لم يسلم تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري من الانتقادات على التشكيلة الحكومية. اعتراضات سياسية وشعبية من الحلفاء و"شماتة" من الخصوم، بأن الحريري قدم كثيراً من التنازلات في سبيل استعجال ولادة حكومته، وأبرزها السماح لصقور الوصاية السورية بالعودة إلى مجلس الوزراء. إستحقاقات عديدة في انتظار الحريري، بعيد الانتهاء من البيان الوزراي، على رأسها التحضير للانتخابات النيابية، وإعادة تعزيز وضعه داخل بيئته وإصلاح أوضاع مؤسساته. هذا في ما يتعلق بالمسألة الشعبية. أما سياسياً، فثمة أسئلة عديدة تطرح في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة، ولاسيما حلب، التي اعتبر البعض أنها كانت الميزان الأساسي للحكومة.

لا يَعتبر تيار المستقبل نفسه مهزوماً، فكما إستطاع الفريق الآخر أن يوزّر بعضاً من صقوره، كذلك فعل التيار، بتوزير كل من جمال الجراح ومعين المرعبي ومحمد كبارة. وهؤلاء من صقور المواجهة في التيار ضد حزب الله والنظام السوري. ومن حيث العدد، لا يمكن اعتبار حصة الحزب أو تحالف الثامن من آذار أكبر من حصة المستقبل في الحكومة، ولاسيما أن وزراء الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر سيكونون رافعة للعهد لا وزراء لتعطيله وتكبيله.

هكذا يقرأ النائب عقاب صقر، في حديث إلى "المدن"، نتائج تشكيل الحكومة، التي يصفها بحكومة الأمر الواقع التي يحتاج إليها الجميع بهدف وقف التدهور الأمني والإقتصادي والمالي، ولولاها لكان لبنان في العراء. ويعتبر أن البلد بحاجة إلى عملية سريعة، ويحتاج إلى سيارة إنعاش لنقله إلى المستشفى، فكانت الحكومة هي تلك السيارة، بمعزل عن نوعها أو منشأها. ولا يخفي أنها ليست الحكومة التي يطمح لها التيار ولكنها حكومة الضرورة.

مقابل نقاط الإنتصار التي يتحدث عنها حزب الله، يعتبر المستقبل أن لديه نقاطه، أولها أسماء الوزراء؛ وثانياً أنه التزم بإيصال الأسماء التي أعلنها مسبقاً، فيما الفريق الآخر لم يستطع إيصال بعض من أراد توزيرهم. ويكشف صقر عن أنه إثناء عملية التشكيل جرت محاولات تذاكٍ بين الأفرقاء، حول الأسماء، فتمَّ الإلتزام ببعضها، فيما لم يُلتزام بالبعض الآخر. لذلك، لم يكن في الإمكان التدخل بأسماء الفريق المقابل كي لا يُسمح له التدخل بأسماء المستقبل. ويضيف أن ما يسعى إليه حزب الله هو تحجيم القوات وعدم إشراكها في الحكومة، لكن إصرار الحريري أسهم في حصولها على حصة وازنة. فيما حزب الله يعتبر أن بعض الأشخاص يشكلون إنتصاراً بالنسبة إليه، علماً أن لا أحد يستطيع تعطيل عمل المحكمة الدولية، وهي غير خاضعة للمزاجية اللبنانية، بل قرار دولي غير مرتبط بوزير العدل. ويلفت إلى كلام الوزير سليم جريصاتي بأنه سيتعاطى بواقعية مع المحكمة، لأنها تحت الفصل السابع. أما عن وزير الدفاع فيعتبر أن ليس لديه أي صلاحيات، حتى أن البعض سيقول إن مهماته تقتصر على اعتباره ساعي بريد بين الجيش والسلطة السياسية.

