دخلت العلاقة بين الرئيس ميشال عون و"حزب الله" مرحلةً جديدة من الوضوح، المبني على ما يحقّ للرئيس أن يفعله وما لا يحقّ له القيام به.
فبعد أن تمّ إيفاء «الدين الكبير» بانتخاب عون رئيساً ها هو حق تقرير المسار السياسي يعود الى اصحابه، وقد بدأ تطبيقه حرفياً، وهو ما سيضع عون وعهده امام الاختبار الكبير، فيما المعروض على طاولته خيار واحد، سواءٌ في تشكيل الحكومة أو في قانون الانتخاب.
 
لا يمكن عون أن يتجاوز خريطة الطريق التي وضعها «حزب الله»، التي فوّض الى الرئيس نبيه بري تطبيقها، فقراره بالمضي في النهج القديم، سيعرّض العهد لانتكاسة كبرى إذا ما تعذّر تشكيل الحكومة، ويصبح عون أمام تحدّي رسم مهلة زمنية قصيرة لإعلان تشكيل الحكومة، في اعتبار أنّ خريطة الطريق التي وضعها «حزب الله» لا تترك للعهد مجالاً للمناورة، بل للانتظار إذا أحبّ أن يلعب لعبة عضّ الأصابع.
 
وعلى رغم كلّ الوضوح الذي أعقب انتكاسة تأخير تشكيلة الـ 24 فإنّ عون لا يزال يضع «حزب الله» خارج المسؤولية عن التعطيل، بل يرميها على حليف الحليف بري، مع علمه المسبَق بأنّ بري فوّضه الحزب كلياً.
 
وتقول المصادر إنّ عون لم يعد في وضع القادر على الانتظار أكثر لتشكيل الحكومة، مشيرة الى أنّ مقارنته انتظار تشكيل الحكومة، بما انتظره لكي يُنتخب رئيساً، ليست لمصلحته، فهو اليوم رئيس مسؤول عن تشكيل الحكومة، تماماً كمسؤولية الرئيس المكلَّف، وبالتالي فإنّ ادّعاء القدرة على احتمال الفراغ الحكومي، كما القول إنّ هذه الحكومة ليست حكومة العهد الأولى، هو مجرد تكتيك في لعبة عضّ الأصابع، وليس حقيقة يُبنى عليها، في اعتبار أنّ نجاح العهد مرتبطٌ بتشكيل الحكومة وبنوعيّة هذا التشكيل.
 
وتشير المصادر الى أنّ ما جرى منذ انتخاب عون لا يشي بتسهيل طريق العهد، وتكفي مراقبة تتابع عقبات التشكيل لمعرفة أنّ طبيعة هذه العراقيل ليست من طبيعة تقنية بل سياسية.
 
فقد وضع «حزب الله» أهدافاً للتشكيل لم يُعلَن عنها دفعة واحدة بل أعطى العناوين، وتتالت العراقيل من قضية الوزارة السيادية التي حُلّت الى حقيبة الأشغال التي تنازلت عنها «القوات اللبنانية»، ليظهر فيما بعد المطلب الأساسي برفع عدد الوزراء الى 30 وزيراً، مع ما يحمل ذلك من استكمال خريطة طريق حزب الله كاملة.
 
واذا كانت حكومة الـ24 مرفوضة من البداية لدى «حزب الله»، لماذا ترك الرئيس سعد الحريري على سعيه لتُشكَل هذه الصيغة، ولماذا لم يعارض الحزب منذ البداية، ليتمّ رفع السقف في اللحظات الأخيرة أي قبل ايام من زيارة الحريري لبعبدا، وليتبيّن أنّ حكومة الثلاثين ستعيد خلط الأوراق والحقائب، كما ستخفّف من حضور الثنائي المسيحي بشقه «القواتي» داخل الحكومة.
 
الأرجح تقول مصادر سياسية إنّ هذا التكتيك في التفاوض يشبه عملية القضم والهضم، إذ بعد أن كُرِّست وزارة الأشغال من حصة النائب سليمان فرنجية، انتقل «حزب الله» الى مطالبه الأخرى، تحت طائلة عدم تشكيل الحكومة، فمطلب حكومة الثلاثين أساسي لتكريس الثلث المعطل الصافي بمعزل عن حصة عون كاملة، التي تمّت «خردقتها» بوزراء معروفي الولاء، كما أنّ هذا المطلب أعاد النزاع على الحقائب وفتح الباب أمام إعادة توزيعها، بحيث سيتمّ اقتناص أكثر من حقيبة من حصتي «القوات اللبنانية» و»المستقبل»، بداعي إرضاء وزراء الدولة، أي وزراء اللاحقيبة.
 
تختصر المصادر بالقول إنّ تشكيل الحكومة بات متوقِفاً الآن على ما يريده «حزب الله» وحلفاؤه، وهي مطالب تعرقل عهد عون، وتضع الرئيس المكلَف في إحراج كبير، ولكن على رغم هذا التعطيل، فإنّ مصلحة عون بتشكيل الحكومة سريعاً تتجاوز مصلحة الرئيس الحريري، الذي وضع أمانة التشكيل عند رئيس الجمهورية، والذي لا يخفي عدمَ استعجاله تشكيل الحكومة، في اعتبار أنّ الاستمرار في الوضع الحالي، يؤدّي حُكماً الى الذهاب الى موعد إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين.
 
هل سيتّخذ عون القرار في الأيام القليلة بوضع سقف زمني لتشكيل الحكومة؟ وهل سيكون عون والحريري و»القوات» معاً، في موقع دعم تشكيلة حكومية لا تلبّي كلّ مطالب «حزب الله» وحلفائه، بعد أن ذُلِّلت عقدة الأشغال؟
 
الارجح تقول المصادر إنّ عون لن يغامر بوضع نفسه وجهاً لوجه أمام «حزب الله»، نظراً لكلفة المواجهة، ولعدم توافر عناصرها، وبالتالي فإنّ الطريق الأقصر سيؤدي الى تلبية مطالب الحزب، لكي تولد الحكومة، لكنّ المعركة الأصعب ستكون حول قانون الانتخاب علماً أنّ مجرد الإعلان عن فصل مسارَي تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، إنما يؤشر الى وجود قرار لدى الحزب بالذهاب الى النسبية، وهنا سيكون لرئيس المجلس النيابي، الدور الأكبر كما في قضية تشكيل الحكومة، لكنّ الاكيد أنّ قانون الستين لم يعد بالنسبة الى «حزب الله» صالحاً لإدارة التوازنات الجديدة الناتجة عن تبدّل ميزان القوى.