديلات محدَّدة فيه.

ولا يعتبر هذا الثنائي أنّ القانون مجحفٌ في حق التمثيل المسيحي، إذ إنه يؤمّن انتخابَ نحو 55 نائباً بأصوات المسيحيين، وهذا بحدّ ذاته إنجاز سيُضاف في المجلس النيابي الجديد الى إنجاز استعادة التوازن داخل الحكومة حيث يفاخر هذا الثنائي بالحصة المسيحية الصافية في حكومة الثلاثين التي تبلغ 12 وزيراً، وهو أمر يتحقق للمرة الاولى منذ العالم 1990.

يعمل الثنائي المسيحي على التنسيق في الشاردة والواردة في ما يتعلّق بقانون الانتخاب، بالطريقة نفسها التي تمّ التنسيق بها في انتخابات الرئاسة، وفي تشكيل الحكومة، والتواصل دائم بين الدكتور سمير جعجع والوزير جبران باسيل، حيث لوّح باسيل أخيراً بإعادة طرح قانون الانتخاب الأرثوذكسي، لرفع السقف والوصول بعد التفاوض الى افضل صيغة تخدم الثنائي المسيحي وتحقق له ما كان يُفترض أن يحقِّقه من نتائج اكيدة فيما لو أُجريت الانتخابات على اساس قانون الستين الذي بات القانون المفضل لـ»القوات» والعونيين إذا لم يستطيعا التوصل الى قانون أفضل، هذا فيما تمّ تجاهل قانون فؤاد بطرس كلياً، ولم يعد مطلب أيّ طرف مسيحي.

ويبقى السؤال في حال اقترب الثنائي المسيحي من الموافقة على قانون بري وبعض تعديلاته، عن موقف «المستقبل» من هذا القانون، الذي يصيب كتلة «المستقبل» بأضرار بالغة، خصوصاً في دائرة بيروت الثالثة وبعض الدوائر المهمة كطرابلس وصيدا وعكار، فهل سيُترك «المستقبل» وجهاً لوجه مع قانون بري، إذا ما سحبت «القوات» و»التيار» اعتراضهما؟

الأرجح أنّ تيار «المستقبل» لن يقبل بقانون بري إلّا بعد إدخال تعديلات جوهرية عليه، لكن لن يكون حلفاؤه السابقون والجدد الى جانبه في هذه المواجهة، فالثنائي المسيحي يوجّه هدفه نحو الدوائر المسيحية الصافية كأولوية، ومن ثمّ يتّكل على التحالف في الدوائر التي للثنائي فيها أرجحية، وهذا يعني أنّ صيغة التحالفات السابقة التي أنتجت قانون الستين لم تعد قائمة، وأنّ التحالف بين قوى 8 آذار من جهة و14 آذار من جهة ثانية أصبح من الماضي، إذ بات مَن يسمّون انفسهم بالأقوياء متحالفين داخل طوائفهم، فيما يسعى تيار «المستقبل» الى خوض مواجهة تمنع إقرار قانون انتخاب لا يلائمه، إذا ما قرّر تأكيد حضوره في الساحة السُنّية، وهو يقاتل وحيداً لتحقيق هذا الهدف.

ويبقى السؤال، هل سيتمّ إنتاج قانون جديد؟ وما هي خريطة القوى التي سيفرزها القانون؟ الواضح أنّ قانون الستين قد دُفن، وأنّ النسبية الجزئية التي ستُعتمد ستغيّر من الأحجام، فتشطر بعضها، فيما البعض الآخر كالثنائي الشيعي سيحافظ في أيّ قانون على حجمه، في حين أنّ متغيّرات ستحصل مسيحياً ودرزياً وسنّياً، لن يُعرف حجمها، علماً أنّ اكثر المتوجّسين من القانون الجديد هما «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط، الذي يعتبر قانون الستين الأمثل بالنسبة اليه، نظراً لأنّ أيّ صيغة جديدة ستؤدّي الى إضعاف قوته في الشوف وعاليه، والى دخول لاعبين جدد في ساحته الانتخابية المقفلة منذ عام 1990.