وردّاً على "النكتة الأكبر"، أي اعتبار الحكومة هي حكومة ما بعد حلب، يسأل صقر: "هل ستشن جيوش 8 آذار حملات عسكرية على قوى 14 آذار؟". فمقياس ما بعد حلب لا ينعكس على الداخل اللبناني، وإن كان في المسألة السورية. فهذه المرحلة هي للمطالبة بمناطق آمنة في سوريا. والسؤال الكبير الذي يشغل العالم، هو إذا ما كان داعش هو الخطر، أم من يقتل المدنيين ويحول الآخرين إلى متطرفين؟ فبسبب هذا الخطر تحوَّل أحد عناصر الأمن التركي إنتحارياً اغتال السفير الروسي في أنقرة بسبب هول ما شاهد، لأن ليس هناك أي مؤامرة أو ما شابه. ويستشهد صقر في ذلك بكلام أحد الديبلوماسيين الإيرانيين الذي يعتبر أن عليهم الفرح لثلاثة أيام، والقلق لثلاثين عاماً بسبب تداعيات حلب.

تبدو قيادة المستقبل واثقة إلى مسار الأوضاع في سوريا، على قاعدة أن أي وقف لإطلاق النار سيكون لمصلحة الثورة السورية، وسيعود السوريون إلى الشوارع للهتاف بإسقاط النظام، معتبراً أن أي حل سياسي للأزمة السورية سيخرج الأسد من السلطة، وحتى إيران وروسيا لن تكونا قادرتين على تحمّل بقائه، لأن برقبته أكثر من نصف مليون ضحية. أما بالنسبة إلى الإتفاق التركي الروسي في شأن سوريا، وإذا ما كانت أنقرة قدّمت تنازلات أدت إلى خسارة المعارضة حلب، يعتبر المستقبل، أن تركيا حين تعقد إتفاقات تكون عارفة حدوده، وعلى أساسها تتخذ خطواتها. لذلك، بمعزل عن الشعر والمواقف الإعلامية، فهو يتعاطى بواقعية وبما يعود بالمردود الإقتصادي عليه. بالتالي، كان مطلبه الأساس، هو حماية حدوده وأمنه الإستراتيجي بالدخول إلى مناطق محددة في سوريا، وعدم الاقتراب من حدوده، خصوصاً في أرياف إدلب وحلب واللاذقية، بالإضافة إلى تحجيم الأكراد، ويشارك في المعركة ضد داعش في سوريا والعراق. وهذا ما استطاعت تأمينه بالتفاهم مع موسكو.

وبالعودة إلى لبنان، لا ينفي المستقبل احتمال المناكفات في مجلس الوزراء، على قاعدة الإنقسام حول سوريا، ولكن لا خوف لدى المستقبل من تكرار تجربة إنسحاب حزب الله وحلفائه من الحكومة، وإسقاطها، لأن الحزب بحاجة إليها، ويحتاج إلى هذا الجسم ليبقى محمياً بداخله.

بعيد انتخاب عون، والزيارات الخليجية التي شهدها لبنان، سرت أخبار عن امكانية سحب عون من التحالف مع الحزب. هذا ما ينفيه المستقبل، إنما الرهان على إرادة عون بإطلاق عجلة عهده. وبالتالي سيفرض شروطه في سبيل ذلك. وهذه الشروط كفيلة بتقليم أظافر حزب الله، لأنه لا يمكن لعون أن يكون على يمين الحزب كما كان في السابق، بمواجهة الدول العربية والمجتمع الدولي. ففي ذلك يطلق رصاصة الرحمة على عهده. وما سيتغير هو وظيفة عون وتياره وليس موقعه السياسي.

ويصف صقر علاقة الحريري مع السعودية بـ"الجيدة"، والدليل يظهر من خلال الوفود السعودية والخليجية إلى لبنان، وأن أول المهنئين بتشكيل الحكومة كان القائم بأعمال السفارة السعودية. أما عن الوضع المالي، فيشير إلى أنه قيد الحلحلة، وهو أمر يتعلق باجراءات روتينية وقضائية لا علاقة للسياسة بها، وبعد انتهاء هذه الاجراءات سيتغير كل شيء، وتتحسن أوضاع المؤسسات التابعة للحريري.

أما عن مهمته الشخصية بعد عودته إلى لبنان، فيعتبر صقر أنه بالإضافة إلى عضويته في المجلس النيابي، فهو إلى جانب الحريري في مختلف المحطات والاستحقاقات، وإن لم يكن لديه مسؤولية محددة، نافياً الكلام الذي يتحدث عن أنه سيتسلم المؤسسات الإعلامية للتيار، لأن هناك فريق عمل على رأس تلك المؤسسات.